**الســلام عليكـم**

ابحث عن موضوعك في موقعي هنا

ترجمة/Translate

الأحد، 1 سبتمبر 2013

الشيخ محمد شارف الجزائري أعدّها تلميذه الدكتور محمد إدير مشنان


alt
اسمه ونسبه الشريف ([1]):
هو محمد بن عبد القادر بن الحاج بن عبد القادر بن الحاج المدني بن الحاج بن حليمة بن رابح بن عواز بن زيان بن إبراهيم بن حامد الشارف بن يعقوب الشريف بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد الخالق بن اعلي بن عبد القادر بن عامر بن رحو بن مصباح بن صالح بن اسعيد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مولانا اسليمان بن عبد الله الكامل بن محمد بن إدريس دفين فاس بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن مولانا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه زوج فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إثبات نسبه الشريف:
يقول الشيخ حفظه الله في هذا الصدد: ((ثبت عندي في وثيقة هي عندي مرقمة بتاريخ 1212ع هـ، تشتمل على شهود بها، يبلغ عددهم 25 شاهدا مسنِّين مزَكِّين من طرف قاضي الجزائر العاصمة، واضعين عليها خطوط أيديهم مختومة بختم قاضي الجزائر العاصمة، ويشهدون كلهم أن جدنا الحاج عبد القادر بن الحاج المدني المذكور آنفا، هو من أولاد حامد الشارف المعروفة سلسلته الشريفة باتفاق المسنين من أهل بلده على أنه حسني من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب، نجل فاطمة الزهراء، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبما أن الناس مؤتمنون على أنسابهم ـ كما جاء في الأثر النبوي ـ فقد سجلت نسبي هذا، والله على ما أقول شهيد)).
دخول أسلافه إلى الجزائر:
يقول الشيخ حفظه الله: إن أول من دخل المغرب ونزل تلمسان هو مولانا سليمان ـ كما صححه الحلبي وابن الربيع العلمي ـ اعتمادا على ما للنوفلي وابن خلدون وابن أبي زرع وغيرهم.


عائلته واهتمامها بالعلم:
يقول الشيخ حفظه الله: هذا وأسرتنا معروفة باسم الحوامد نسبة إلى جدنا سيدي حامد الشارف، وهي واقعة بين ثنية الحد وقصر البخاري، مجاورة لأسرة أخرى يقال لها: السيرف الذين يعترف أفرادهم بشرفنا، كما أن ذلك متواتر بينهم، فهذا ما هو من ناحية نسبي الشريف.
وكانت عائلته متوسطة الحال، معروفة بالتدين، فأبوه، وجده الأول، وجده الثاني، كلهم من حجاج بيت الله تعالى، وهذا يحمل أكثر من دلالة في هذا الصدد، فالحج وقتئذ لم يكن من الأمور السهلة الميسورة، ولا يتم إليه إلا لأهل الحرص على أداء هذا المنسك العظيم.
كما كانت محافظة على القرآن الكريم وحفظه، مشاركة في العلم، فجده الحاج المدني كان معتنيا بالفقه حريصا على تحصيله، وكان مهتما باقتناء الكتب ونسخها، وأبوه الحاج عبد القادر هو أول أساتذة الشيخ محمد شارف، وعنه حفظ القرآن الكريم، وكان مشاركا في الفقه وعلوم اللغة، وعم أبيه الحاج ابن سهادة يعد أيضا من أساتذة الشيخ محمد شارف، وهو صاحب زاوية علمية في تلك المنطقة، وأخواله أيضا كانوا مهتمين بالعلم مشاركين فيه، وقد ذكر لنا الشيخ اسمين منهم وهم رابح ، وبوعلام.


مولده:
ولد الشيخ حوالي سنة 1908م، في مدينة مليانة التابعة في ولاية عين الدفلى في الغرب الجزائري.
نشأته العلمية:
حفظ الشيخ محمد شارف القرآن الكريم، وعمره حوالي اثنا عشر عاما، وتلقى مبادئ علوم اللغة والفقه في مسقط رأسه مليانه ، والمناطق القريبة منها، ثم انتقل إلى الجزائر العاصمة فواصل تحصيله العلمي، وسيأتي تفصيل ذلك أثناء الحديث عن مسيرته في التعلّم وشيوخه.
عوامل نبوغه:
تظافرت جملةٌ من العوامل ساهمت في نبوغ الشيخ محمد شارف وتحصيله العلمي، ومنها:
1ـ استعداده الفطري، وملكته، وقد أعجب شيوخه بذكائه، وتفرسوا فيه النبوغ والتفوق، وخاصة أباه عبد القادر، والشيخ بوغرقة، والشيخ ابن سهادة، والشيخ مَحمد كال المعسكري([2]).
2ـ حرصه الشديد على طلب العلم، فقد كان الشيخ في مرحلة التحصيل يأخذ عن شيوخه ما تيسر له، حتى إذا اختلى بنفسه أعاد كل ما أخذه عن شيوخه، ثم استرسل في مسائل أخرى لم يذكرها شيوخه في المجلس، ولم يكن يكتفي بما يأخذه عن شيوخه من فنون العلم، بل كان يطرق فنونا وعلوما أخرى بدراسة كتبها والتدقيق فيها، وكان يكرر المسائل المستعصية ويعيدها ويذاكرها مرات حتى يستوعبها تمام الاستيعاب ويحصل عليها تمام التحصيل ويتمكن منها كل التمكن. وهكذا كان دأبه في طلب العلم وطريقته في تحصيله.
3 ـ الأسرة التي نشأ فيها، فقد كانت متوسطة الحال، مكتفية بذاتها، قادرة على توفير جو التعلم لأفرادها المؤهلين من ذلك، إضافة إلى أن أفرادها كانوا مهتمين بالعلم، مشاركين في فنونه، وقد تقدم الحديث عن جده، وأبيه، وعم أبيه، وأخواله.
4ـ انتقاله وسفره إلى الجزائر العاصمة للإقامة فيها، إذا يسر له هذا السفر التلقي عن شيوخ آخرين استفاد منهم كثيرا.
شيوخه في بلدته وما جاورها:
أما شيوخه الذين تلقى عنهم العلم في بلدته، ورأسه القرآن الكريم، فهم على التوالي:
1ـ أبوه الحاج عبد القادر بن الحاج المدني: الذي كان من حفظة القرآن الكريم، وله مشاركة في بعض فنون العلم كالفقه والنحو، وهو الذي لقن الشيخ محمد شارف كتاب الله الكريم، إذ قرأ عليه الختمة الأولى بطريقة المحمول، التي تعرف بـ "الشَّاقَّة"، وقد بدأ حفظ القرآن في حدود السابعة أو الثامنة من عمره، وأتم حفظه وعمره حوالي اثنا عشر عاما، وتوفي الشيخ عبد القادر حوالي سنة 1920م، أثناء تلقين ابنه محمد شارف الختمة الثانية لكتاب الله تعالى.
2 ـ الشيخ الحاج ابن سهادة: وهو عم أبيه الذي كانت له زاوية لتحفيظ القرآن([3])، وعليه قرأ الشيخ محمد شارف الختمة الثانية لكتاب الله تعالى. 3
ـ الشيخ احسين بلحاج بوغرقة: قرأ عليه الختمة الثالثة لكتاب الله تعالى، حيث انتقل الشيخ إلى فحص رُقَّالة، دائرة مليانة، كما أخذ عنه شرح صغرى السنوسي، وختمها على يديه، وحضر أيضا دروسه النحوية في شرح المقدمة الآجرومية، وكان ذلك من سنة 1925م إلى سنة 1932م.
فهؤلاء شيوخه الذين حفظ القرآن الكريم، وكان ذلك بطريقة المحمول المشتهرة آنئذ، كما أخذ بعض مبادئ العلوم الأولية.
4 ـ الشيخ مَحمد وكَّال المعسكري الأزهري: درس هذا الشيخ في الأزهر لمدة سنوات، وبسبب اضطرابات سببها الاستعمار الإنجليزي وقتئذ اضطر الشيخ إلى مغادرة مصر، وعاد إلى مليانة، وهنا انتصب فيها بالتدريس، وشغل منصب مفتي المسجد الجامع في مليانة.
هذا، وقد انتقل الشيخ محمد شارف إلى مدينة مليانة، فتلقى على هذا الشيخ محمد وكال ختمة من متن الآجرومية، ثم ختمة من مختصر خليل المالكي([4]).
5 ـ الشيخ بن عودة: كان يشغل وظيفة الإمام المدرس في المسجد الجامع في مليانة، وقد وصفه الشيخ محمد شارف بأنه كان فقيها، وأفادنا أنه حضر دروسه في شرح مختصر خليل.
6 ـ الشيخ عبد القادر مساعدية: وهو أيضا من فقهاء مدينة مليانة، وكانت له مجالس علمية حضر الشيخ محمد شارف بعضها.

ملحوظة:
يبدو أن العلوم المتداولة وقتئذ في هذه المنطقة كانت مقتصرة على حفظ القرآن الكريم، ودراسة الفقه المالكي، وتعليم النحو، وكان أكثر اهتمامهم بمختصر خليل في الفقه، والمقدمة الآجرومية في النحو، وهذا ما أكدّه الشيخ في حديثه المصور.
شيوخه في الجزائر العاصمة:
وفي سنة 1932م انتقل الشيخ محمد شارف إلى الجزائر العاصمة، بمفرده، ليأخذ عن بعض علمائها، ومنهم:
7 ـ الشيخ عبد الله الدراجي: كان موظفا في الحضور([5])، لازم الشيخ دروسه من سنة 1934 إلى سنة 1937م، وعنه أخذ الخلاصة الألفية لابن مالك كاملة في مسجد سيدي امحمد الشريف بالقصبة، كما حضر دروسه الفقهية وخاصة شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني.
وكان الشيخ الدراجي وقتئذ في سن متقدمة في حدود الثمانين من عمره، وتوفي سنة 1938م، ودفن في مقبرة القطار الجديدة، في الجزائر العاصمة.
8 - الشيخ نور الدين عبد القادر البسكري: خريج المدرسة الثعالبية بالعاصمة، حضر عليه دروسه في النحو، والصرف، والمنطق، والعروض، وكتب الأدب والتاريخ كمقدمة ابن خلدون، وذلك من سنة 1932م إلى سنة 1937م.
وقد ختم هذه الدارسة بأن نال من هذا الشيخ شهادة ما تزال في حوزة الشيخ.
ومن بين الكتب التي كان يعتمدها هذا الشيخ: متن ابن عاشر في الفقه، قطر الندى لابن هشام في النحو، النحو الواضح وبعض الكتب العصرية في علوم اللغة الأخرى، وشرح المعلقات للزوزني، ومقدمة ابن خلدون، وتاريخ الجزائر لعثمان الكعاك، وكتاب إيساغوجي في المنطق ...
9 ـ الشيخ بن دالي محمود المعروف بالشيخ كحول: الإمام الأوَل بالجامع الأعظم في الجزائر العاصمة وقتئذٍ. حضر الشيخ محمد شارف دروسه شرح متن القطر لابن هشام بطريقة الإملاء.
10 ـ هذا وقد كان الشيخ حريصا على حضور الدروس الإصلاحية التي كان يلقيها أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في نادي الترقي، فحضر كثيرا من دروس الشيخ عبد الحميد بن باديس، ومحمد البشير الإبراهيمي، والطيب العقبي.
وقد أبدى الشيخ إعجابه الشديد بتلك الدروس، وطريقتها، ومواضيعها، وبلاغة أصحابها وفصاحتهم.
مواصلة الشيخ للتحصيل بطريقة عصامية:
لم يقتصر الشيخ شارف في التحصيل العلمي على ما يأخذه عن شيوخه، بل كان جادا مجتهدا في الاستزادة من بطون الكتب وأمهات المصنفات في شتى الفنون والعلوم، قد اعتمد في ذلك على الله تعالى، ثم على نفسه ـ كما قال لنا في الحديث المصور الذي أجريناه معه ـ، وشعاره في ذلك قول القائل:
ونَفْسُ عصَامٍ سَوّدَتْ عِصَاما وعـلّمَـتْه الكرّ والإقْـداما
وقد اتبع نظاماً معيناً وطريقة جادة في الاستزادة من العلم يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1 ـ كان يعيد كل ما يقرأه عن شيوخه، ويكرر المسائل، ويذاكرها باستمرار حتى يتمكن منها ويستوعبها تمام الاستيعاب.
2 ـ كان يتعلّم ويعلِّم في الوقت نفسه، وذلك أنه كان يعيد تدريس ما تعلمه لبعض الطلبة، وقصده في ذلك ترسيخ ما حصل عليه من المعارف وتثبيتها، ونفع هؤلاء الطلبة ببعض ما آتاه الله من علم، وتدريب نفسه على التعليم منذ حداثة سنة([6]).
3 ـ كان شغوفا بكل ما أتيح له من العلوم، وهذا ما دفعه إلى قراءة عدَدٍ كبير من كتب علوم الشريعة على اختلاف أنواعها ومدارسها، وكتب اللغة وعلومها، وكتب التاريخ والجغرافيا، وكتب المنطق، وغير ذلك من العلوم الدينية والأدبية والاجتماعية الإنسانية.
ولا يدخل الإنسان بيته إلا ووجده في مطالعة كتاب أو تحرير مسألة، وكانت مجالسه تزدان في كل يوم بالكتب التي يطالعها، ولم يمنعه من ذلك ضعف البصر ولا كبر السن، فالشيخ الآن قد جاوز الرابعة والتسعين من عمره ولكنه بقي وفيا لكتبه محافظا على نشاطه في المطالعة والمذاكرة.
نشاطاته العلمية ووظائفه:
البدايات الأولى في ممارسة الشيخ لنشاطه التعليمي: أشرت فيما سبق إلى أن الشيخ محمد شارف كان يجمع بين نشاطي العلم والتعليم في آن واحد، فكان يحضر مجالس العلم عند شيوخه، ثم يعد ذلك لبعض الطلبة، فكان تلميذا وأستاذ في الوقت نفسه.
حصوله على رتبة الإمامة:
وفي سنة 1936 تحصل الشيخ على رتبة الإمامة، بعد أن أجرى امتحانا كتابيا، ثم شفويا، ولم يتمكن من وظيفة الإمامة إلى بعد سنة 1945، لأسباب منعته من ذلك نشاطه أثناء وجوده تحت الأسر الألماني: من الأسباب التي منعت الشيخ من الالتحاق بوظيفة الإمامة، أن الاستعمار الفرنسي فرض على شعوب البلاد المستعمرة التجنيد الإجباري أثناء العرب العالمية الثانية، وبسبب ذلك وقع كثير منهم تحت الأسر الألماني، فأودعوا في محتشدات في فرنسا.
وكان الشيخ محمد شارف واحدا من هؤلاء المعتقلين، حيث بقي تحت أسر الألمان في إحدى المحتشدات من سنة 1939م إلى سنة 1944م، ثم تحت سلطة الاستعمار الفرنسي خلال سنة 1945م.
غير أن ذلك لم يُعـِـقْـه من مواصلة نشاطه التعليمي، ففي هذا المحتشد التَفَّ حوله عدد هائل من المعتقلين بعد أن أدركوا مكانته العلمية، فكان يلقي عليهم دروسا في الفقه لعامة الناس، ودروسا في النحو لخصوص بعض الطلبة الراغبين في تعلم قواعد اللغة العربية.
وكان الحاضرون من بلدان كثيرة كالجزائر، وتونس، والمغرب، والسنغال وبعض البلاد الإفريقية والآسيوية، ومن أبرز نشاطه هنالك ما يلي:
1 ـ محافظتهم على قراءة القرآن الكريم في راتب يحافظون عليه، إذ كانوا يختمون قراءة القرآن مرة كل شهر.
2 ـ تدريسه لمتن ابن عاشر المسمى بـ "المرشد المعين على الضروري من علوم الدين([7]).
3 ـ تدريسه لكتاب "المقدمات الممهدات" في الفقه المالكي لابن رشد الجد([8]).
4 ـ عقده مجلسا لشرح متن الآجرومية في النحو. هذا، وكان يحضر دروسه بعض من لا يعرف العربية، فاتخذ الشيخ من يترجم للناس دروسه إلى اللغة الفرنسية التي يفهمها أغلبهم، لأنهم كانوا تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي.


نشاطه العلمي والعملي بعد رجوعه إلى الجزائر:
المناصب التي تولاها:
عاد الشيخ محمد شارف إلى الجزائر خلال سنة 1945، ولأسباب خفية لم تعط له وظيفة الإمامة، فَـعُـيِّـن مؤذنا في الجامع الكبير في الجزائر العاصمة.
ثم تمكن بعد ذلك من الحصول وظيفة الإمامة في جامع سيدي رمضان في القصبة، وفي الجامع الكبير. وفي الستينيات أجرت وزارة الشؤون الدينية امتحانا للأئمة قصد تصنيفهم في رتبهم المختلفة، وبموجب هذا الامتحان صار الشيخ محمد شارف في رتبة إمام خطيب، وبعد هذا عين الشيخ إماما خطيبا، في مساجد مختلفة بالجزائر العاصمة، منها جامع كتشاوة، وجامع المدرسة في سيدي امحمد (بلوزداد)، وجامع أبي فارس في القصبة، وانتهى به الأمر في الجامع الكبير الذي بقي إمامه الخطيب إلى أن سنة 1987م، حيث تقاعد عن وظيفة الإمامة.
مسيرته التعليمية:
بدأت مسيرة الشيخ التعليمية منذ كان في مرحلة التحصيل، حيث كان يجمع بين التعلّم والتعليم، إذ كان يعيد ما يدرسه على بعض الطلبة. وبعدها بدأت مرحلة العطاء العلمي والتبليغ والتدريس، فلم يكن الشيخ مقتصرا على الإمامة في كل هذه المساجد التي عين فيها، بل كان يعقد حلقات العلم في مختلف مساجد الجزائر العاصمة التي عين فيها إماما، وفي المساجد الأخرى التي يدعوه أهلها إلى تعليمهم([9]).
وقد استقطب بنشاطه الدؤوب عددا لا يحصى من الطلبة عبر حياته التعليمية التي دامت أكثر من ستين سنة، وقد رُزِق القبول الحسن من الناس، حتى ممن يخالفونه الرأي والمذهب، وذلك لما وجدوا فيه الحلم، والتواضع، وسعة الصدر، وصدق السريرة، والإخلاص في العمل، والروح الإيمانية الرقيقة التي تظهر عليه كوضوح الشمس في رابعة النهار. وفي هذه الرحلة الطويلة العريضة المليئة بالجد والاجتهاد، المفعمة بالحب والإخلاص، درّس الشيخ فنونا من العلم، كعلوم القرآن، والحديث، والعقيدة، والفقه، وأصوله، والنحو، والصرف، والبلاغة، والعروض، والمنطق، والتاريخ وغير ذلك. وكان غالب اعتماد الشيخ على متون العلم وشروحها، ومن الكتب التي درّسها الشيخ لطلبته وشرحها لهم أذكر ـ على سبيل التمثيل على سبيل الحصر:
شرح الدرر اللوامع لابن بري في روايتي ورش وقالون عن نافع، ومتن الخراز في رسم القرآن، والبيقونية في مصطلح الحديث، متن السنوسية وشرحها، وجوهرة التوحيد وشرحها، ومختصر خليل، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني، ومتن ابن عاشر، والمقدمة العزية للجماعة الأزهرية، والرحبية في المواريث، وورقات إمام الحرمين في الأصول، ومفتاح الوصول للشريف التلمساني، والمدخل لأصول الفقه المالكي للباجقني، والمقدمة الآجرومية، وقطر الندى، وشذور الذهب لابن هشام، والخلاصة الألفية لابن مالك، ولامية الأفعال له أيضا، والجوهر المكنون في الثلاثة الفنون للأخضري، وبعض كتب العروض، ومتن السلم للأخضري في المنطق، وكتاب إيساغوجي في المنطق أيضا، وغير ذلك من الكتب...
ورغم تقاعده عن وظيفة الإمامة سنة 1987م، لم يتخلَّ عن التعليم تطوعا إلى هذه السنة (2002م)، في مساجد العاصمة، وخاصة الجامع الكبير، يلقن للطلبة علوم الشريعة واللغة وغير ذلك، وقصده أن ينال ثواب الله ورضاه، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
نشاطاته الأخرى:
ـ كان الشيخ عضوا لجنة الفتوى في وزارة الشؤون الدينية في الستينيات.
ـ وعين في الثمانينيات رئيسا للجنة الفتوى التابعة لنظارة الشؤون الدينية في الجزائر.
ـ وهو الآن عضو في اللجنة العلمية لنظارة الشؤون الدينية في الجزائر العاصمة، التي يرأسها الأستاذ الدكتور عمار الطالبي([10]).
ـ شارك الشيخ في عدة حصص تلفزيونية وإذاعية للإجابة على استفتاءات المواطنين.
ـ لم يتوقف الشيخ عن الإجابة على استفاتاءات الناس في الجامع الكبير، وفي بيته، وحيثما حل أو ارتحل.
تلاميذه:
ما من شك عدد تلاميذ الشيخ خلال رحلته التعليمية كثيرون جدا، قد يعدون بالمئات أو الآلاف، فقد كان يعلم الناس في كل مكان يحل فيه، وفي كل مكان يدعى إليه، ولم يكن يصبر على التعليم، وكان ذلك شغله الشاغل، وللقارئ الكريم أن يتصور عدد تلاميذ رجل قضى نحوا من سبعين عاما في تعليم الناس وتوجيههم.
وسأذكر فيما يلي بعض تلاميذه الذين تخصصوا في علوم الشريعة، حيث نال بعضهم الشاهادات والدرجات العليا فيها ومنهم:
1 ـ الدكتور كمال بوزيدي: أستاذ الفقه والأصول، والقراءات والمواريث في كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، وهو أحد القائمَيْن على حصة فتاوى على الهواء التي يبثها التلفزيون الجزائري.
2 ـ الدكتور نور الدين عباسي: أستاذ الفقه والأصول في كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، ورئيس قسم الشريعة في الكلية نفسها.
3 ـ الدكتور محمد دراجي: أستاذ التفسير وعلومه في كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، ورئيس قسم اللغة والدراسات القرآنية الكلية نفسها. 4
ـ الدكتور عمار جيدل: أستاذ العقيدة والفكر الإسلامي، والفرق في كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، والرئيس السابق لقسم العقائد والأديان في الكلية ذاتها.
5 ـ الدكتور مبروك المصري: أستاذ الفقه والأصول في معهد الشريعة الإسلامية في ولاية أدرار، ومدير الدراسات في المعهد ذاته.
6 ـ الأستاذ الطاهر عامر: أستاذ القرآن وعلومه في كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، وصاحب كتاب التسهيل لمعرفة معاني وأدلة مختصر خليل.
7 ـ الشيخ مقران زقور: المرشد الديني، وهو مشتغل الآن بالرقية الشرعية والمداوة بالأعشاب.
8 ـ الأستاذ موسى إسماعيل: أستاذ الفقه والحديث في كلية العلوم الإسلاميةـ جامعة الجزائر، وصاحب مجموعة من المؤلفات في الفقه المالكي المعروض ببساطة وأدلة.
9 ـ الأستاذ محند أو يذير صايب: خريج المعهد الوطني العالي لأصول الدين، جامعة الجزائر، وهو الآن إطار في وزارة الشؤون الدينية.
10 ـ الأستاذ محمد إدير مشنان: أستاذ الفقه والأصول والمواريث في كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، وهو الذي نال شرف الاعتناء بهذه الفتاوى وتحقيقها وإخراجها.
11 ـ الأستاذ إلياس أيت سي لعربي: الإمام الخطيب في مسجد ابن باديس، الجزائر العاصمة.
12 ـ الأستاذ زين الدين العربي، الإمام الخطيب في مسجد أبي فارس، الجزائر العاصمة.

مؤلفاته:
لم يهتم الشيخ محمد شارف بالتأليف([11]) كما اهتم بالتعليم، ولذلك قلّ إنتاجه في التأليف، فهو يرى أن تكوين الرجال أهم من تأليف الكتب، ومع ذلك فقد خطت يمينه جملة من المصنفات منها ما بقي محفوظا، ومنها ما ضاع منه لسبب أو لآخر، وهذا عرض لمصنفات الشيخ:
1 - الفتاوى: وتم نشره في دار البلاغ بتحقيق تلميذه محمد إدير مشنان.
2 - الأمانة وأنواعها: وهي رسالة لطيفة بيان في حقيقة الأمانة، وأنواعها، وقول أهل العلم فيها، كتبها الشيخ جوابا على سؤال ورد منها من أحد الطلبة الجزائريين، وطبعت في دار البلاغ بتحقيق محمد إدير مشنان.
3 ـ مناسك الحج والعمرة: وقد طبعت في دار الوعي بتحقيق د/محمد إدير مشنان.
4 ـ لغة القائل العربية العربية في القرآن: وهو إعادة لترتيب هذا كتاب لأبي عبيد القاسم بن سلام، كان مرتبا حسب السور، وأعاد الشيخ محمد شارف ترتيبه حسب القبائل.
5 ـ رسالة في السدل والقبض في الصلاة: وهي ما تزال مخطوطة.
6 ـ رسالة في القراءات القرآنية: وقد أعارها الشيخ لبعض الناس فضيّعها.
7 ـ مذكرات أسير: كتبه وهو في المعتقل، أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد ضاع هذا الكتاب، ولا يدري الشيخ أين هو الآن!
8 ـ دروس مبادئ في الصرف العربي: وقد طبعت في مكتبة السلام للإنتاج الإعلامي.
9 ـ درؤوس في المنطق: وما يزال مخطوطا.
10 ـ خطبه المنبرية: التي كان يلقيها في الجامع الكبير وغيره، وقد سلّم الشيخ أغلب هذه الخطب إلى مصالح وزارة الشؤون الدينية، ولما نشرت الوزارة ديوان الخطب المنبرية، ضمنته كثيرا من خطب الشيخ.
علاقته ببعض أقرانه:
كانت علاقة الشيخ محمد شارف بأقرانه وأترابه من أهل العلم طيبة، وقد سألناه عن علاقته مع الشيخ أحمد حماني والشيخ علي مغربي والشيخ محمد بن عبد القادر رحو رحمهم الله تعالى، والشيخ عبد الرحمن الجيلالي، والشيخ أحمد سحنون وغيرهم حفظهم الله، فذكر أن علاقته بهم طيبة للغاية، وأنهم كانوا ربما شاوروه في بعض ما يرد عليهم من الأسئلة، وكان يجيبهم ويدلي لهم برأيه ويبين لهم ما عنده من علم في تلك المسائل.
وقد شارك مع الشيخ حماني في بعض الحصص التلفزيونية المخصصة للإجابة على فتاوى المواطنين، كما ذكر لنا أن الشيخ أحمد حماني قد أثنى عليه في اجتماع عام مع الأئمة، وشهد له بمقدرته الفقهية.
هذا وقد سألته عن الشيخ بابا اعمر خطيب الجامع الكبير في وقته، فأثنى عليه الشيخ واعترف بفضله، وبتفوقه في علم القراءات، وأنه كان جامعا للقراءات السبع، والعشر، والأربعة عشر، وأنه لم يكن من يضاهيه بالجزائر في علم القرآءات، وذكر أنه كانت تربطه به علاقة طيبة للغاية.
رحلات الشيخ:
لقد أكرم الله عز وجل الشيخ فأدى مناسك الحج والعمرة، كما زار مصر مرتين، وفيها التقى بالشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله، وتحدّث معه طويلا، وفي هذا الحديث تعجب الشيخ كشك: كيف يستفتيه الناس من الجزائر، وفيهم رجل فقيه كالشيخ محمد شارف!.
هذا وكانت له رحلات في ولايات الوطن في مناسبات مختلفة، لعل من أبرزها زيارته للشيخ العالم الكبير محمد بلكبير رحمه الله تعالى، الذي وصفه الشيخ محمد شارف بأنه بحر زاخر، مبديا إعجابه بدروسه العلمية الفقهية التي كان يلقيها على طلبة زاويته العامرة.
صفاته وأخلاقه:
إن الذي يعاشر الشيخ ويتعرف عليه يكتشف فيه من الخصال الحميدة و الأخلاق الكريمة ما يعز اجتماعه في شخص واحد، أذكر منها:
1 ـ الهمة العـالية والشغف الكبير في تحصيل العلم وتبليغه، وقد أتيت على تفصيل ذلك وبيانه فيما سبق.
2 ـ الذكاء والفطنة وسرعة البديهة، وهذه صفة ظهرت فيه منذ حداثة سنه، وقد أشرت إلى الحادثة الطريفة التي وقعت له مع شيخه محمد وكال المعسكري، ثم إن هذه الثروة الفقهية والعلمية التي اكتسبها الشيخ لا تتاح إلا لمن حباه الله بمثل هذه الصفات.
3 ـ الحِلم والتواضع، وهاتان الصفتان قل تتوفرا في شخص كما توفرتا في الشيخ محمد شارف، فكل من يعرف الشيخ يعرف تواضع الكبير، وحلمه الواسع، وإذا كان من حقي أن أدلي بشهادة في حق الشيخ فإن أقول: لَمْ أرَ في حياتي شخصا أكثر تواضعا منه.
4 ـ الزهد والورع: وهاتان صفتان تضافان إلى ما سبق من أخلاقه الكريمة، فالشيخ معروف بزهده في الدنيا، وتقلله منها، وحاله يبين ذلك، فلم يكن طيلة حياته من الطامعين في الجاه ولا في المال ولا من الساعين إلى المناصب، بل كان همه أداء رسالة العالم بتبليغ ما أتاه الله من فقه في الدين، ولا يريد من وراء ذلك جزاء ولا شكورا، فَرِضَا الله هو منتهى مبتغاه.
5 ـ السعي في قضاء حوائج الناس: لا يرد الشيخ أحدا يقصده في أي أمر يقدر على تحقيقه، ودافعه في ذلك هو الشفقة على الخلق وتقديم النفع لهم، وأحب العباد إلى الله أنفعهم لخلقه.
6 ـ الإخلاص وصدق السريرة ورقة القلب: وهذا أمر يكتشف في الشيخ كل من عرفه وجالسه، فإخلاصه بادٍ على مُحَيَّاه، وصدق سريرته لا يخفى على كل من يراه، ورقة قلبه تخرج من عباراته وتظهر في تصرفاته وتحقق في معاملته مع الناس.
هذا، وفي حياة الشيخ جوانب كثيرة لم يتسع المقام والوقت للكشف عنها، ولعل الله U ييسر ذلك في فرصة أخرى، لنكتشف جوانب عظيمة أخرى من حياة هذا الرجل العالم، العامل، الصالح، الذي أفنى حياته في تبليغ العلم وتوريثه للأجيال، فجزاه الله تعالى عنا وعن الإسلام خير الجزاء، وبارك الله في عمره، ونفع الله بعلمه، آمين، والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
([1]) اعتمدت في هذه الترجمة على ما يلي: * السيرة الذاتية التي كتبها الشيخ بخط يده بتاريخ الاثنين 12 ربيع الثاني 1421هـ ـ الموافق 11 سبتمبر 2000. * الحوار المصور (بالفيديو) الذي أجريته معه حول حياته ومسيرته العلمية في مقر بيته في باب الوادي بالجزائر العاصمة يوم 10 أكتوبر 2001. * معرفتي للشيخ، وبعض تلاميذه.
([2]) ذكر لي الشيخ حادثة طريفة وقعت له مع شيخه مَحمد وكال المعسكري الأزهري، ومفادها أن الشيخ محمد شارف كان يحضر دروس هذا الشيخ في شرح الأجرومية، مع طلبة أكبر منه سنا وأكثر منه تقدما في التحصيل، وفي أحد المجالس امتحن الشيخ تلامذته، إذ طلب منهم إعراب الجملة التالية:
((الإعراب هو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها غالبا))، فأخذ الطلبة الكبار في إعراب هذه الجملة، ولما وصلوا إلى كلمة "غالبا" أعربها بعضهم بأنها تمييز، والبعض الآخر بأنها حال، ولم يرتض الشيخ إجاباتهم، فتدخل محمد شارف وهو أصغر الطلبة سنا، وهو في بدايات دراسته لعلم النحو فاستأذن من الشيخ محاولا الإجابة، وأعرب تلك الكلمة بأنها منصوبة على نزع الخافض، وأن التقدير ((في الغالب)) ـ رغم أنه لم يدرس هذا الباب من قبل، ففرح شيخه بذلك وهنأه على إصابته.
([3]) وكان عدد طلابها يتراوح بين الأربعين والخمسين، وما زالت قائمة إلى الآن، وهي واقعة غرب خميس مليانة بنحو 7 كلم في المكان المعروف بـ "اكريسِتينو".
([4]) وكانوا يسمون ختمة خليل هذه "صورة حمراء"، يعني اقتصارا على المتن بدون النظر في الشرح، ومع ذلك فقد كانوا يعتمدون شرح الشيخ أحمد الدردير ومحشيه الدسوقي رحمهما الله.
([5]) وهي وظيفة سرد صحيح البخاري في رجب وشعبان ورمضان من كل سنة في مساجد القطر الجزائري التي تقام فيها صلاة الجمعة، وثمة أحباس موقوفة على هذه الوظيفة، قصد منها أصحابها قراءة حديث النبي صلى الله عليه وسلم جهرا، حرصا على أن يسمعه الناس كما يسمعون القرآن الكريم.
([6]) يبدو أن الشيخ تعوّد على التعليم منذ حداثة سنه، أنه شَبَّ على التعليم وشَابَ عليه، فقد عرف عنه أنه لا يصبر على العلم والتعليم، وحيثما حل فإنه يشتغل بالتدريس وتبليغ العلم، وكل من يعرف الشيخ لم يروه قد انقطع في أي فترة من فترات عمره عن تعليم الناس، وكنت أصفه لإخواني بأنه ((مُدْمِنٌ عَلَى التَّعْليمُ)). ونعم الإدمان إدمان الشيخ.
([7]) ذكر لي الشيخ في حديثه المصور أن أحد الحاضرين كان بحوزته نسخة من الشرح الصغير لميارة الفاسي على متن ابن عاشر، فحث الشيخ طلبته على نسخها وتوزيعها، فكتبوا منها حوالي خمسين نسخة، وهذا ساعد على فهم الكتاب واستيعابه. ([8]) حصل على هذا الكتاب بواسطة جمعية الصليب الأحمر الدولي، التي جلبت كتبا لفائدة الأسرى، فجلب هذا الكتاب اهتمام الشيخ، واشتغل بتدريسه لطلبته.
([9]) كان الشيخ يلقي دروسا علمية في الفقه وغير ذلك في الجامع الجديد لترقية مستوى الأئمة، وذلك بدعوة من وزارة الشؤون الدينية، كما كان يلقي دروسا أخرى في مسجد سيدي امحمد (بلوزداد)، ومسجد محمد البشير الإبراهيمي (المدنية)، وفي مساجد أخرى في الجزائر العاصمة بدعوة من المصلين وطلبة العلم في هذه المساجد. وكان الشيخ لا يَرُدُّ طالب علم أبدا.
([10]) ذكر لي الأستاذ الدكتور عمار الطالبي أن السبب المباشر الذي دفعه إلى تحقيق كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن للإمام عبد الرحمن الثعالبي الجزائري، هو دعوة الشيخ محمد شارف إلى الاهتمام بهذا الكتاب، في أحد دروس الجامعة بالجامع الكبير في العاصمة، فوقع ذلك في نفسه، وانشرح صدره لذلك، وعزم على تحقيقه، فتم له ذلك بتوفيق من الله تعالى، فجزى الله تعالى من فعل هذا الخير ومن دلّ عليه وأرشد إليه.
([11]) وهذه ظاهرة ملحوظة عن الكثير من علماء المغرب الإسلامي عبر التاريخ، فإنهم يغلبون التعليم على التأليف.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

||

أرسل أسئلتك في رسالة الآن هنا

http://abdenour-hadji.blogspot.com/

عنواني على الفايس بوك:

قناتي على اليوتوب

أعلن معنا... إعلانات الآن هنا ...



Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More