ابحث عن موضوعك في موقعي هنا
ترجمة/Translate
الأحد، 11 نوفمبر 2018
تحليل وثيقة الإستسلام بين الداي حسين ودي بورمون 05 جويلية 1830
أولاً: نص الوثيقة
1- يسلم حصن القصبة وجميع الحصون لأخرى التابعة للجزائر وكذلك ميناء هذه المدينة إلى الجيوش الفرنسية هذا الصباح على الساعة العاشرة حسب توقيت فرنسا.
2- يتعهد قائد جنرالات الجيش الفرنسي بأنه يترك لسمو داي الجزائر حريته وكذا جميع ثرواته الشخصية.
3-الداي حر في الانسحاب مع أسرته وثرواته الخاصة إلى المكان الذي يعينه وسيكون هو وكامل أفراد اسرته تحت حماية قائد جنرالات الجيش الفرنسي وذلك طيلة المدة التي يبقاها في الجزائر وستقوم فرقة من الحرس بالسهر على أمنه وأمن أسرته.
4. يضمن قائد الجنرالات نفس المزايا ونفس الحماية لجميع جنود الميليشيا
5-تبقى ممارسة الديانة المحمدية حرة كما أنه لن يقع أي اعتداء على حرية السكان من جميع الطبقات ولا على دينهم وأملاكهم وتجارتهم وصناعتهم ونسائهم.
إن قائد الجنرالات يتعهد بشرفه على تنفيذ كل ذلك وإن تباد لهذه الاتفاقية سيتم قبل الساعة العاشرة من هذا الصباح وبعد ذلك مباشرة تدخل الجيوش الفرنسية إلى القصبة ثم إلى جميع حصون المدينة.
في المعسكر المخيم قرب الجزائر يوم 5 جويلية 1830
إمضاء : كونت دي بورمونت
خاتم حسين باشا داي الجزائر
ثانياً: تعريف بالجهة المصدرة للوثيقة
1- حسين باشا: تذكر الوثائق أن حسين باشا ولد سنة 1764 في مكان يدعى ندرله وتذكر مصادر أخرى أنه ولد سنة 1773 في أزمير ونشأ في اسطنبول وخدم هناك في المدفعية وترقى فيها بسرعة، وعندما تعرض لعقوبة قاسية سافر إلى الجزائر وانضم إلى أوجاقها وتولى فيها عدة وظائف قبل أن يصبح وزيراً وصديقاً للباشا الذي سبقه وهو علي باشا وهذا الأخير هو الذي أوصى بخلافته سنة 1818 . وبعد أن بقي في الحكم اثني عشرسنة وفي المنفى حوالي ثماني سنوات توفي في الإسكندرية سنة 1838
وإذا اعتمدنا على نبذة من البيوغرافيا التي يقدمها رجل معاصر للداي حسين وهو حمدان بن عثمان خوجة فإنه بإمكاننا أن نكون عن هذه الشخصية صورة ولو جزئية. فحسين باشا كما يصفه هذا المصدر هو آخر الدايات الأتراك الذين تتابعوا في حكم الجزائر، وصل إلى الحكم حوالي سنة 1818وهو سليل أسرة عريقة من أصل طيب. امتاز بكرم الأصل واستقامة السيرة واتساع معارفه. خدم الجزائر مدة ثلاثين سنة تولى خلالها وظائف مختلفة في الدولة. ويضيف هذا المصدر بأنه بناء على معرفة شخصية فلا يمكن اتهام حسين باشا بالتكالب على المال والثروة كما أنه - في نظر هذا المصدر دائماً- كان حريصاً على حقن الدماء وكان معروفاً في أوربا باحترامه لالتزاماته ومحافظته على عهوده ومواثيقه ولا تستطيع أي جهة أن تتهم حسين باشا بخيانة الاتفاقية المبرمة مع الجهات القوية أو الجهات الضعيفة. ويلح حمدان خوجة على إعادة الاعتبار لهذه الشخصية لأن مغادرته للحكم عقب الاحتلال لم تكن بتقصير منه ولكن بأخطاء ارتكبها أعوانه وميلشياته التي تجاوزتها الأحداث إذ كان كثير من رجاله دون تجربة ودون شجاعة وربما دون ذمة.
ويذكر هذا المصدر أنه طيلة حكم الداي حسين بالجزائر كان يفكر في إعادة النظام والانضباط إلى الدولة ولكن كثيراً من التجاوزات كانت قد تأصلت في المجتمع الجزائري فبل وصول هذا الداي إلى الحكم بسنوات طويلة، غير أن الأيام لم تمهله للقيام بالإصلاحات التي كان يرجو تحقيقها. وفي الأخير يأخذ حمدان خوجة على حسين باشا تقصيراً واحداً وهو كونه لم يعمل على تفادي الحرب مع فرنسا.ولكن
المؤرخين يظلون غير متفقين في الحكم على شخصية حسين باشا فمنهم من يحمله مسؤولية ما حل بالجزائر من حملة واحتلال ونكبات لأنه - في نظرهم كان أحمقا بغضبه غير الدبلوماسي على القنصل الفرنسي ومعاند وممهمل لاسيما في جانب اتخاذ الحيطة عسكرياً وإسناد القيادة إلى غيى الأكفاء ومنهم من يبرئه من ذلك .
2- المارشال دي بورمون: هو الكونت دي بورمون ( لويس دي شان) ولد سنة 1773 في فرنيي بفرنسا وتوفي سنة 1846 . كان ضابطاً في القوات الفرنسية حين قامت الثورة الفرنسية( 1789-1799). وفي هذه المرحلة بالذات هاجر دي بورمون فرنسا ولم يرجع إليها إلا في سنة 1794 حيث حارب ضد نابليون بونابارت ثم استسلم ودخل في صفوفه سنة 1800 ولكن قبل ثلاثة أيام من انهزام هذا الأخير في معركة واترلو التحق دي بورمون بلويس الثامن عشر. وصار وزيراً للحربية في عهد شارل العاشر سنة 1829 وتولى قيادة الحملة الشهيرة ضد الجزائر في 5 جويلية 1830 وعين مارشالاً سنة 1830 من طرف شارل العاشر وبعد وفاة هذا الأخير رفض الخضوع للويس فيليب وحاول الثورة ضده وفي سنة 1833 استقر في اسبانيا ولم يكن رجوعه إلى فرنسا إلا في سنة 1845
لم يكن هذا الرجل محترماً من المجتمع الفرنسي فقد كان ب عض الفرنسيين ينظر إليه بكونه خان نابليون في معركة واترلو الشهيرة سنة 1815 وقاد حملة مضايقة ضد أسرة البوربون . وإذا كان من الضروري أن نستشف شيئاً عن شخصية دي بورمون فمن الممكن القولأ أنه كان على نقيض الداي حسين ذا سلوك لا يمكن الاطمئنان إليه ولا التنبؤ بما يخطط له
ثالثاً: المحتويات الموضوعية للوثيقة
نصت هذه الوثيقة- حسب الظاهر من نصها- على التسليم الفوري لمدينة الجزائر وجميع المراكز العسكرية بها وذلك مقابل ضمانات تتمثل في:
أ. عدم اعتبار الداي من ضمن أسرى الحرب وكذلك أفراد أسرته وجنوده.
ب. السماح للداي باختيار منفاه السياسي.
ج. مراعاة حرمة الأملاك الخاصة بالداي حسين وباقي جنوده و أفراد أسرته.
د. الاعتراف بحرمة المقدسات الدينية وكذا احترام الأعراض.
ويظهر من خلال القراءة الأولية للوثيقة أن الطرف الفرنسي مزهو بانتصاره ومتأكد من تحكمه في الأوضاع بحيث نجده يعين المكان الذي يجب التنازل عنه وكذا الوقت والكيفية.
وهناك أيضاً إيحاءات ضمنية في الوثيقة منها:
أ. عزل الداي من منصب الحكم وتولي القائد العسكري الفرنسي مكانه.
ب. التلميح بضرورة مغادرة الداي للجزائر وفي ذلك تلميح إلى التخوف من تزعم الداي لحركة المقاومة من جديد
ج. الوثيقة تعطينا فكرة عن حالة الرعب التي أصابت سكان العاصمة نتيجة الخوف على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وكذلك على حرية ممارسة الديانة ومنه تبدو الإشارة إلى حالة الخوف من تجدد الحروب الصليبية ولعل هذا هو الذي كان في ذهن المارشال الفرنسي
د. البند الذي خصص لضمان حماية الداي وأسرته يلمح إلى احتمال أن يكون هناك ترتيبات للقضاء على الداي من طرف الجزائريين أو أن الجهات الفرنسية نفسها كانت تهدد الداية بطريقة الإيحاء بكون حياته وحياة أفراد أسرته مهددة بالخطر في كل حين.
هـ. الوثيقة تعطينا فكرة عن النسيج العمراني لمدينة الجزائر خلال العهد العثماني إذ كانت التحصينات العسكرية هي الغالبة على الطابع العمراني وذلك راجع إلى النشاط العسكري والبحري الذي عرفته بلك المرحلة من التاريخ
وبالإضافة إلى كل ما سبق ذكره فإن الوثيقة تثير في الذهن التساؤلات التالية :
1. ماذا كان موقف الداي حسين من الاحتلال؟ هل كان هو موقف المقاتل المستسلم أم المقاتل المنهزم؟ ذلك ما سنفهمه من خلال معاملة المارشال دي بورمون له.
2. هل كانت هذه الوثيقة- كما يصوره ظاهرها- عثواً من الطرف المنتصر على الطرف المنهزم أم هي مجرد خدعة للرأي العام الأوربي وكسب الأنصار داخل البرلمان الفرنسي الذي لم يكن كثير من أعضائه يتحمسون لفكرة احتلال الجزائر؟ أم أن الأمر لم يتعد كونه خدعة حرب؟
3.ماذا كان مصير ثروات الداي الشخصية وثروات الخزينة الجزائرية التي تتهدت الوثيقة بحفظها؟
4. ماهي الدسائس التي كانت تحاك ضد الداي من طرف أعوانه في الحكم؟
بعض هذه التساؤلات سنجيب عنها عند تفحص ملابسات كتابة هذه الوثيقة وكذا مصير بنود هذه الاتفاقية ومدى التزام القوات الفرنسية بها عند دخول العاصمة.
رابعاً: السياق التاريخي لصدور هذه الوثيقة
1-بداية غامضة:
كان مشروع تقسيم أملاك الإمبراطورية العثمانية الذي قدمه الوزير الفرنس دي بولنياك موضوعا على مكتب الملك شارل العاشر بتاريخ 18 أوت 1829 .وكان هذا المشروع يرمي إلى تحقيق أهداف استراتيجية داخل أوربا وخارجها والذي يعنينا هنا ما يتعلق بوضع حد للتوتر بين الجزائر وفرنسا والإلحاح في هذا المشروع على تأديب داي الجزائر بعد حادثة المروحة الشهيرةوالإلحاح على مسألة الديون
وقد أعلم السفير الفرنسي في اسطنبول الباب العالي رسمياً بنية بلاده في القيام بالحملة على الجزائر وذلك بتاريخ 30 مارس 1830 . وتذكر المصادر التاريخية أن تعليمات سلمت إلى دي بورمون يوم 18 أفريل1830 أمر فيها بتسليم ولاية الجزائر إلى الباب العالي بعد أن يقضي على النظام السياسي القائم بها والهدف من وراء ذلك هو العبير على النوايا الحسنة لشارل العاشر مقابل أن تكتفي فرنسا – عنذ الضرورة- بالمدن الساحلية لضمان مؤسساتها التجارية بالجزائر.ويظهر أن نية دي بورمون القائد العام للحملة ودوسي وزير الحربية كان هي الاستيلاء على الجزائر والاحتفاظ بها، لهذا أمر وزير الحربية وحدات الأسطول الفرنسي باحتلال الموانئ وأيده دي بورمون الذي سبق وأن أفصح عن نيته من بداية الحملة قائلاً:(إن فرنسا ذاهبة لأخذ الجزائر ولإنشاء مستعمرة فيها ولتأسيس حكومة بها يرأسها أمير فرنسي .وهكذا فقد بدا الغموض على الحملة الفرنسية على الجزائر منذ البداية وهذا ما نلمسه في الوثيقة التي لم تشر إلى مصير السيادة في الجزائر ولمن تكون.
2- رد الفعل لدى سكان العاصمة ومن حولها:
سادت المظالم المجتمع الجزائري في عهد البايات وكان سكان العاصمة أول المتضررين منها وكان كثير منهم يتحين الفرصة لتغيير الأوضاع وقد وجد بعضهم في الجيوش الفرنسية فرصتهم للقيام بما عزموا عليه فمالوا إلى الطرف الفرنسي. ولعل هذا التعاون مع الفرنسيين يعود إلى تاثر الأهالي بالبيانات والمنشورات التي كانت السلطات الاستعمارية توزعها على السكان للتأثير على معنوياتهم وإقناعهم بقبول الواقع الاستعماري وبأن الهذف من هذه الحملة هو إنقاذ الجزائريين من ظلم الأتراك
إذا اجلنا الحديث عن المقاومة المسلحة الشعبية منها والمنظمة وركزنا على العناصر ذات العلاقة بموضوع وثيقة الاستسلام فإننا نجد
الفئة التي تبنت الموقف السياسي ورضيت بالتفاوض مع الاستعمار: وتمثلت هذه في ألمع العناصر من أعيان العاصمة في مقدمتهم حمدان بن عثمان خوجة وأحمد بوضربة وحمدان بن أمين السكة. ويذكر المحللون ومنهم سعد الله في كتابه الحركة الوطنية الجزائرية(ج.1) أن أحمد بوضربة كان ينتقد الإدارة الاستعمارية وكان يتمنى التعاون معها مدفوعاً في ذلك بالرغبة في أن يندمج الجزائريون في الحضارة الأوربية وفي تكوين نطام فرنسي بالجزائر على غرار الأنظمة الأوربية القوية، ولايكون ذلك في رأيه إلا بالاستيلاء على كامل البلاد وفرض الضرائب بقوانين ثابتة ومعقولة على القبائل على أن يعين آغا فرنسياً عليهم لأنه سيخدم فرنسا بإخلاص. واشترط لنجاح هذه الخطة أن تعود المساجد إلى ما كانت عليه في العهد العثماني لأن ذلك في رأيه سيقلل من نفور الجزائريين من الفرنسيين. وقد عبر أحمد بوضربة عن استعداده للتعامل مع السلطات الفرنسية منذ الوهلة الأولى وهو أحد الذين كانوا مع حمدان بن عثمان خوجة قد تفاوضوا باسم الداي حسين مع السلطات الفرنسية بشأن شروط الاستسلام . أما الفئة الثانية فقد قامت بالمقاومات الشعبية المسلحة ضد الاستعماروقادت الفئة الثالثة المقاومة المنظمة.ولعل من أقوى الاسباب التي دفعت أحمد بوضربة إلى مساندة فكرة حكم فرنسي للجزائر هو أمله في انتعاش تجارته وخشية عودة النظام التركي إلى الجزائر الذي يعتبره السبب في كساد تجارته وإلحاق الضرر بأفراد أسرته ولسنا نستبعد أن يكون البند الخامس من اتفاقية الاستسلام من إيحاء أحمد بوضربة وحمدان بن عثمان خوجة للدفاع عن مصالحهم الخاصة .
- تذكر المصادر التاريخية أن دي بورمون قبل دخوله العاصمة بأيام قليلة استدعى القنصل البريطاني في الجزائر وطلب منه أن يطلعه على أخبار الداي حسين وذكر له أن ( أي تقتيل قد يتعرض له المسجونون الفرنسيون لدى الداي سيدفع الداي وأفراد عائلته رؤوسهم ثمناً له وتساعدنا هذه الإشارة في حوليات القنصلية البريطانية على فهم الخلفيات التاريخية وراء تركيز الوثيقة على ضمان الحماية للداي وأفراد أسرته خاصة وأن الداي - حسب نفس المصدر- قام بتصفية جسدية لعملاء فرنسا الذين كانوا يعملون على توسيع شقة الخلاف بين الأتراك في الجزائر.
وتكشف السجلات اليومية للقنصلية البريطانية أن القوات الفرنسية استغرقت أكثر من أسبوعين(من 14 إلى 30 جوان) في قطع المسافة بين سيدي فرج والتلال المطلة على العاصمة وهذا نظراً للمقاومة العنيفة التي واجهتهم والتي لم يكن وراءها الجيش التركي ولا القوات النظامية وإنما سكان الجبال الذبن تواردوا على المتيجة لمقاتلة الغزاة الفرنسيين وقد كانت تنقصهم المعرفة بأساليب الحرب الحديثة وإلا لاستطاعوا أن يردوا القوات الفرنسية على أعقابها على حد تعبير القنصل البريطاني
وكانت خطة الداي حسين تقضي بمواجهة الغزاة الفرنسيين عند أبواب العاصمة حيث توجد الحصون المنيعة والجيش النظامي.ويسجل لنا حمدان بن عثمان خوجة الجلسة الأخيرة من مداولات برلمان الداي حسين عند وصول قوات دي بورمون عند أسوارحصن الامبراطور
ويذكر هذا المصدر أن المجلس رفع جلساته واستقر الأمر على المقاومة إلى آخر فرد منهم. وقد كانت معركة حصن الإمبراطور على أبواب العاصمة هي المعركة الحاسمة التي استبسلت فيها الفرق النظامية في القتال ضد الغزاة الفرنسيين. فقد بدأت هذه المعركة في الساعة الثالثة صباحاً واستمرت حتى العاشرة من يوم 5 جويلية 1830 ودخل الغزاة الفرنسيون العاصمة على الساعة الواحدة بعد الظهر.وتذكر الحوليات البريطانية أن الداي حسين استشار القنصل البريطاني عدة مرات مستفسراً عن الغرض الحقيقي للفرنسيين من احتلال الجزائر. وعندما انهزم جيشه استفسر للمرة الأخير لدى القيصل البريطاني عن مدى إمكانيات الصدق في دعوى دي برمون احترام ممتلكات الجزائريين وعقيدتهم، فكان في جواب القنصل ما يفيد أن الفرنسيين ربما نصدقهم في مثل هذا القول تجاه الأهالي على الأقل أما تجاه الداي شخصياً فذلك أمر لاريب فيه على الإطلاق وعند حصوله على هذا الجواب من القنصل البريطاني وضع الداي ختمه على الوثيقة التي تتضمن شروط الاستسلام بحضور القنصل البريطاني الذي حمل تلك الوثيقة في الحين إلى دي بورمون
خامساً: مصير بنود الاتفاق الواردة في الوثيقة
طرحنا عند تناول المحتويات الموضوعية للوثيقة جملة من التساؤلات وعدنا بالإجابة عليها وهي: ماذا كان موقف الداي حسين من الاحتلال؟وكيف كان مصيره ومصير أسرته؟ وما مصير الثروة الخاصة بالداي وكذا مصير أموال الخزينة العامة؟ وهل كانت هذه الوثيقة عفواً إنسانياً من الغزاة المنتصرين أم مجرد عاية موجهة إلى البلدان الأوربية أم هي مجرذ خدعة حرب؟ ونعتقد ان ما يوجد بين أيدينا من الوثاق والمصادر يمكن أن يسعفنا ببعض الإجابات عن هذه الأسئلة.
جاء في الرسالة التي وجهها الداي حسين إلى حمدان بن عثمان خوجة خلال صيف 1831مايلي:( إن مالية الخزينة كانت مفصولة عن نقودي الخاصة وهذا يعرفه جميع الناس، والخزينة استولى عليها الفرنسيون . ويؤكد حمدان خوجة على هذه المقولة بقوله:( إن حسيت باشا عند مغادرته القصبة لم يمس شيئاً من الأموال التابعة للخزينة العامة ولم يسمح لأحد بفعل ذلك(..) هذه الكمية من الأموال اختفت ولا نعلم من قام بالسطو على هذه الأموال التي يكون أمين السكة ( المدير المالي للداي) أخفاها عند قصف المدينة. ويمكن أن يكون بعض اليهود قد استفاد من هذه الأموال وأرسلها إلى ليفورن(إيطاليا) والظاهر- يقول حمان خوجة- أن اليهودي كان قد تآمر مع القائم المالي الفرنسي للإستيلاء على هذه الأموال
والظاهر أن أموال الداي أيضاً عرفت نفس المصير الذي عرفته أموال الخزينة العامة، فقد جاء في رسالة بعث بها الداي حسين إلى ملك فرنسا لويس فيلب بتاريخ 25 سبتمبر 1830 مايلي:(لقد رددت أوربا أصداء العنف الذي اتهمت باقترافه حيال قنصل فرنسا السيد دوفال ونجم عن ذلك تدمير بلادي وهزيمتي ثم نفيي. إنني أتقبل عن مصيري وأعفو طواعية عن ضياع سلطتي وثرواتي واستقلالي..)
ومن قراءة هذا التصريح من الداي حسين نخلص إلى الإجابة عن التساؤل المتعلق بموقف هذا الأخير من سقوط السلطة الجزائرية؛ فقد كان موقفه هو موقف المحارب المنهزم وقد عامله دي بورمون على هذا الأساس بتنحيته عن منصبه ثم الاستيلاء على ثرواته الخاصة، وهنا يلاحظ الخرق الصريح لبنود وثيقة الاستسلام التي تنص على حماية أموال الداي.
أما عن مصير الداي بعد الخروج من حصن القصبة فتذكر المصادر التاريخية أن هذا الأخير انتقل إلى إقامة مؤقتتة في منزل البرتقال ثم نفي بعد ذلك إلى إيطاليا( ليفورن)
وكان الداي معزولاً عن الأخبار بالجزائروكذا عن أخبار الأهل والأقارب الذين تركهم وراءه
أما عن إمكانية تزعم الداي للمقاومة ضد الجيوش الفرنسية فهذا احتمال له ما يبرره في الرسالة التي بعث بها الداي إلى المرابط الشيخ سعيد بن موسى وإلى قبيلة بني كراسيل بتاريخ 25 سبتمبر1830 يقول فيها:( إن رغبتي أن يكون موقفكم مني الآن كما كان شأنكم في الماضي وأن تكونوا مثلي في كون هدفكم الوحيد هو الاتحاد مع الأشخاص الذين تعرفون عنهم بكونهم شجعاناً وأصحاب عزم ضد أعدائنا...فبعون الله وقوته ستكونون من المنتصرين.وكذلك نفس الدعوة إلى تغذية روح المقاومة نجدها في الرسالة التي بعث بها إلى
ولد أورابح في بجاية والتي يكون بعث بنسخة عنها إلى الحاج أحمد باي في قسنطينة
مصير المقدسات الإسلامية:جاء في رسالة رفعها كل من حمدان خوجة وإبراهيم بن مصطفى باشا إلى رئيس وزارة فرنسا في 3 جوان 1833مايلي:( إن دخول الدولة الفرنسوية للجزائر كان بشرط صيانة ديننا وعرضنا وأملاكنا وأموالنا وأحترام مساجدنا وشريعتنا
وجاء في الرسالة المذكورة أعلاه إحصاء لأهم المخالفات التي ارتكبها رواد الغزو الاستعماري الفرنسي في حق المقدسات الإسلامية ومنها:
1. نفي القاضي والمفتي بغير حق والاستيلاء على أوقاف مكة والمدينة
2. هدم الأملاك الخاصة والعامة بدعوى التوسيع وشق الطرقات دون دفع تعويضات لأصحابها.
3. هدم المساجد والجوامع وأخذ سواريها( الأعمدة التي يقوم عليها السقف) وأبوابها ورخامها وزليجها الثمين. ومن المساجد التي جاء ذكرها: جامع السيدة وثلاثة جوامع مساجد صغيرة أخرى كما تم تحويل جامع كتشاوة إلى كنيسة
4. تم الاستيلاء على المراحيض العمومية وكراؤها للتجار.
5.الاستيلاء على مقابر الأولياء والصالحين وتحويلها إلى أغراض تجارية.
6. الاستيلاء على أموال الأتراك المتزوجين بجزائريات بعد أن تم نفيهم إلى الأناضول لأسباب واهية.كل هذا على الرغم من أنه لم يرد في شروط وثيقة الاستسلام سوى تسليم القصبة والأبراج التابعة للأملاك العمومية.
7. تحويل الأملاك العامة والخاصة إلى سكنات للعساكر والجنرالات والأطباء وأمثالهم في الجيش الفرنسي دون دفع ثمن الكراء لأصحابها.
8.إتلاف البساتين والأشجار بدعوى شق الطرقات العامة نحو الأماكن العالية رغم كون السكان في غنى عنها.
9.حفر المقابر لأجل استخراج الآجر والأحجار للبناء وكان بعضها يرسل إلى مرسيليا وفيها عظام الأموات وكان بعضهم يستخرجون رؤوس النساء بشعورهن والرجال بلحاهم.
10- دخلوا ديار المسلمين وتكشفوا على النساء والحريم.
إن الغزاة الفرنسيين الذين قدموا أنفسهم في نبيان بالعربية وزعه عملاء لهم عشية النزول بالجزائريذكرون فيه أن حركتهم كانت تستهدف القضاء على الداي ( الطاغية كما كانوا يصفونه)لم تكن مهمتهم كما وصفوا والنتجة ان بنود وثيقة الاستسلام لم تكن سوى دعاية مجانية لصالح الغزاة الفرنسيين لدى الرأي العام الأوربي وإقناع البرلمان الفرنسي بشرعية الغزو خصوصاً وأن كثيراً من أعضائه كانت لهم اعتراضات على تصرفات دي بورمون في الجزائربل مان بعضهم ينادي بتخلي فرنسا عن الجزائر.وهكذا خابت آمال الداي حسين التي كان يعلقها على الحكومة الفرنسية صاحبة شعار الأخوة والعدالة والمساواة. بل إن هذه الوثيقة لم تكن كما صرح الدوق دو روفيقو لم تكن سوى خدعة حرب وجاء شارل ديغول بعد قرن وثلاثين سنة ليؤكد على هذا الغموض الذي لا تزال تثيره وثيقة الاستسلام بقوله : ( إن المسألة الجزائرية لا تزال معلقة منذ مئة وثلاثين سنة)
قراءة في كتاب مذكرات القنصل الأمريكي وليام شالر (الفصل الأوّل والفصل الثاني والفصل الثالث)
قراءة في كتاب مذكرات القنصل الأمريكي وليام شالر
أوتحليل عام لوضعية الجزائر قُبيْل الاحتلال الفرنسي
1816م ـ 1824م
الفصل الأوّل : الإطار التاريخي والجغرافي الذي صدر فيه كتاب شالر
أوتحليل عام لوضعية الجزائر قُبيْل الاحتلال الفرنسي
1816م ـ 1824م
الفصل الأوّل : الإطار التاريخي والجغرافي الذي صدر فيه كتاب شالر
قبل الحديث عن مذكرات شالر سواء بتحليلها أو نقدها لا بدّ أن نضعها في إطارها الجغرافي والتاريخي المناسب حتى نتمكّن من الوقوف على الظروف والملابسات التي صدرت فيها وكذا الأهداف التي كتبت من أجلها ...لأنّ مثل هذا الصنيع من شانه أن يساعدنا أولا على الفهم الجيّد لمحتواها ومراد صاحبها ... وثانيا على اكتشاف وقراءة ما لم يصرح به كذلك .
والمقصود بالإطار الجغرافي والتاريخي الحديث عن دولتي الجزائر والولايات المتحدة نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر ...
والمقصود بالإطار الجغرافي والتاريخي الحديث عن دولتي الجزائر والولايات المتحدة نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر ...
1. الجزائر قبل وأثناء كتابة مذكرات شالر :[1]
كانت الجزائر خلال هذه الفترة تابعة للخلافة العثماني تبعية إدارية في أوّل الأمر ثمّ ما فتئت أن تحولت إلى تبعية صورية اسمية وتفصيل ذلك أنّ التواجد العثماني في الجزائر مرّ بمراحل أربعة هي :
ü ابتداء من استنجاد سكان الجزائر بخير الدين بربروس سنة 1516 م ثمّ تعيينه بعد ذلك حاكما للجزائر أو واليا عليها باسم بيلر باي (باي البايات) من طرف الخليفة العثماني (سنة 1518م) إلى غاية 1588 حيث ألغت الخلافة نظام البيلربايات خوفا من انفصال البايات , وتعدّ هذه المرحلة من أخصب المراحل التي عرفها تاريخ الجزائر الحديث من حيث الإزدهار والقوة ...
ü مرحلة البشاوات 1588 م إلى غاية 1659 / وهي مرحلة البشاوات والباشا حاكم إداري يعينه الخليفة لمدة ثلاث سنوات , ولمحدودية مدة حكمه لم يهتم البشاوات بشؤون البلاد والرعية بل كان كلّ همهم منصبا على جمع أكبر قدر ممكن من الثروة والمال ... ولهذا عدّت هذه المرحلة أسوء مرحلة في الحكم العثماني بالجزائر
ü مرحلة الأغوات 1659م إلى 1671م والأغا رتبة في الجيش وخلال هذه المرحلة كثرت التحرشات والمكيدات بين ضباط وقادة الجيش الجزائري من أجل الحصول على هذه المرتبة أو غيرها من الامتيازات والمناصب الحكومية ...ولهذا السبب عرفت هذه المرحلة انتشار الرشوة والفساد والاغتيالات السياسية
ü المرحلة الأخيرة مرحلة الدايات أو رياس البحر (1671م ـ 1830م ) الذين اعتمدوا نظاما جديدا منفصلا عن الباب العالي إلاّ من حيث الصورة والاسم أو الولاء وتقديم الهدايا والمساعدات ... وقد عرفت هذه المرحلة الطويلة استقرارا كبيرا ومفيدا في أوّل الأمر سمح للدولة الجزائرية بتقوية أسطولها الذي أصبح مرهوب الجانب يعمل له ألف حساب قبل دخول البحر المتوسط هذا الأسطول الذي كان يجني من أعماله القتالية الجهادية أموالا طائلة .... لكن سرعان ما ضعُف هذا الأسطول وضعفت الدولة نتيجة ملابسات وأسباب سنذكر بعضها ...ممّا سهّل مهمّة احتلال الجزائر
كانت حكومة الداي (وكلـّها من الأتراك) منظمة على الشكل التالي :
ü ابتداء من استنجاد سكان الجزائر بخير الدين بربروس سنة 1516 م ثمّ تعيينه بعد ذلك حاكما للجزائر أو واليا عليها باسم بيلر باي (باي البايات) من طرف الخليفة العثماني (سنة 1518م) إلى غاية 1588 حيث ألغت الخلافة نظام البيلربايات خوفا من انفصال البايات , وتعدّ هذه المرحلة من أخصب المراحل التي عرفها تاريخ الجزائر الحديث من حيث الإزدهار والقوة ...
ü مرحلة البشاوات 1588 م إلى غاية 1659 / وهي مرحلة البشاوات والباشا حاكم إداري يعينه الخليفة لمدة ثلاث سنوات , ولمحدودية مدة حكمه لم يهتم البشاوات بشؤون البلاد والرعية بل كان كلّ همهم منصبا على جمع أكبر قدر ممكن من الثروة والمال ... ولهذا عدّت هذه المرحلة أسوء مرحلة في الحكم العثماني بالجزائر
ü مرحلة الأغوات 1659م إلى 1671م والأغا رتبة في الجيش وخلال هذه المرحلة كثرت التحرشات والمكيدات بين ضباط وقادة الجيش الجزائري من أجل الحصول على هذه المرتبة أو غيرها من الامتيازات والمناصب الحكومية ...ولهذا السبب عرفت هذه المرحلة انتشار الرشوة والفساد والاغتيالات السياسية
ü المرحلة الأخيرة مرحلة الدايات أو رياس البحر (1671م ـ 1830م ) الذين اعتمدوا نظاما جديدا منفصلا عن الباب العالي إلاّ من حيث الصورة والاسم أو الولاء وتقديم الهدايا والمساعدات ... وقد عرفت هذه المرحلة الطويلة استقرارا كبيرا ومفيدا في أوّل الأمر سمح للدولة الجزائرية بتقوية أسطولها الذي أصبح مرهوب الجانب يعمل له ألف حساب قبل دخول البحر المتوسط هذا الأسطول الذي كان يجني من أعماله القتالية الجهادية أموالا طائلة .... لكن سرعان ما ضعُف هذا الأسطول وضعفت الدولة نتيجة ملابسات وأسباب سنذكر بعضها ...ممّا سهّل مهمّة احتلال الجزائر
كانت حكومة الداي (وكلـّها من الأتراك) منظمة على الشكل التالي :
- الديوان : يضم قادة الجيش الانكشاري وهم قادة الجزائر الحقيقيين السلطة الفعلية للبلاد
- مجلس النواب : (مجلس الحكومة أو الوزراء بالتعبير العصري) يتكون من خمسة أتراك
1) الخزناجي : بمثابة وزير المالية يساعده باشكاتب أو الخوجة
2) الآغا : قائد الجيش الانكشاري
3) وكيل الخرج : قائد الأسطول البحري ومسؤول الشؤون الخارجية
4) البيتمالجي : مكلف بالعقود والمواريث
2) الآغا : قائد الجيش الانكشاري
3) وكيل الخرج : قائد الأسطول البحري ومسؤول الشؤون الخارجية
4) البيتمالجي : مكلف بالعقود والمواريث
- كبار الموظفين وهم :
1) خوجا السير : الكاتب الخاص بالداي
2) خوجا الباب : صاحب قصر الداي
3) خوجا الرحبة : يسيّر سوق الحبوب
4) قائد المرسى : يراقب المبادلات التجارية
أما عن المقاطعات الإدارية للجزائر آنذاك فهي أربعة :
ü دار السلطان : القصبة , مدينة الجزائر وضواحيها
ü بيلك الغرب : عاصمته في أوّل الأمر كانت مازونة ثم انتقلت إلى معسكر ثم استقرت بوهران بعد تحريرها من الإسبان سنة 1792 م
ü بيلك التيطري عاصمته المدية ويضم الوسط والجنوب الجزائري
ü بيلك الشرق : عاصمته قسنطينة وهو أكبر الأقاليم
هذا عن الوضع السياسي والإداري في تلك الفترة أما البنية الاجتماعية للجزائر يومئذ فيمكننا تلخيصها فيما يلي :
ü كان الأتراك يمثلون على قلـّتهم الجنس الغالب لاستيلائه على جهاز الحكم بجلّ هيئاته وروافده قيل عن عددهم أنّه بين 10 و30 ألف والبعض يرى أنّ هذا العدد إنّما هو بتعداد الكراغلة معهم
ü الكراغلة : بسبب التزاوج بين الأتراك الجند الانكشاري على وجه الخصوص والجزائريات
ü الحضر أو البَلـْدِية : الموركسيون الأندلسيون
ü الدخلاء : اليهود والنصارى
ü العرب : بعضهم سكن المدن وهم قلـّة وأكثرهم بقيت قبائلهم في المناطق الداخلية مشتغلين بالرعي والزراعة
ü الأمازيغ : وهم أغلبية السكان وكانوا يمثلون إلى جانب العرب أكثر من 95% من مجموع السكان بعيدين عن مسائل السياسة والحكم ...
أما عن العلاقة التي تربط بين القبائل العربية والأمازيغية وبين السلطة فيمكننا تلخيصها في التصنيف التالي:
1. قبائل تابعة مباشرة للبايلك وهي التي تسكن بجوار المدن الرئيسية , كانت تسمى بقائل الرعية
2. قبائل المخزن هي أعوان للسلطة تقوم بمهام جمع الزكاة والضرائب والغرامات
3. القبائل المتحالفة مع السلطة أو المسماة بالأحلاف , تستوطن مناطق متوسطة عازلة بين قبائل الرعية والقبائل المستقلة , وكانت هذه القبائل تتبادل مع السلطة الخدمات والمصالح
4. القبائل المستقلة موجودة في المناطق العميقة كالصحراء والمناطق الجبلية ...
أما عن الحياة الاقتصادية للجزائر آنذاك فقد كانت داخليا يغلب عليها الطابع الزراعي الرعوي يغلب عليها الطابع الإقطاعي , منعدمة الصناعات إلاّ حرف يسيرة وقليلة اشتغل بها على الخصوص المركسيون والأندلسيون والدخلاء (اليهود والنصارى) وقد احتكرت السلطة التركية الصناعات الكبرى (على ضعفها) كصناعة المدافع والسفن والمطاحن والمحاجر
الموارد المالية للخزينة الجزائرية تمثلت فيما يلي :
ü على المستوى الخارجي : الصادرات الجزائرية المتمثلة في الحبوب على وجه الخصوص (كانت تنطلق من موانئ عدّة كجيجل , القالة , شرشال , وهران... ) النشاط البحري , الرسوم الجمركية , الإتاوات المفروضة على الشركات الأجنبية , جزية أهل الدمة , الفدية , الضرائب المفروضة على مختلف الدول والمماليك ...
ü على المستوى الداخلي : الضرائب المفروضة على الجزائريين : اللزمة , الغرامة , الزكاة , الضيفة , المعونة , الإتاوة أو العادة , أملاك من لا ميراث له ...
لم تعرف الخزينة الجزائرية ضعفا أو نقصا إلاّ خلال السنوات الأخيرة وقد كان في مخزونها ما يغطي هذا العجز
تميّزت الحياة الثقافية بالضعف والركود مقارنة مع التطور والنشاط الذي عرفته في أوروبا آنذاك وقد اتّسمت بالانتشار الفظيع للخرافات والبدع ...ولكن رغم ذلك فأنّه يسجل للمجتمع الجزائري انعدام الأمية تماما في الحواضر والمدن وتكاد تكون معدومة في الأرياف والقرى نتيجة انتشار المعاهد والمدارس فقد كان في قسنطينة لوحدها أكثر من 86 مدرسة ويذكر " أحمد بوضربة" الذي عاصر الاحتلال أنّه في كلّ قرية جزائرية كانت توجد مدرستان على الأقلّ
كان التعليم يتمّ باللغة العربية وحدها وكان يموّل من طرف الأهالي بفضل صدقات الأوقاف المتعددة والمختلفة...
علاقات الجزائر الخارجية
ü أولا مع المسلمين : أما الخلافة العثمانية فكانت علاقة مساندة ومساعدة وعلاقة طاعة روحية وتبعية اسمية وأما باقي الدول العربية والإسلامية فقد كان الأسطول الجزائري يدافع عن السواحل المغربية والتونسية ضدّ الهجمات الصليبية الإسبانية والبرتغالية كما دافع عن مصر خلال الحملة الفرنسية وقد خصّت الجزائر أوقافا عظيمة للمقدسات الإسلامية في فلسطين والحجاز
ü ثانيا مع الدول الأوروبية : تراوحت علاقات الجزائر مع الدول الأوروبية بين العداء الشديد مع البعض كإسبانيا البرتغال والنمسا والصداقة مع بريطانيا والاضطراب مع فرنسا ... كانت الدول الأوروبية في أوّل جميعها تدفع ضرائب للخزينة الجزائرية وكانت جميعها تحترمها وتقرّ لها بالقوة والسيطرة على البحر المتوسط ولكن ببداية ضعف الأسطول الجزائري بدأت هذه العلاقة تتدهور وبدأت أطماع أوروبا في الجزائر وخيراتها تظهر شيئا فشيئا ....
2) خوجا الباب : صاحب قصر الداي
3) خوجا الرحبة : يسيّر سوق الحبوب
4) قائد المرسى : يراقب المبادلات التجارية
أما عن المقاطعات الإدارية للجزائر آنذاك فهي أربعة :
ü دار السلطان : القصبة , مدينة الجزائر وضواحيها
ü بيلك الغرب : عاصمته في أوّل الأمر كانت مازونة ثم انتقلت إلى معسكر ثم استقرت بوهران بعد تحريرها من الإسبان سنة 1792 م
ü بيلك التيطري عاصمته المدية ويضم الوسط والجنوب الجزائري
ü بيلك الشرق : عاصمته قسنطينة وهو أكبر الأقاليم
هذا عن الوضع السياسي والإداري في تلك الفترة أما البنية الاجتماعية للجزائر يومئذ فيمكننا تلخيصها فيما يلي :
ü كان الأتراك يمثلون على قلـّتهم الجنس الغالب لاستيلائه على جهاز الحكم بجلّ هيئاته وروافده قيل عن عددهم أنّه بين 10 و30 ألف والبعض يرى أنّ هذا العدد إنّما هو بتعداد الكراغلة معهم
ü الكراغلة : بسبب التزاوج بين الأتراك الجند الانكشاري على وجه الخصوص والجزائريات
ü الحضر أو البَلـْدِية : الموركسيون الأندلسيون
ü الدخلاء : اليهود والنصارى
ü العرب : بعضهم سكن المدن وهم قلـّة وأكثرهم بقيت قبائلهم في المناطق الداخلية مشتغلين بالرعي والزراعة
ü الأمازيغ : وهم أغلبية السكان وكانوا يمثلون إلى جانب العرب أكثر من 95% من مجموع السكان بعيدين عن مسائل السياسة والحكم ...
أما عن العلاقة التي تربط بين القبائل العربية والأمازيغية وبين السلطة فيمكننا تلخيصها في التصنيف التالي:
1. قبائل تابعة مباشرة للبايلك وهي التي تسكن بجوار المدن الرئيسية , كانت تسمى بقائل الرعية
2. قبائل المخزن هي أعوان للسلطة تقوم بمهام جمع الزكاة والضرائب والغرامات
3. القبائل المتحالفة مع السلطة أو المسماة بالأحلاف , تستوطن مناطق متوسطة عازلة بين قبائل الرعية والقبائل المستقلة , وكانت هذه القبائل تتبادل مع السلطة الخدمات والمصالح
4. القبائل المستقلة موجودة في المناطق العميقة كالصحراء والمناطق الجبلية ...
أما عن الحياة الاقتصادية للجزائر آنذاك فقد كانت داخليا يغلب عليها الطابع الزراعي الرعوي يغلب عليها الطابع الإقطاعي , منعدمة الصناعات إلاّ حرف يسيرة وقليلة اشتغل بها على الخصوص المركسيون والأندلسيون والدخلاء (اليهود والنصارى) وقد احتكرت السلطة التركية الصناعات الكبرى (على ضعفها) كصناعة المدافع والسفن والمطاحن والمحاجر
الموارد المالية للخزينة الجزائرية تمثلت فيما يلي :
ü على المستوى الخارجي : الصادرات الجزائرية المتمثلة في الحبوب على وجه الخصوص (كانت تنطلق من موانئ عدّة كجيجل , القالة , شرشال , وهران... ) النشاط البحري , الرسوم الجمركية , الإتاوات المفروضة على الشركات الأجنبية , جزية أهل الدمة , الفدية , الضرائب المفروضة على مختلف الدول والمماليك ...
ü على المستوى الداخلي : الضرائب المفروضة على الجزائريين : اللزمة , الغرامة , الزكاة , الضيفة , المعونة , الإتاوة أو العادة , أملاك من لا ميراث له ...
لم تعرف الخزينة الجزائرية ضعفا أو نقصا إلاّ خلال السنوات الأخيرة وقد كان في مخزونها ما يغطي هذا العجز
تميّزت الحياة الثقافية بالضعف والركود مقارنة مع التطور والنشاط الذي عرفته في أوروبا آنذاك وقد اتّسمت بالانتشار الفظيع للخرافات والبدع ...ولكن رغم ذلك فأنّه يسجل للمجتمع الجزائري انعدام الأمية تماما في الحواضر والمدن وتكاد تكون معدومة في الأرياف والقرى نتيجة انتشار المعاهد والمدارس فقد كان في قسنطينة لوحدها أكثر من 86 مدرسة ويذكر " أحمد بوضربة" الذي عاصر الاحتلال أنّه في كلّ قرية جزائرية كانت توجد مدرستان على الأقلّ
كان التعليم يتمّ باللغة العربية وحدها وكان يموّل من طرف الأهالي بفضل صدقات الأوقاف المتعددة والمختلفة...
علاقات الجزائر الخارجية
ü أولا مع المسلمين : أما الخلافة العثمانية فكانت علاقة مساندة ومساعدة وعلاقة طاعة روحية وتبعية اسمية وأما باقي الدول العربية والإسلامية فقد كان الأسطول الجزائري يدافع عن السواحل المغربية والتونسية ضدّ الهجمات الصليبية الإسبانية والبرتغالية كما دافع عن مصر خلال الحملة الفرنسية وقد خصّت الجزائر أوقافا عظيمة للمقدسات الإسلامية في فلسطين والحجاز
ü ثانيا مع الدول الأوروبية : تراوحت علاقات الجزائر مع الدول الأوروبية بين العداء الشديد مع البعض كإسبانيا البرتغال والنمسا والصداقة مع بريطانيا والاضطراب مع فرنسا ... كانت الدول الأوروبية في أوّل جميعها تدفع ضرائب للخزينة الجزائرية وكانت جميعها تحترمها وتقرّ لها بالقوة والسيطرة على البحر المتوسط ولكن ببداية ضعف الأسطول الجزائري بدأت هذه العلاقة تتدهور وبدأت أطماع أوروبا في الجزائر وخيراتها تظهر شيئا فشيئا ....
2. أمريكا قبل وأثناء كتابة مذكرات شالر[2]
يبدأ تاريخ الولايات المتحدة الفعلي سنة 1783م أي مباشرة بعد نهاية حرب الاستقلال التي خاضتها مع مستعمرتها وغريمتها بريطانيا العظمى والتي دامت حوالي ثمان سنوات (1775م ـ 1783م) وانتهت بتوقيع معاهدة فرساي
وفي سنة 1787م وقع المندوبون من جميع الولايات المتحدة على اتفاقيات دستور البلاد والتي تمّ التصديق عليها في سنة 1788م ... لتنطلق بذلك مسيرة دولة بدأت بنواة صغيرة ورقعة بسيطة لا تتعدى 13 ولاية ومقاطعة على شواطئ الأطلسي وبتعداد سكاني لا يتجاوز الأربعة ملايين نسمة (4000000ن)
ثم ما لبثت هذه الدويلة أن تقوت وتوسّعت ...فانطلقت باتجاه المحيط الهادي غربا على حساب السكان الأصليين لأمريكا الهنود الحمر ليعرف العالم ولتشهد البشرية جمعاء ارتكاب أعظم جريمة عرفها تاريخ الإنسان كلـّه جريمة إبادة شعب بأكمله والقضاء على حضارة قارة برمّتها ...
ثمّ استولت واحتلّت شبه جزيرة فلوريدا على حساب إسبانيا سنة 1819 ومقاطعة تكساس وغيرها على حساب المكسيك سنة 1848م وأمريكا ومؤرخوها إلى يومنا هذا يستعملون اصطلاحات مثل الضمّ بدل التوسع والاحتلال والاستيلاء ...
كما اشترت مقاطعة لويزيانا من فرنسا سنة 1803م
وبقيت هكذا تقتل بلا هوادة وتشتري بأيّ ثمن وتحتل ما أمكن إلى أن وصلت إلى حدودها القارّية الحالية ...
خرجت أمريكا من حروب الاستقلال ضعيفة اقتصاديا ومنهكة ماليا ولكنّها على خلاف الجزائر العثمانية اتّخذت جميع الوسائل وانتهجت جميع السبل الممكنة والمتاحة للتّخلـّص من هذا الضعف وعلى رأس هذه الوسائل اعتماد الأساليب العلمية الجديدة فطوّرت زراعتها وأنشأت صناعة راقية قويت شيئا فشيئا حتى أصبحت تنافس غريمتها الأوروبية
كما طوّرت وركّزت على النشاط التجاري فأنشأت أسطولا بحريا تجاريا يجوب مختلف المحيطات والبحار وإلى جانبه أسطولا بحريا عسكريا يتولى فيما يتولاه من المهام حماية الأسطول التجاري من ما كانوا يسمونه آنذاك بظاهرة القرصنة...
ولم يكد القرن التاسع عشر ينتصف حتى صارت أمريكا من أقوى الدول في العالم سياسيا واقتصاديا وتجاريا وعسكريا...
وفي سنة 1787م وقع المندوبون من جميع الولايات المتحدة على اتفاقيات دستور البلاد والتي تمّ التصديق عليها في سنة 1788م ... لتنطلق بذلك مسيرة دولة بدأت بنواة صغيرة ورقعة بسيطة لا تتعدى 13 ولاية ومقاطعة على شواطئ الأطلسي وبتعداد سكاني لا يتجاوز الأربعة ملايين نسمة (4000000ن)
ثم ما لبثت هذه الدويلة أن تقوت وتوسّعت ...فانطلقت باتجاه المحيط الهادي غربا على حساب السكان الأصليين لأمريكا الهنود الحمر ليعرف العالم ولتشهد البشرية جمعاء ارتكاب أعظم جريمة عرفها تاريخ الإنسان كلـّه جريمة إبادة شعب بأكمله والقضاء على حضارة قارة برمّتها ...
ثمّ استولت واحتلّت شبه جزيرة فلوريدا على حساب إسبانيا سنة 1819 ومقاطعة تكساس وغيرها على حساب المكسيك سنة 1848م وأمريكا ومؤرخوها إلى يومنا هذا يستعملون اصطلاحات مثل الضمّ بدل التوسع والاحتلال والاستيلاء ...
كما اشترت مقاطعة لويزيانا من فرنسا سنة 1803م
وبقيت هكذا تقتل بلا هوادة وتشتري بأيّ ثمن وتحتل ما أمكن إلى أن وصلت إلى حدودها القارّية الحالية ...
خرجت أمريكا من حروب الاستقلال ضعيفة اقتصاديا ومنهكة ماليا ولكنّها على خلاف الجزائر العثمانية اتّخذت جميع الوسائل وانتهجت جميع السبل الممكنة والمتاحة للتّخلـّص من هذا الضعف وعلى رأس هذه الوسائل اعتماد الأساليب العلمية الجديدة فطوّرت زراعتها وأنشأت صناعة راقية قويت شيئا فشيئا حتى أصبحت تنافس غريمتها الأوروبية
كما طوّرت وركّزت على النشاط التجاري فأنشأت أسطولا بحريا تجاريا يجوب مختلف المحيطات والبحار وإلى جانبه أسطولا بحريا عسكريا يتولى فيما يتولاه من المهام حماية الأسطول التجاري من ما كانوا يسمونه آنذاك بظاهرة القرصنة...
ولم يكد القرن التاسع عشر ينتصف حتى صارت أمريكا من أقوى الدول في العالم سياسيا واقتصاديا وتجاريا وعسكريا...
3. العلاقات الجزائرية الأمريكية قبل وأثناء كتابة المذكرات :[3]
بمجرد انطلاق المسيرة التنموية الأمريكية والتي جعلت من التجارة الخارجية إحدى ركائزها الأولى والكبرى وجدت أمامها دولة قوية تسيطر على أهم الطرق البحرية وعلى رأسها مركز التجارة العالمية آنذاك وشَرْيانها وركنها الركين البحر الأبيض المتوسط ...هذه الدولة هي الجزائر العثمانية بأسطولها العسكري القوي فاضطرت أمريكا إلى أن تهادن هذه الدولة تماما كما كانت تفعل مثيلاتها من الدول الغربية ...لكن بمجرد ضعف هذا الأسطول عادت العلاقات للتوتر وسارعت أمريكا للتملص والتخلـّص من التزاماتها المالية والضريبية ...هذه هي العلاقة بالإجمال والعموم لكن لتفصيلها والوقوف على مسارها وتاريخها لا بدّ من تقسيمها إلى مراحل كلّ مرحلة لها حيثياتها وملابساتها الخاصة ....
ü مرحلة الاحتلال البريطاني لأمريكا : خلال هذه المرحلة كانت أمريكا مستعمرة بريطانية تابعة سياسيا واقتصاديا للتاج الإنجليزي وبالتالي كانت العلاقة مع أمريكا منطوية تحت العلاقات الجزائرية البريطانية تتمّ بواسطتها ومن خلالها
ü مرحلة حروب الاستقلال : خلال هذه المرحلة وقفت الجزائر إلى جانب بريطانيا حسب بعض المؤرخين[4] منهم الأستاذ إسماعيل العربي ويرى آخرون أنّ الجزائر لم تتخذ قرارا في هذا الشأن ولم تتحيز لجانب دون آخر لأنّ المسألة لم تكن تعنيها فهي مسألة بريطانية داخلية أو مسألة بين دولتين صليبيتين لا تعنيها في شيء أو لبعدها الشديد عن حدودها السياسية وهذا هو ظاهر ما يجنح إليه القنصل الأمريكي من خلال مذكراته هاته فهو يعتبر العلاقات الأمريكية الجزائرية حديثة عهد ولم تبدأ الاتصالات فيما بين الدولتين إلاّ بعد 1783 م كما يؤيّد هذا الاتجاه مسارعة الجزائر إلى الاعتراف باستقلال الولايات المتحدة
وعلى فرضية صحّة ما ذهب إليه الأستاذ إسماعيل العربي فإنّ وقوف الجزائر إلى جانب بريطانيا في حربها ضدّ أمريكا لم يكن أحد يلومها أو يخطّئها عليه لأنّ كلّ القرائن والظروف كانت تشير وتدفع لاتخاذ ذلك الموقف وعلى رأسها علاقتها مع بريطانيا كانت قائمة وحميمة بخلاف أمؤكا التي لم تكن قد وجدت بعدُ
قوة بريطانيا وتفوقها العسكري كان يوحي أو يشير إلى أنّ المعركة ستنتهي لصالحها
البعد الجغرافي بين أمريكا والجزائر كان يستدعي بدوره عدم الاهتمام بهذه الدولة على حساب دولة قريبة منها هي بريطانيا ....
ü مرحلة استقلال الولايات المتحدة : سارعت الجزائر إلى الاعتراف بها كدولة مستقلة كاملة السيادة والحقوق بل تعتبر الجزائر أوّل الدول اعترافا بها
ü مرحلة ما بعد الاستقلال مباشرة 1783م : استولت الجزائر على سفينتين أمريكيتين في عرض المحيط الأطلسي وأسرت ركابها [5], وأصبحت التجارة الأمريكية في البحر المتوسط مستحيلة كما اعتبر الأمريكيون مشكلة الأسطول الجزائري كارثة وطنية وقامت حملة كبيرة في الرأي العام الأمريكي من أجل تحرير أسراهم المتواجدين في الجزائر ...وإذا كانت السفن الأمريكية تجد نوعا من المساعدة والحماية من طرف الأسطول البرتغالي الذي كان في حرب مع الجزائر بفضل مراقبته لمضيق طارق ومنعه مرور السفن الجزائرية فإنّ توسط بريطانيا بين الجزائر والبرتغال لعقد هدنة بين الطرفين سنة 1793م تسمح للأسطول الجزائري بالمرور إلى الأطلسي قد عقـّد مشكلة الولايات المتحدة ما اضطرها للدخول في مفاوضات مباشرة مع الجزائر يقول السفير الأمريكي وليام شالر [6]: "... وهكذا ظهر أنّ التفاوض مع الجزائر لتحرير الأسرى الأمريكيين المحتجزين عبيدا هنا في الجزائر , ومنع أعمال أخرى للقرصنة , هو الوسيلة الوحيدة أمام حكومتهم وقد اتخذت إجراءات طبقا لذلك ولهذه الغاية , كلّف الكولونيل هامفري , الوزير الأمريكي في لشبونة من قبل رئيس الولايات المتحدة بالدخول في مفاوطات مع الجزائر , وتبعا لذلك كلـّف جوزيف دونالدصون بالذهاب إلى الإيالة لعقد معاهدة الصلح تعهدت الولايات المتحدة بموجبها بأن تدفع للجزائر مبلغ 725 ألف دولار في مقابل فدية الأسرى الأمريكيين وغرامة سنوية مقدارها 12000 سيكون[7] و تدفع كذلك ما جرى عليه عرف الديبلوماسية الجزائرية من أموال ومقتنيات ثمينة على سبيل الهدايا والمنح وكذلك وعد داي الجزائر من جانبه بأن يساعد الولايات المتحدة على الوصول إلى عقد معاهدات صلح مع كلّ من إيالة طرابلس وإيالة تونس."[8] ولقد كانت التكلفة الحقيقية لمعاهدة الصلح هذه بالنسبة للولايات المتحدة تعادل أو تفوق المليون دولار وهي قيمة في غاية الارتفاع إذا نظرنا إلى حالتها المالية الكارثية بسبب الديون الخارجية ووضعها الاقتصادي المزري بسبب حرب الاستقلال وضعف الدولة الحديثة النشأة تنظيميا وإداريا الراجح أنّ هذه المعاهدة تمّت سنة 1795م وأنّ أمريكا وجدت صعوبة في جمع هذه الأموال ولكنّها دفعتها بواسطة مفوضها جويل بارلو سنة 1796م , وبقيت مطالب الجزائر تزداد وتتفاقم كلـّما تطوّرت التجارة الأمريكية وازدهرت إلى أن وصلت في حسّ الأمريكيين إلى درجة لا تطاق ولكن لم يكن لهم مفرّا ولا بديلا من دفع هذه الضرائب والغرامات ...
ü مرحلة بداية التوتر 1810 م : خلال حروب نابوليون تغيّرت أوضاع الدول الأوروبية سواء من حيث سياساتها أو من حيث اقتصادها ... فقد تغيّر ميزان القوة بشكل مفاجئ وكبير (تصاعد قوة فرنسا روسيا وبريطانيا وأفول نجم بعض الدول القديمة مثل النمسا هولندا إسبانيا والبرتغال ) كما عرفت الدول الأوروبية ضعفا اقتصاديا وعجزا ماليا نتيجة تكاليف الحروب النابوليونية ممّا دفع جلّ هذه الدول إلى التوقّف عن دفع ضرائبها وغراماتها للجزائر , أمريكا بدورها دخلت خلال هذه الفترة في حرب مع بريطانيا ما جعلها تعرف نفس الظروف المالية والاقتصادية التي عرفتها أوروبا فتوقفت عن دفع ضريبتها المستحقّة , بعد ذلك مباشرة أعلن داي الجزائر الحرب على الولايات المتحدة , وقد اعتبر الأمريكيون هذا الإعلان بمثابة العدوان السافر والمتعمّد وزعموا أنّ من وراء هذا القرار يهود الجزائر هم الذين نصحوا الداي به يقول وليام شالر [9]: "لقد اتخذت السلطات الجزائرية هذا الإجراء بناء على نصيحة بعض اليهود الذين كانوا يتمتعون بحظوة كبيرة لدى الداي في تلك الآونة والذين كانوا على رأس شركة تجارية خطيرة الشأن . فقد أخبر اليهود الداي بمدى اتساع نطاق التجارة الأمريكية وكيف أنّ الأمريكيين يتحملون بدون امتعاض أعمال القرصنة التي تقوم بها سفن الدول المتحاربة ضدهم , واستنتجوا من ذلك , بطبيعة الحال , أنّ الجزائر تستطيع أن تقوم بنفس الأعمال , بحيث سينتهي الأمر بخضوع الولايات المتحدة, وبحصول الايالة على مبلغ كبير من المال, في مقابل تجديد معاهدة السلام."
لم تكن أمريكا تستطيع خوض حرب مع الجزائر فاضطرت إلى محاولة مهادنتها وأرسلت سفينة (اللغاني) محمّلة بالذخيرة والعتاد الحربي , أرست هذه السفينة في ميناء الجزائر يوم 17 جوان 1812م ولكن حمولتها كانت ناقصة عن القيمة المتفق عليها بين الطرفين , أبدى الداي غضبا شديدا وانزعاجا كبيرا بسبب هذا النقص الذي اعتبره عدم وفاء بالعهود والمواثيق وممّا زاد غضب الداي أن علم أنّ نفس السفينة قد أنزلت شحنة مماثلة لملك المغرب وأنّها كانت محمّلة ببعض الأغراض الأخرى لأفراد وشركات خاصة
رأى الداي في هذا التصرف إهانة لشخصه ولدولة الجزائر فأمر القنصل الأمريكي بمغادرة الأراضي الجزائرية رفقة عائلته وجميع الرعايا الأمريكيين وأمهلهم حوالي أسبوعا واحدا إلى غاية 25جوان 1812م
وفي منتصف سبتمبر 1812 ألقى الأسطول الجزائري القبض على سفينة أمريكية وأسرّ جميع من عليها
في 1813م حاولت الحكومة الأمريكية فدية أسراها ولكن المحاولة باءت بالفشل ... يزعم القنصل شالر أنّ الداي رفض فديتهم وقال أنّهم أهمّ عنده من أي مبلغ مالي مهما عظم ...
ü مرحلة التفوق الأمريكي 1815م : الملاحظ أنّ هذه الفترة عرفت فتح الأسطول الجزائري في الوقت نفسه عدّة جبهات وفي شتّى المناطق والجهات وضدّ عدد غير قليل من البلدان على رأسها هولندا السويد ودول الشمال إسبانيا الدويلات الإيطالية ...ولعلّ الذي ساعد الأسطول الجزائري على مجابهة جميع هذه الدول في آنٍ واحد ــ دون أن يتأثر كبير تأثير ــ هو اشتغالهم بحرب نابوليون التي كلّفتهم إنسانيا وماليا الشيء الكثير , ولكن بانتهاء هذه الحروب ابتداء من سنة 1814م بدأت المواقف الغربية (الأوروبية و الأمريكية ) تغيّر من اتجاهها ومن شكلها وحدّتها ...وبدأ التخطيط الفعلي والعلني لمحاربة الجزائر وتحطيم أسطولها
ففي مؤثمر فينا 1815م استطاعت أوروبا أن تمنع الرقّ الأسود كما حاولت جاهدتا أن تحرّم ظاهرة القرصنة ولكن بريطانيا بقوّتها ونفوذها ومحافظة على مصالحها حالت دون ذلك
وفي سنة 1815م وبتوصية من الرئيس الأمريكي ماديصون قرّر الجنجرس (مجلس الشيوخ) العمل على إلغاء معاهدة الجزائر والتوقف نهائيا عن دفع أيّ ضريبة , كما قرر إعلان الحرب على الجزائر وإرسال قطع بحرية للمتوسط لترغم الداي على توقيع معاهدة الصلح وفق الشروط الأمريكية
عيّن الرئيس الأمريكي ماديصون لهذه المهمّة كلٌ من القبطان بينبريج Bainbridje والقبطان ديكاتور Decature قائدين للأسطول المتكون من عشر قطع [10] وكذا القنصل العام ولسام شالر لأجل خوض المفاوضات مع إيالة الجزائر
انطلق الأسطول الأمريكي من ميناء نيو يورك يوم 15ماي 1815م ودخل المتوسط شهر جوان وفي 16 من ذات الشهر التقى بالبارجة الجزائري(مشهودة) قرب رأس جات Cap jet والتي كان يقودها القائد الجزائري المشهور الرئيس حميدو وبسبب عامل المباغتة وبعد مقاومة شديدة قتل على إثرها الرئيس حميدو و ألقت القوات الأمريكية القبض على السفينة وأسرت جميع طاقمها
وفي يوم 20 جوان وصل الأسطول الأمريكي إلى عرض البحر المقابل للجزائر العاصمة التي كانت يومها شبه فارغة من جلّ سكانها وحاميتها (بسبب انتقال أغلب سكان العاصمة إلى مساكن البوادي وتنقل حاميتها للمناطق الداخلية لجمع الزكاة والضرائب والإتاوات وكذا غياب جلّ قطع الأسطول الجزائري الذي كان في مهام عرض المتوسط والأطلسي ) كلّ ذلك دفع الداي إلى المسارعة للتوقيع على معاهدة الصلح وفق الشروط والبنود التي وضعها المفوضون الأمريكيون
يقول القنصل شالر[11] : "لقد أخِذَ الأسطول الجزائري على غرة بهذه الأحداث , ونظرا لأنّ أسطولهم كان يتجول في عرض البحر في تلك الأثناء ,فقد قبلوا , تقريبا جميع الشروط التي أمليناها عليهم , وبدون مناقشة ..."
تمّ التوقيع على المعاهدة يوم 30 جوان , وبعدها مباشرة تمّ تعيين وليام شالر قنصلا عاما للولايات المتحدة الأمريكية في الجزائر
وجدّدت هذه المعاهدة وبنفس الشروط تقريبا في 23 ديسمبر 1815م ومثّل شالر بلاده في المفاوضات التي سبقت هذه المعاهدة إلى جانب [اليهودي] إسحاق تشونسي I.chaunceyالقائد الأعلى للقوات الأمريكية في المتوسط ...ü مرحلة الاحتلال البريطاني لأمريكا : خلال هذه المرحلة كانت أمريكا مستعمرة بريطانية تابعة سياسيا واقتصاديا للتاج الإنجليزي وبالتالي كانت العلاقة مع أمريكا منطوية تحت العلاقات الجزائرية البريطانية تتمّ بواسطتها ومن خلالها
ü مرحلة حروب الاستقلال : خلال هذه المرحلة وقفت الجزائر إلى جانب بريطانيا حسب بعض المؤرخين[4] منهم الأستاذ إسماعيل العربي ويرى آخرون أنّ الجزائر لم تتخذ قرارا في هذا الشأن ولم تتحيز لجانب دون آخر لأنّ المسألة لم تكن تعنيها فهي مسألة بريطانية داخلية أو مسألة بين دولتين صليبيتين لا تعنيها في شيء أو لبعدها الشديد عن حدودها السياسية وهذا هو ظاهر ما يجنح إليه القنصل الأمريكي من خلال مذكراته هاته فهو يعتبر العلاقات الأمريكية الجزائرية حديثة عهد ولم تبدأ الاتصالات فيما بين الدولتين إلاّ بعد 1783 م كما يؤيّد هذا الاتجاه مسارعة الجزائر إلى الاعتراف باستقلال الولايات المتحدة
وعلى فرضية صحّة ما ذهب إليه الأستاذ إسماعيل العربي فإنّ وقوف الجزائر إلى جانب بريطانيا في حربها ضدّ أمريكا لم يكن أحد يلومها أو يخطّئها عليه لأنّ كلّ القرائن والظروف كانت تشير وتدفع لاتخاذ ذلك الموقف وعلى رأسها علاقتها مع بريطانيا كانت قائمة وحميمة بخلاف أمؤكا التي لم تكن قد وجدت بعدُ
قوة بريطانيا وتفوقها العسكري كان يوحي أو يشير إلى أنّ المعركة ستنتهي لصالحها
البعد الجغرافي بين أمريكا والجزائر كان يستدعي بدوره عدم الاهتمام بهذه الدولة على حساب دولة قريبة منها هي بريطانيا ....
ü مرحلة استقلال الولايات المتحدة : سارعت الجزائر إلى الاعتراف بها كدولة مستقلة كاملة السيادة والحقوق بل تعتبر الجزائر أوّل الدول اعترافا بها
ü مرحلة ما بعد الاستقلال مباشرة 1783م : استولت الجزائر على سفينتين أمريكيتين في عرض المحيط الأطلسي وأسرت ركابها [5], وأصبحت التجارة الأمريكية في البحر المتوسط مستحيلة كما اعتبر الأمريكيون مشكلة الأسطول الجزائري كارثة وطنية وقامت حملة كبيرة في الرأي العام الأمريكي من أجل تحرير أسراهم المتواجدين في الجزائر ...وإذا كانت السفن الأمريكية تجد نوعا من المساعدة والحماية من طرف الأسطول البرتغالي الذي كان في حرب مع الجزائر بفضل مراقبته لمضيق طارق ومنعه مرور السفن الجزائرية فإنّ توسط بريطانيا بين الجزائر والبرتغال لعقد هدنة بين الطرفين سنة 1793م تسمح للأسطول الجزائري بالمرور إلى الأطلسي قد عقـّد مشكلة الولايات المتحدة ما اضطرها للدخول في مفاوضات مباشرة مع الجزائر يقول السفير الأمريكي وليام شالر [6]: "... وهكذا ظهر أنّ التفاوض مع الجزائر لتحرير الأسرى الأمريكيين المحتجزين عبيدا هنا في الجزائر , ومنع أعمال أخرى للقرصنة , هو الوسيلة الوحيدة أمام حكومتهم وقد اتخذت إجراءات طبقا لذلك ولهذه الغاية , كلّف الكولونيل هامفري , الوزير الأمريكي في لشبونة من قبل رئيس الولايات المتحدة بالدخول في مفاوطات مع الجزائر , وتبعا لذلك كلـّف جوزيف دونالدصون بالذهاب إلى الإيالة لعقد معاهدة الصلح تعهدت الولايات المتحدة بموجبها بأن تدفع للجزائر مبلغ 725 ألف دولار في مقابل فدية الأسرى الأمريكيين وغرامة سنوية مقدارها 12000 سيكون[7] و تدفع كذلك ما جرى عليه عرف الديبلوماسية الجزائرية من أموال ومقتنيات ثمينة على سبيل الهدايا والمنح وكذلك وعد داي الجزائر من جانبه بأن يساعد الولايات المتحدة على الوصول إلى عقد معاهدات صلح مع كلّ من إيالة طرابلس وإيالة تونس."[8] ولقد كانت التكلفة الحقيقية لمعاهدة الصلح هذه بالنسبة للولايات المتحدة تعادل أو تفوق المليون دولار وهي قيمة في غاية الارتفاع إذا نظرنا إلى حالتها المالية الكارثية بسبب الديون الخارجية ووضعها الاقتصادي المزري بسبب حرب الاستقلال وضعف الدولة الحديثة النشأة تنظيميا وإداريا الراجح أنّ هذه المعاهدة تمّت سنة 1795م وأنّ أمريكا وجدت صعوبة في جمع هذه الأموال ولكنّها دفعتها بواسطة مفوضها جويل بارلو سنة 1796م , وبقيت مطالب الجزائر تزداد وتتفاقم كلـّما تطوّرت التجارة الأمريكية وازدهرت إلى أن وصلت في حسّ الأمريكيين إلى درجة لا تطاق ولكن لم يكن لهم مفرّا ولا بديلا من دفع هذه الضرائب والغرامات ...
ü مرحلة بداية التوتر 1810 م : خلال حروب نابوليون تغيّرت أوضاع الدول الأوروبية سواء من حيث سياساتها أو من حيث اقتصادها ... فقد تغيّر ميزان القوة بشكل مفاجئ وكبير (تصاعد قوة فرنسا روسيا وبريطانيا وأفول نجم بعض الدول القديمة مثل النمسا هولندا إسبانيا والبرتغال ) كما عرفت الدول الأوروبية ضعفا اقتصاديا وعجزا ماليا نتيجة تكاليف الحروب النابوليونية ممّا دفع جلّ هذه الدول إلى التوقّف عن دفع ضرائبها وغراماتها للجزائر , أمريكا بدورها دخلت خلال هذه الفترة في حرب مع بريطانيا ما جعلها تعرف نفس الظروف المالية والاقتصادية التي عرفتها أوروبا فتوقفت عن دفع ضريبتها المستحقّة , بعد ذلك مباشرة أعلن داي الجزائر الحرب على الولايات المتحدة , وقد اعتبر الأمريكيون هذا الإعلان بمثابة العدوان السافر والمتعمّد وزعموا أنّ من وراء هذا القرار يهود الجزائر هم الذين نصحوا الداي به يقول وليام شالر [9]: "لقد اتخذت السلطات الجزائرية هذا الإجراء بناء على نصيحة بعض اليهود الذين كانوا يتمتعون بحظوة كبيرة لدى الداي في تلك الآونة والذين كانوا على رأس شركة تجارية خطيرة الشأن . فقد أخبر اليهود الداي بمدى اتساع نطاق التجارة الأمريكية وكيف أنّ الأمريكيين يتحملون بدون امتعاض أعمال القرصنة التي تقوم بها سفن الدول المتحاربة ضدهم , واستنتجوا من ذلك , بطبيعة الحال , أنّ الجزائر تستطيع أن تقوم بنفس الأعمال , بحيث سينتهي الأمر بخضوع الولايات المتحدة, وبحصول الايالة على مبلغ كبير من المال, في مقابل تجديد معاهدة السلام."
لم تكن أمريكا تستطيع خوض حرب مع الجزائر فاضطرت إلى محاولة مهادنتها وأرسلت سفينة (اللغاني) محمّلة بالذخيرة والعتاد الحربي , أرست هذه السفينة في ميناء الجزائر يوم 17 جوان 1812م ولكن حمولتها كانت ناقصة عن القيمة المتفق عليها بين الطرفين , أبدى الداي غضبا شديدا وانزعاجا كبيرا بسبب هذا النقص الذي اعتبره عدم وفاء بالعهود والمواثيق وممّا زاد غضب الداي أن علم أنّ نفس السفينة قد أنزلت شحنة مماثلة لملك المغرب وأنّها كانت محمّلة ببعض الأغراض الأخرى لأفراد وشركات خاصة
رأى الداي في هذا التصرف إهانة لشخصه ولدولة الجزائر فأمر القنصل الأمريكي بمغادرة الأراضي الجزائرية رفقة عائلته وجميع الرعايا الأمريكيين وأمهلهم حوالي أسبوعا واحدا إلى غاية 25جوان 1812م
وفي منتصف سبتمبر 1812 ألقى الأسطول الجزائري القبض على سفينة أمريكية وأسرّ جميع من عليها
في 1813م حاولت الحكومة الأمريكية فدية أسراها ولكن المحاولة باءت بالفشل ... يزعم القنصل شالر أنّ الداي رفض فديتهم وقال أنّهم أهمّ عنده من أي مبلغ مالي مهما عظم ...
ü مرحلة التفوق الأمريكي 1815م : الملاحظ أنّ هذه الفترة عرفت فتح الأسطول الجزائري في الوقت نفسه عدّة جبهات وفي شتّى المناطق والجهات وضدّ عدد غير قليل من البلدان على رأسها هولندا السويد ودول الشمال إسبانيا الدويلات الإيطالية ...ولعلّ الذي ساعد الأسطول الجزائري على مجابهة جميع هذه الدول في آنٍ واحد ــ دون أن يتأثر كبير تأثير ــ هو اشتغالهم بحرب نابوليون التي كلّفتهم إنسانيا وماليا الشيء الكثير , ولكن بانتهاء هذه الحروب ابتداء من سنة 1814م بدأت المواقف الغربية (الأوروبية و الأمريكية ) تغيّر من اتجاهها ومن شكلها وحدّتها ...وبدأ التخطيط الفعلي والعلني لمحاربة الجزائر وتحطيم أسطولها
ففي مؤثمر فينا 1815م استطاعت أوروبا أن تمنع الرقّ الأسود كما حاولت جاهدتا أن تحرّم ظاهرة القرصنة ولكن بريطانيا بقوّتها ونفوذها ومحافظة على مصالحها حالت دون ذلك
وفي سنة 1815م وبتوصية من الرئيس الأمريكي ماديصون قرّر الجنجرس (مجلس الشيوخ) العمل على إلغاء معاهدة الجزائر والتوقف نهائيا عن دفع أيّ ضريبة , كما قرر إعلان الحرب على الجزائر وإرسال قطع بحرية للمتوسط لترغم الداي على توقيع معاهدة الصلح وفق الشروط الأمريكية
عيّن الرئيس الأمريكي ماديصون لهذه المهمّة كلٌ من القبطان بينبريج Bainbridje والقبطان ديكاتور Decature قائدين للأسطول المتكون من عشر قطع [10] وكذا القنصل العام ولسام شالر لأجل خوض المفاوضات مع إيالة الجزائر
انطلق الأسطول الأمريكي من ميناء نيو يورك يوم 15ماي 1815م ودخل المتوسط شهر جوان وفي 16 من ذات الشهر التقى بالبارجة الجزائري(مشهودة) قرب رأس جات Cap jet والتي كان يقودها القائد الجزائري المشهور الرئيس حميدو وبسبب عامل المباغتة وبعد مقاومة شديدة قتل على إثرها الرئيس حميدو و ألقت القوات الأمريكية القبض على السفينة وأسرت جميع طاقمها
وفي يوم 20 جوان وصل الأسطول الأمريكي إلى عرض البحر المقابل للجزائر العاصمة التي كانت يومها شبه فارغة من جلّ سكانها وحاميتها (بسبب انتقال أغلب سكان العاصمة إلى مساكن البوادي وتنقل حاميتها للمناطق الداخلية لجمع الزكاة والضرائب والإتاوات وكذا غياب جلّ قطع الأسطول الجزائري الذي كان في مهام عرض المتوسط والأطلسي ) كلّ ذلك دفع الداي إلى المسارعة للتوقيع على معاهدة الصلح وفق الشروط والبنود التي وضعها المفوضون الأمريكيون
يقول القنصل شالر[11] : "لقد أخِذَ الأسطول الجزائري على غرة بهذه الأحداث , ونظرا لأنّ أسطولهم كان يتجول في عرض البحر في تلك الأثناء ,فقد قبلوا , تقريبا جميع الشروط التي أمليناها عليهم , وبدون مناقشة ..."
تمّ التوقيع على المعاهدة يوم 30 جوان , وبعدها مباشرة تمّ تعيين وليام شالر قنصلا عاما للولايات المتحدة الأمريكية في الجزائر
يتبع ...
[1] مختصر تاريخ الجزائر بين1707 و 1827 م , للأستاذ دحداح عبد الحفيظ , نقلا من موقع الأستاذ : www.dahdah1.webs.com/index.html (منتديات الموقع)
[2] تاريخ الولايات المتحدة , الموسوعة الحرة ويكيبيديا
[3] مذكرات وليام شالر , مقدمة المترجم إسماعيل العربي , موقع الأستاذ دحداح عبد الحفيظ
[4] مذكرات وليام شالر القنصل الأمريكي في الجزائر 1816 ـ 1824م تعريب إسماعيل العربي , الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1982م. مقدمة المترجم ص5
[5] المصدر السابق ص128
[6]نفسه ص129
[7] السيكون (Sequin) عملة ذهبية غير ثابتة القيمة كانت متداولة في الجزائر وتركيا ودويلات إيطاليا , كانت قيمتها خلال تلك الفترة تعادل دولارين إسبانيين
[8] المصدر السابق ص129
[9] المصدرنفسه ص141
[10] أو ثمان قطع بحسب رواية القنصل شالر ص146 , 147
[11] المصدر نفسه ص 147
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثاني : التعريف بالقنصل شالر وبكتابه عن الجزائر
1) من هو وليام شار؟
سياسي , كاتب , ومفكر أمريكي مشهور ولد سنة 1778م[1] أو حوالي سنة 1773م[2] على اختلاف الروايات في مدينة بريج بورت Bridjport بولاية كونتيكت [3] Connecticut
ابن تيموتي شالر وسيبال وارنر (شالر)
انخرط في بحرية الولايات المتحدّة في مرحل الشباب برتبة ضابط بين سنتي 1803 ـ 1808م ما أعطاه علما واسعا وخبرة كبيرة في وصف البلدان جغرافيا وتحديد مواقعها الفلكية بمنتهى الدّقة ...
اشتغل في السلك الدبلوماسي كقنصل عام في هافانا عاصمة كوبا قبل سنة 1812م
ثمّ تحوّل إلى الجزائر كمفاوض ممثل لبلده في معاهدات الصلح ثمّ كقنصل عام للولايات المتحدة في الجزائر من 1816م إلى غاية 1824م ليعود بعدها إلى هافانا
كما دُعِيَ في مناسبات عدّة إلى تمثيل بلده والمشاركة في مختلف المفاوضات الداخلية والخارجية ...
توفي بالكوليرا في هافانا بكوبا يوم 29 مارس سنة 1833م
مؤلفاته :
ü "Journal of a Voyage between China and the Northwestern Coast of America" in American Register (1808)مذكرات سفر بين الصين وشواطئ شمال أمريكا
ü 1813 بالتعاون مع خوسي ألفاريز دي طوليدو إي ديبوا José Álvarez de Toledo y Dubois أصدر the Gaceta de Texasand El Mejicano
ü 1825 م( لغة البربر في إفريقيا ) وفي بعض الطبعات (لغة البربر وعاداتهم ....) "On the Language, Manners, and Customs of the Berbers, or Brebers, of Africa" in Transactions of the American Philosophical Society (1825)
ü 1826م أصدر مذكراته عن الجزائرSketches of Algiers.
2) كتاب وليام شالر:
أصدر (السير) وليام شالر كتابه الموسوم في الترجمة العربية لإسماعيل العربي بالمذكرات في بوسطن سنة 1826م بدار كومينكز هيليارد وشركائه [4]
لاقى الكتاب عند صدوره رواجا كبيرا بسبب اهتمام العالم كلّه بالجزائر من جهة وبسبب جهلهم بتفاصيل البلاد ونظام الحكم وحقيقة الشعب الجزائري من جهة أخرى وما زاد الكتاب أهمية وخطورة حين صدوره أنّ كاتبه مفكر وسياسي معروف وكونه عبّأه بالروح الصليبية والأطماع الاستعمارية التي كانت العقيدة الشائعة والفكرة الرائجة حينها كلّ هذا زاد من الإقبال على الكتاب والاهتمام به
3) تبويب الكتاب [5]:
قسّم القنصل الأمريكي كتابه إلى مقدمة وسبعة فصول وأردفه بلواحق
أ. فأما المقدمة وقد استغرقت أربع صفحات[6] انتهى المؤلف من كتابتها في الجزائر شهر مارس 1825م وأهمّ ما ذكره فيها تعداد الكتب ـ المعتمدة العلمية والأكاديمية ـ التي تحدثت عن الجزائر والتي اعتبر كتابه مكمّلا لها وبخاصة كتاب الدكتور شاو[7] ومن الكتب الأخرى التي ذكرها كتاب شينيي وأبحاثه عن البربر ورحلات علي بك في إفريقيا وآسيا , كما ذكر أنّ أهمّ أهدافه هو بيان القوة الحقيقية للأسطول الجزائري وأنّ الكاتب في موضع يخوّل له الوقوف على هذه الحقيقة أفضل من أيّ شخص آخر كما نوّه بما كتبه عن حملة اللورد إكسموث باعتباره حضرها وشارك فيها كما نوّه بقائمة الكلمات الأمازيغية بمختلف اللهجات وترجمتها الإنجليزية وأنّه بحث في غاية الأهمية يفيد المتخصصين في الدراسات اللسانية...
ب. الفصل الأوّل : خصّه لبيان حدود وامتداد الجزائر , المظهر العام للبلاد, الجبال , المناخ , التربة , الحيوانات , الإنتاج الطبيعي , الأنهار , الشواطئ , الخلجان والموانئ , التقسيم السياسي , المدن والسكان
ج. الفصل الثاني : خصّه للدين واللغة , شكل الحكومة , التبعية للإمبراطورية العثمانية , حكومة الولايات , المؤسسات السياسية والمدنية والقضاء , امتيازات السياسة المصرّح بها , المعاهدات والعلاقات مع الدول الأجنبية, التحيات , المراسم , رمضان وعيد الأضحى
د. الفصل الثالث : الجزائر ـ موقعها امتدادها , طبوغرافيتها وتحصيناتها , حاميتها وحكومتها , المدينة والعسكرية , ثروة السكان , أمن الأشخاص ورخاؤهم , أنواع السكان ومميزاتهم , حالة العلوم والمعارف , تعليم الأطفال وتربيتهم , الملابس , جمال النساء , حسن عادات المسلمين , طريقة لباسهم , وغذاؤهم , اليهود وأحوال المدينة والظلم الذي يعيشون فيه , الإفريقيون الأجانب الذين يعيشون في المدينة , الفنون الميكانيكية والمنتجات الصناعية , المنازل والطرق والأحياء السكنية , الخوف والخرفات عند الجزائريين , المباني العمومية والمؤسسات الدينية , حالة العبيد المسحيين هنا في زمن الاسترقاق , التجارة , حياة البذخ في الجزائر وآثاره , مجتمع الوكلاء الأجانب , سهول متيجة , الموازين والمقاييس.
ه. الفصل الرابع : مختلف الأمم أو القبائل التي تسكن المملكة , أصلهم المرجح , سلوكهم , شخصيتهم , دينهم , لغتهم , الأتراك .
و. الفصل الخامس : معالم سياسة الجزائر من 1810م إلى 1825م وهو أطول فصل في الكتاب لأهميته وخطورته وجلّ حديثه ها هنا منصب على نشاط الأسطول الجزائري
ز. الفصل السادس : المصير المحتمل لهذا البلد الجميل , أعظم موقع في إفريقية لاستكشاف القارة ولنشر التجارة في الداخل , التأثير الذي يحتمل أن يكون على الحضارة نتيجة لاستقرار أمّة أوروبية في إفريقية الشمالية وتحريم التجارة في الرقّ الأسود . وهو الفصل الذي برزت فيه نوايا الكاتب وروحه الصليبية بشكل فاضح وجليّ ...
ح. الفصل السابع : مستخلص من اليوميات التي كان يسجلها شالر في القنصلية الأمريكية
ط. ملحقات الكتاب : وأهمّ هذه الملحقات خريطة لمنطقة الجزائر وأخرى للمدينة خلال تلك الحقبة من الزمن , الرسائل المتبادلة بين الداي ورئيس الولايات المتحدة , الرسائل المتبادلة بين اللورد إكسموث والداي , تفاصيل تدمير الأسطول الجزائري في الميناء , رسائل للداي موجهة إلى ملك بريطانيا , تصريح الداي بإلغاء استرقاق المسحيين في الجزائر, معجم للكلمات الأمازيغية وترجمتها بالعربية , كشف ووصف للأسطول الجزائري , جدول للمكاييل والموازين الجزائرية ...
ورغم دقة هذا التبويب وبراعته في شكله العام إلاّ أنّه في تفصيلاته كثير من التكرار وتبعثر المعلومات وتفرقها بين أكثر من فصل كموضوع السكان وسياسة الجزائر والحديث عن أسطوله...
[1] موسوعة أبليتون Appletons وموقع مشاهير أمريكاhttp://famousamericans.net/williamshaler/
[2] القاموس الأمريكي للترجماتhttp://www.tshaonline.org/handbook/o...s/SS/fsh3.html
[3]تقع ولاية كونيتكت في أقصى جنوب ولايات إقليم نيو انجلاند New England الواقع في الشمال الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية ويعود اسم الولاية إلى لغة قبائل الهنود الحمر وهى تعني المكان الواقع على ضفاف النهر الطويل واسم الشهرة لولاية كونيتكت هو الولاية الدستورية،...عاصمة الولاية هي مدينة هارت فورد Hartford ويبلغ عدد سكانها 124.387 وتعد مدينة بريدج بورتBridge Port من أكبر المدن حيث يبلغ عدد سكانها 139.664
[4] تجد في الملحقات صورة للغلاف الأصلي للكتاب
[5] ستجد في الملحقات تفصيلا لهذه الأبواب كما كتبها صاحبها في الأصل
[6] في أصل الكتاب بينما هي في الترجمة العربية ناقصة بصفحة ليس بسبب الترجمة ذاتها ولكن بسبب ترك المترجم أو الطابع ترجمة الصفحة الأولى رغم أهميتها وخطورة ما ورد فيها
[7] توماس شاو Thomas Shaw رجل دين أنجليكاني (anglicane) جغرافي ورحالة بريطاني ولد حوالي 1692م وتوفي سنة 1751م صاحب أقدم وأشهر كتاب تناول بالوصف منطقة شمال إفريقيا والجزائر على وجه الخصوص خلال القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر , تخرّج من جامعة أكسفورد يجيد عدّة لغات أهمّها العربية والعبرية واللاتينية واليونانية وغيرها....(موسوعة ويكيبديا الحرة ..)
Thomas Shaw. (2010, juillet 24).Wikipédia, l'encyclopédie libre. Page consultée le 04:03, novembre 12, 2010 à سياسي , كاتب , ومفكر أمريكي مشهور ولد سنة 1778م[1] أو حوالي سنة 1773م[2] على اختلاف الروايات في مدينة بريج بورت Bridjport بولاية كونتيكت [3] Connecticut
ابن تيموتي شالر وسيبال وارنر (شالر)
انخرط في بحرية الولايات المتحدّة في مرحل الشباب برتبة ضابط بين سنتي 1803 ـ 1808م ما أعطاه علما واسعا وخبرة كبيرة في وصف البلدان جغرافيا وتحديد مواقعها الفلكية بمنتهى الدّقة ...
اشتغل في السلك الدبلوماسي كقنصل عام في هافانا عاصمة كوبا قبل سنة 1812م
ثمّ تحوّل إلى الجزائر كمفاوض ممثل لبلده في معاهدات الصلح ثمّ كقنصل عام للولايات المتحدة في الجزائر من 1816م إلى غاية 1824م ليعود بعدها إلى هافانا
كما دُعِيَ في مناسبات عدّة إلى تمثيل بلده والمشاركة في مختلف المفاوضات الداخلية والخارجية ...
توفي بالكوليرا في هافانا بكوبا يوم 29 مارس سنة 1833م
مؤلفاته :
ü "Journal of a Voyage between China and the Northwestern Coast of America" in American Register (1808)مذكرات سفر بين الصين وشواطئ شمال أمريكا
ü 1813 بالتعاون مع خوسي ألفاريز دي طوليدو إي ديبوا José Álvarez de Toledo y Dubois أصدر the Gaceta de Texasand El Mejicano
ü 1825 م( لغة البربر في إفريقيا ) وفي بعض الطبعات (لغة البربر وعاداتهم ....) "On the Language, Manners, and Customs of the Berbers, or Brebers, of Africa" in Transactions of the American Philosophical Society (1825)
ü 1826م أصدر مذكراته عن الجزائرSketches of Algiers.
2) كتاب وليام شالر:
أصدر (السير) وليام شالر كتابه الموسوم في الترجمة العربية لإسماعيل العربي بالمذكرات في بوسطن سنة 1826م بدار كومينكز هيليارد وشركائه [4]
لاقى الكتاب عند صدوره رواجا كبيرا بسبب اهتمام العالم كلّه بالجزائر من جهة وبسبب جهلهم بتفاصيل البلاد ونظام الحكم وحقيقة الشعب الجزائري من جهة أخرى وما زاد الكتاب أهمية وخطورة حين صدوره أنّ كاتبه مفكر وسياسي معروف وكونه عبّأه بالروح الصليبية والأطماع الاستعمارية التي كانت العقيدة الشائعة والفكرة الرائجة حينها كلّ هذا زاد من الإقبال على الكتاب والاهتمام به
3) تبويب الكتاب [5]:
قسّم القنصل الأمريكي كتابه إلى مقدمة وسبعة فصول وأردفه بلواحق
أ. فأما المقدمة وقد استغرقت أربع صفحات[6] انتهى المؤلف من كتابتها في الجزائر شهر مارس 1825م وأهمّ ما ذكره فيها تعداد الكتب ـ المعتمدة العلمية والأكاديمية ـ التي تحدثت عن الجزائر والتي اعتبر كتابه مكمّلا لها وبخاصة كتاب الدكتور شاو[7] ومن الكتب الأخرى التي ذكرها كتاب شينيي وأبحاثه عن البربر ورحلات علي بك في إفريقيا وآسيا , كما ذكر أنّ أهمّ أهدافه هو بيان القوة الحقيقية للأسطول الجزائري وأنّ الكاتب في موضع يخوّل له الوقوف على هذه الحقيقة أفضل من أيّ شخص آخر كما نوّه بما كتبه عن حملة اللورد إكسموث باعتباره حضرها وشارك فيها كما نوّه بقائمة الكلمات الأمازيغية بمختلف اللهجات وترجمتها الإنجليزية وأنّه بحث في غاية الأهمية يفيد المتخصصين في الدراسات اللسانية...
ب. الفصل الأوّل : خصّه لبيان حدود وامتداد الجزائر , المظهر العام للبلاد, الجبال , المناخ , التربة , الحيوانات , الإنتاج الطبيعي , الأنهار , الشواطئ , الخلجان والموانئ , التقسيم السياسي , المدن والسكان
ج. الفصل الثاني : خصّه للدين واللغة , شكل الحكومة , التبعية للإمبراطورية العثمانية , حكومة الولايات , المؤسسات السياسية والمدنية والقضاء , امتيازات السياسة المصرّح بها , المعاهدات والعلاقات مع الدول الأجنبية, التحيات , المراسم , رمضان وعيد الأضحى
د. الفصل الثالث : الجزائر ـ موقعها امتدادها , طبوغرافيتها وتحصيناتها , حاميتها وحكومتها , المدينة والعسكرية , ثروة السكان , أمن الأشخاص ورخاؤهم , أنواع السكان ومميزاتهم , حالة العلوم والمعارف , تعليم الأطفال وتربيتهم , الملابس , جمال النساء , حسن عادات المسلمين , طريقة لباسهم , وغذاؤهم , اليهود وأحوال المدينة والظلم الذي يعيشون فيه , الإفريقيون الأجانب الذين يعيشون في المدينة , الفنون الميكانيكية والمنتجات الصناعية , المنازل والطرق والأحياء السكنية , الخوف والخرفات عند الجزائريين , المباني العمومية والمؤسسات الدينية , حالة العبيد المسحيين هنا في زمن الاسترقاق , التجارة , حياة البذخ في الجزائر وآثاره , مجتمع الوكلاء الأجانب , سهول متيجة , الموازين والمقاييس.
ه. الفصل الرابع : مختلف الأمم أو القبائل التي تسكن المملكة , أصلهم المرجح , سلوكهم , شخصيتهم , دينهم , لغتهم , الأتراك .
و. الفصل الخامس : معالم سياسة الجزائر من 1810م إلى 1825م وهو أطول فصل في الكتاب لأهميته وخطورته وجلّ حديثه ها هنا منصب على نشاط الأسطول الجزائري
ز. الفصل السادس : المصير المحتمل لهذا البلد الجميل , أعظم موقع في إفريقية لاستكشاف القارة ولنشر التجارة في الداخل , التأثير الذي يحتمل أن يكون على الحضارة نتيجة لاستقرار أمّة أوروبية في إفريقية الشمالية وتحريم التجارة في الرقّ الأسود . وهو الفصل الذي برزت فيه نوايا الكاتب وروحه الصليبية بشكل فاضح وجليّ ...
ح. الفصل السابع : مستخلص من اليوميات التي كان يسجلها شالر في القنصلية الأمريكية
ط. ملحقات الكتاب : وأهمّ هذه الملحقات خريطة لمنطقة الجزائر وأخرى للمدينة خلال تلك الحقبة من الزمن , الرسائل المتبادلة بين الداي ورئيس الولايات المتحدة , الرسائل المتبادلة بين اللورد إكسموث والداي , تفاصيل تدمير الأسطول الجزائري في الميناء , رسائل للداي موجهة إلى ملك بريطانيا , تصريح الداي بإلغاء استرقاق المسحيين في الجزائر, معجم للكلمات الأمازيغية وترجمتها بالعربية , كشف ووصف للأسطول الجزائري , جدول للمكاييل والموازين الجزائرية ...
ورغم دقة هذا التبويب وبراعته في شكله العام إلاّ أنّه في تفصيلاته كثير من التكرار وتبعثر المعلومات وتفرقها بين أكثر من فصل كموضوع السكان وسياسة الجزائر والحديث عن أسطوله...
[1] موسوعة أبليتون Appletons وموقع مشاهير أمريكاhttp://famousamericans.net/williamshaler/
[2] القاموس الأمريكي للترجماتhttp://www.tshaonline.org/handbook/o...s/SS/fsh3.html
[3]تقع ولاية كونيتكت في أقصى جنوب ولايات إقليم نيو انجلاند New England الواقع في الشمال الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية ويعود اسم الولاية إلى لغة قبائل الهنود الحمر وهى تعني المكان الواقع على ضفاف النهر الطويل واسم الشهرة لولاية كونيتكت هو الولاية الدستورية،...عاصمة الولاية هي مدينة هارت فورد Hartford ويبلغ عدد سكانها 124.387 وتعد مدينة بريدج بورتBridge Port من أكبر المدن حيث يبلغ عدد سكانها 139.664
[4] تجد في الملحقات صورة للغلاف الأصلي للكتاب
[5] ستجد في الملحقات تفصيلا لهذه الأبواب كما كتبها صاحبها في الأصل
[6] في أصل الكتاب بينما هي في الترجمة العربية ناقصة بصفحة ليس بسبب الترجمة ذاتها ولكن بسبب ترك المترجم أو الطابع ترجمة الصفحة الأولى رغم أهميتها وخطورة ما ورد فيها
[7] توماس شاو Thomas Shaw رجل دين أنجليكاني (anglicane) جغرافي ورحالة بريطاني ولد حوالي 1692م وتوفي سنة 1751م صاحب أقدم وأشهر كتاب تناول بالوصف منطقة شمال إفريقيا والجزائر على وجه الخصوص خلال القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر , تخرّج من جامعة أكسفورد يجيد عدّة لغات أهمّها العربية والعبرية واللاتينية واليونانية وغيرها....(موسوعة ويكيبديا الحرة ..)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت
3) ترجمات الكتاب :
وقد ترجم الكتاب إلى عدّة لغات يهمنا منها ترحمتين اثنين
الأولى : الترجمة العربية :
ترجمه للعربية الأستاذ إسماعيل العربي تحت عنوان (مذكرات وليام شالر قنصل أمريكا في الجزائر) ووضع بين يدي الكتاب مقدمة شرح فيها أهمية هذه المذكرات ولخصّ أهمّ المعلومات التي ذكرت فيه وبخاصة العلاقات الأمريكية الجزائرية ثمّ توسّع في الحديث عن الانحياز والشوفينية والنظرة الاستعلائية التي ميّزة القنصل شالر في هذه المذكرات وختم بالإشارة إلى دور هذه المذكرات في مساعدة الحملة الفرنسية على الجزائر , كما أضاف المترجم للكتاب تعليقات مهمة تبلغ حوالي خمسين تعليقا هي عبارة عن إحالات على فصول ومواضيع من المذكرة ذاتها أو إحالة على الأصل الإنجليزي أو شروح لكلمات ومصطلحات خاصة القديمة منها كالعملات والمكاييل والموازين أو تعقيبات على مواقف المؤلف المنحازة أو توثيق بعض الأحداث والتواريخ من مصادر أخرى ...
مؤاخذات على هذه الترجمة :
ü العنوان :
مما يؤاخذ على صاحب هذه الترجمة عنوانها المخالف تمام المخالفة للعنوان الأصلي ولا يخفى على الباحث والدارس ما لهذه المخالفة والمغايرة من التأثير السلبي على الكتاب ذاته فتناوله على أساس أنّه مذكرات شخصية لرجل فكر أو سياسة غير تناوله على أساس أنّه دراسة ولو مختصرة لدولة الجزائر , إذ المذكرات يغلب عليه المنهج الشخصي والأحكام الانطباعية والذوقية بخلاف الدراسات ينبغي أن تنتهج أسلوبا علميا تحليلي أو مقارة وينبغي لصاحبها أن يكون موضوعيا في أحكامه
فعنوان الكتاب الأصلي المختصرهو : SKETCHES of ALGIERS
أما العنوان كاملا كما ورد على غلاف الكتاب فهو :
وقد ترجم الكتاب إلى عدّة لغات يهمنا منها ترحمتين اثنين
الأولى : الترجمة العربية :
ترجمه للعربية الأستاذ إسماعيل العربي تحت عنوان (مذكرات وليام شالر قنصل أمريكا في الجزائر) ووضع بين يدي الكتاب مقدمة شرح فيها أهمية هذه المذكرات ولخصّ أهمّ المعلومات التي ذكرت فيه وبخاصة العلاقات الأمريكية الجزائرية ثمّ توسّع في الحديث عن الانحياز والشوفينية والنظرة الاستعلائية التي ميّزة القنصل شالر في هذه المذكرات وختم بالإشارة إلى دور هذه المذكرات في مساعدة الحملة الفرنسية على الجزائر , كما أضاف المترجم للكتاب تعليقات مهمة تبلغ حوالي خمسين تعليقا هي عبارة عن إحالات على فصول ومواضيع من المذكرة ذاتها أو إحالة على الأصل الإنجليزي أو شروح لكلمات ومصطلحات خاصة القديمة منها كالعملات والمكاييل والموازين أو تعقيبات على مواقف المؤلف المنحازة أو توثيق بعض الأحداث والتواريخ من مصادر أخرى ...
مؤاخذات على هذه الترجمة :
ü العنوان :
مما يؤاخذ على صاحب هذه الترجمة عنوانها المخالف تمام المخالفة للعنوان الأصلي ولا يخفى على الباحث والدارس ما لهذه المخالفة والمغايرة من التأثير السلبي على الكتاب ذاته فتناوله على أساس أنّه مذكرات شخصية لرجل فكر أو سياسة غير تناوله على أساس أنّه دراسة ولو مختصرة لدولة الجزائر , إذ المذكرات يغلب عليه المنهج الشخصي والأحكام الانطباعية والذوقية بخلاف الدراسات ينبغي أن تنتهج أسلوبا علميا تحليلي أو مقارة وينبغي لصاحبها أن يكون موضوعيا في أحكامه
فعنوان الكتاب الأصلي المختصرهو : SKETCHES of ALGIERS
أما العنوان كاملا كما ورد على غلاف الكتاب فهو :
SKETCHES of ALGIERS
,Political , Historical , And Civil
Containing an accunt of the
Geography , population , government , revenues , commerce , agriculture , arts , civil , institutions , tribes , manners , languages and
RECENT POLITICAL HISTORY
Of that country.
ومعنى sketches أو الترجمة الصحيحة لها هي ملامح أو معالم وبمثل هذا المعنى ترجمت للفرنسية :esquissede l’etat d’alger وممّا جاء في المعجم الفرنسي عن كلمةesquisse :
Première forme, traitée à grands traits et généralement en dimensions réduites, de l'œuvre projetée. (Ce peut être un dessin, une peinture, un modelage. L'esquisse est à distinguer de l'ébauche,qui est l'œuvre même au premier stade de son exécution.)
Indications générales, aperçu sur une question, plan sommaire ; ébauche : Il nous a donné une esquisse de ses projets.
Première forme, traitée à grands traits et généralement en dimensions réduites, de l'œuvre projetée. (Ce peut être un dessin, une peinture, un modelage. L'esquisse est à distinguer de l'ébauche,qui est l'œuvre même au premier stade de son exécution.)
Indications générales, aperçu sur une question, plan sommaire ; ébauche : Il nous a donné une esquisse de ses projets.
وبالنظر إلى العنوان كاملا كما جاء في الأصل نعلم أنّ الترجمة الصحيحة هي المعالم الكبرى لدولة الجزائر حيث ذكر تفصيل هذه المعالم بإشارته إلى مختلف الجوانب السياسية الاقتصادية المالية الاجتماعية والحضارية لدولة الجزائر ...
الأمر الثاني الذي يتعارض وتسمية الكتاب بالمذكرات أنّ صاحبه عقد فصلا كاملا لسرد مذكراته هو الفصل السابع ابتداء من الصفحة 193 إلى غاية الصفحة : 255 بينما الفصول الستة الأخرى مغايرة للمذكرات وهي عبارة عن دراسة تفصيلية للجزائر من جميع الجوانب ... فتسمية الكتاب بالمذكرات فيه نوع من الإجحاف في حقّ صاحبه الذي لم يخصص لمذكراته إلاّ فصلا واحدا وأكثر كتابه مغاير للمذكرات من حيث المنهج والموضوع والعنوان ...
ü لم يتناول المترجم الصفحة الأولى من مقدمة المؤلف على أهميتها وخطورة ما جاء فيها ؛ فقد ابتدأ المترجم مقدمة المؤلف بقوله: (المؤلف مدين في تأليف هذا الكتاب, بصفة خاصة للكتاب القيّم الذي وضعه الدكتور شاو عن بلاد البربر , وكذلك استفاد من كتاب شينيي , أبحاث عن البربر ومن رحلات علي بك في إفريقيا وآسيا ...) بينما مقدمة المؤلف تبتدئ بقوله :( إنّما كُتِبت هذه الصفحات بعزيمة وتحدّي صاحبها المعزول والغريب إلى حدّ الآن عن الكتابات الأدبية وهو يعرضها لجمهور القراء في ظلّ الغياب شبه التام للمراجع والمصادر التي تعطي صورة حقيقية لقوّة ولأهمية سياسة القراصنة ...) ثمّ يمضي في بيان سبب تأليفه لهذا الكتاب ولا يأتي إلى الفقرة التي ابتدأ بها المترجم مقدمته إلاّ بعد ثلاثة وثلاثين (33) سطرا ... ولا يخفى على أحد ـ والله أعلم ـ أنّ مثل هذا النقص مؤثر في مضمون الترجمة وفي توثيقها وأمانتها ...
ü اعتماد المترجم في ترجمته كثيرا على الترجمة الفرنسية بدل الأصل وهذا خطأ منهجي كبير قد يؤدي إلى نسخ أخطاء المترجم الفرنسي أو إلى إغفال حقائق في الأصل قد يغفل أو يذهل عنها المترجم نتيجة سوء فهم النص الأصلي ...فالكاتب الفرنسي لما أخطأ في اصطلاح خطوط العرض والطول عند تحديد موقع الجزائر[1] وسمى خطوط العرض طولا (longitude nord et longitude est)تابعه المترجم العربي(طول شمالي وطول شرقي) رغم أنّ الأصل فرّق بينهما(latitude north and longitude est )
ü ملاحظة أخرى على الترجمة العربية أنّ صاحبها ارتأى أن يحذف ما يتعلق بالكلمات الأمازيغية وترجماتها الإنجليزية التي ذكرها الكاتب في الملحقات لأنّه كما قال (لا تربطها صلة بهذا الكتاب , ولأنّ دراسات شاملة كثيرة نشرت في الموضوع في أواخر القرن الماضي وفي هذا القرن .)[2]
الثانية : الترجمة الفرنسية[3] :
إذا كان اهتمامنا في الترجمة العربية منصبا على الترجمة ذاتها لأنّها النص المعتمد في هذه البحوث فإنّ الشيء الذي ينبغي الاهتمام به في الترجمة الفرنسية هو المترجم نفسه لعلاقته الوطيدة والمشبوهة بحصار واحتلال الجزائر لدى سنركز في حديثنا هنا على صاحب الترجمة وعلى إضافاته وزياداته على أصل الكتاب أي مقدمته وتعليقاته
صاحب الترجمة :Thomas Xavier Bianchi طوماس كزافيي لايانشي ولد في باريس يوم 25 جوان 1783م وهو أخ المرشال النمساوي ذي بانشي دوق كزالنسا le duc de casalanza , درس في المدرسة المركزية لمقاطعة سان إي مارن seine et marne ثمّ تابع في باريس دراسة اللغات الشرقية في المدرسة الفرنسية école de France وفي المكتبة الإمبراطورية la bibliothèque impériale
في سنة 1807 انتقل إلى القسطنطينية حيث أتمّ دراسته للعربية والتركية والفارسية
وفي 1811 عيّن مترجما مساعدا للقنصل الفرنسي بأزمير بتركيا ثمّ مترجما رئيسيا
وفي 1816م عيّن مترجما وكاتبا للملك شارل العاشر
شارك في الحملة الفرنسية ضدّ الجزائر كمساعد أو كاتب أو مستشار أو مراقب للملك لا يزال الغموض يحيط بمهمته الحقيقية في هذه الحملة لكن يبدو أنّه كان مجتهدا في عمله ذاك راغبا فيه متفانيا في خدمة فرنسا الصليبية على حساب دولة كان يعتبرها متخلفة همجية مصدر لإرهاب مسيحي أوروبا وقد ألـّف خلال فترة الحصار كتابا حول مسألة السفينة الدبلوماسية التي غرقت في عرض سواحل الجزائر بفعل قصف المدفعية الجزائرية سنة 1829م
بعد احتلال الجزائر تمّ تكريمه بوسام الشرف officier de la légion d’honneur نتيجة تفانيه في خدمة فرنسا
عيّن أستاذا للغات التركية في مدرسة اللغات الشرقية إلى غاية 1842 وبعدها تفرّغ للدراسات اللغوية واللسانية . توفي سنة 1864م
له مؤلفات عدّة تدور جميعها حول مواضيع ثلاثة :
الدراسات اللغوية : وله في هذا الإطار معجمات متعددة خاصة ما يتعلق باللغة التركية
الدراسات المكتبية : فهرست المكتبات المصرية , تعليقات وحواشي على عدة كتب ومخطوطات عربية تركية وغربية
الدراسات التاريخية : منها ترجمتنا هذه وكتابه عن سفينة لابروفانس
مقدمة الترجمة : استغرقت عشر صفحات من الحجم المتوسط , كأنّه حاول من خلالها توجيه نظر القارئ الوجهة التي تتماشى والتصوّر الفرنسي للجزائر كما حاول من خلالها تبرير أهداف فرنسا العلنية والسرّية للحصار بل وللاحتلال رغم أنّه لم يكن قد وقع بعدُ حين صدور الطبعة الأولى للكتاب ولكنّه يجهر به ويدّعي أنّه الحل الوحيد والأمثل لاستقرار أوروبا وخلاصها من أسطولها الرهيب ...
من مقدمة المترجم : لأنّ مقدمات الكتب في الغالب الأعمّ تبين وتكشف عن أسباب التأليف وعن أهدافه وعن منهجية الكاتب وشروطه سنحاول الوقوف على أهمّ ما جاء في مقدمة المترجم لعلّنا نكتشف أسرار هذه الترجمة في هذا الوقت بالذات وعلاقتها بالحملة الفرنسية على الجزائر.
فممّا جاء في مقدمته ما يلي :
ü احتياج الحملة الفرنسية لمعلومات أكثر وأوفر عن كلّ ما يخصّ الجزائر ورغم صدور عدّة كتب في الآونة الأخيرة 1829م تتناول الموضوع ولكنّها كتب تجارية ترمي للربح وكسب المال لا غير هي في الغالب الأعمّ لا تزيد على إعادة ما هو معروف وكتابة ما هو مدوّن مشهور , ويستثني من هذا الحكم كتاب القنصل شالر الذي يعتبره في غاية الأهمية والموضوعية [4]... فالمترجم كما هو واضح من خلال افتتاح مقدمته أبان عن هدف الترجمة وهو الاستجابة لحاجيات الحملة الفرنسية على الجزائر
ü وصفه لكتاب القنصل شالر بأنّه الكتاب الذي يستطيع تحقيق أهم أهداف الظرف الذي نعيشه اليوم [5] وما هو هذا الهدف المهم إن لم يكن التعرف على الجزائر بكلّ تفصيلاتها ومعالمها شعبا حكومة وأرضا للظّرف المناسب يومها ـ كما زعم ـ ألا وهو حصار الجزائر فلا يخفى على ذي لبّ أنّ أهمّ كان يشتغل الرأي العام الفرنسي والعالمي يومها هو حصار الجزائر ومحاولة القضاء على أسطولها...
ü يصف المترجمُ الكاتبَ بالشدّة والحدّة في الحكم على الجزائر والجزائريين ولكن في تناقض عجيب يعود ليقول أنّ هذا الحكم في غاية العدل والتحقية بل يزايد المترجمُ على الكاتب في نعت الجزائريين بمختلف الأوصاف القبيحة فهو شعب همجيّ جاهل منافق[6]...لماذا هذه الأوصاف القبيحة لماذا هذا التناقض إن لم يكن لتعليل الحملة الفرنسية القائمة في حسّهم أو زعمهم على نقل الحضارة والتطوّر والمسيحية لهذا الشعب الموصوف والمنعوت بما تقدّم ...
ü أهمّ ما لفت انتباه وجذب اهتمام المترجم في الكتاب من خلال مقدمته ما يلي :
1. الوصف الدقيق لمدينة الجزائر وضواحيها وحديثه عن تحصيناتها[7]
2. حديث الكاتب عن الخزينة الجزائرية وعن غناها وتفاصيل محتواها [8]
3. ملحقات الكتاب وخاصة خريطة مدينة الجزائر وضواحيها وما يتعلق باللهجات المحلية[9]
4. تفصيلات الكاتب فيما يتعلق بحملة اللورد إكسموث الإنجليزي على الجزائر سنة 1816م
لنعد الآن ولنتأمل في أسباب اهتمامه بهذه العناصر دون غيرها ألا يشمّ منها رائحة الغزو والتحضير له فجميع هذه الأمور إذا استثنينا منها موضوع اللغات واللهجات تخدم الحملة الفرنسية على الجزائر فمعرفة تحصينات مدينة الجزائر سواء من خلال وصف القنصل أو خريطته مفيدة للغزو ومعرفة غنى الجزائر ومحتوى خزينتها هو هدف الغزو والباعث الحقيقة عليه وهو الحلّ لمشاكل فرنسا كلّها كما كان يرى ويظن الملكيون يومها والتعرف على التجربة الإنجليزية مهم لاجتناب سلبياتها واستغلال إيجابياتها , أما عنصر اللغة الذي اهتمّ به المترجم بيانشي فإمّا بسبب تخصصه اللغوي ـ هذا إن أحسنّا الظن به ما لا ينبغي أن يكون في مثل هذه الحالات من الكيد والمكر والتربّص ـ وإمّا وهو الغالب على الظنّ بسبب وظيفته كمترجم للحملة وللملك شارل العاشر...
ü انتقادات المترجم للكاتب في مقدمته ويمكننا إجمالها فيما يلي :
1. انتقد الاستعلاء الأمريكي الذي اتّسم به الكاتب وتعظيم الانتصار الأمريكي على الجزائر الذي لا يعدو في حقيقة الأمر أن يكون استيلاء على بعض العتاد والأسلحة ...[10]
2. انتقاد موقف الكاتب من السياسة الفرنسية تُجاه الجزائر والذي يعتبرها بدائية بسيطة وغير مدروسة [11]
تعليقات المترجم وهوامشه على الكتاب:
تنوعت تعليقات المترجم واختلفت هوامشه بين مواضيع شتّى أهمّها :
ü إحالات على ملحقات الكتاب وخاصة خريطة مدينة الجزائر [12]
ü شرح للكلمات الواردة في الأصل[13]
ü ترجمة الكلمات العربية والتركية الواردة في الأصل[14]
ü تسجيل حوادث تاريخية مهمة لها علاقة بما يذكره الكاتب [15]
ü تقديم معلومات إضافية[16]
ü تعقيبات على الأصل وهي إمّا انتقادات لأراء الكاتب كرأيه ورغبته في احتلال بريطانيا للجزائر[17] أو بيانٌ لبعض تناقضات الكاتب كاختلاف وصف الأسطول الجزائري بين صلب الكتاب وملحقاته[18] أو كاختلافه معه في بعض المعلومات المقدمة [19]
أمثلة لبعض تعليقاته المهمة :
1. لما ذكر الكاتب أنّ أوّل دولة وقّعت معاهدة مع الجزائر وفتحت علاقات دبلوماسية معها هي بريطانيا سنة 1682م[20]... وبهذا السبق في الاتصال يكون لها حقّ النفوذ ـ في حسّ الغربيين ـ وحقّ حماية مصالحها القديمة في الجزائر باحتلالها إن استدعى الأمر ذلك ... سارع المترجم إلى تفنيد هذا الزعم وإعطاء السبق لفرنسا بدل بريطانيا فذكر أنّ أوّل معاهدة عقدت مع الجزائر كانت سنة َ1616م أي 68سنة قبل معاهدة بريطانيا ...ولما ذكر المؤلف أنّ فرنسا لم تعد تستحوذ عل حق استخراج المرجان وأنّ هذا الحق أصبح من ملك بريطانيا [21] سارع المترجم إلى تفنيد هذا الزعم وذكر أنّ سنة 1815م عرفت تأكيد حقّ فرنسا في نفوذها على الجزائر بموجب مصالحها القديمة فيها ويقصد بذلك ما خوّله لها مؤتمر فينّا
2. ذكر المؤلف في غير ما موضع من كتابه أنّ الجزائر بلد كثير الثروات وأنّه بأيدٍ غير أمينة غير حكيمة ولا تحسن استغلال هذه الثروات ثمّ دعا الغرب إلى احتلالها وبشّر من فعل ذلك بميزات وخيرات لا تعدّ ولا تحصى وزعم أنّ أحسن دولة يمكنها فعل ذلك هي بريطانيا فدعاها للمسارعة إلى احتلال الجزائر وأعطاها خطة عملية سهلة وجاهزة بكلّ دقائقها وتفصيلاتها...فسارع المترجم كعادته في كلّ ما من شأنه أن يخدش ويقدح في حقّ فرنسا الحصري في الجزائر ...سارع إلى تفنيد ادّعاء المؤلف أحقية بريطانيا بالجزائر ...حيث قال فيما معناه : " طبعا هذه الفكرة ـ احتلال الجزائر ـ معروفة متداولة وليست بعيدة أو ساقطة والميزات التي يمكن أن تحققها هذه المنطقة الإفريقية لإحدى الدول الكبرى التي تستطيع إقامة مستعمرة فيها معروفة ومشهورة منذ مدّة , ولكن السؤال هو من هي هذه الدولة التي ستستحوذ على هذه الثروات والميزات ...أكيد لن تكون بريطانيا لأنّ تواجد بريطانيا في هذه المنطقة سيؤدي حتماً إلى محو فرنسا وإسبانيا وغيرهما من الخريطة العالمية ... ومواطن أمريكي (إشارة إلى المؤلف) لا يستبعد منه أن يحبّذ احتلال بريطانيا للجزائر فإنّ ذلك من شأنه أن يبعد الأسطول البريطاني عن الجزر الأمريكية التي تحتلها ولا تزال محلّ نزاع بين الطرفين ...إنّ هذه البلاد من حقّ فرنسا وإسبانيا اللتان تستطيعان قسمة مساحتها الشاسعة بكلّ تفاهم وسهولة بين الغرب لإسبانيا والشرق لفرنسا دون أن يؤدي ذلك إلى ضرب مصالح الغرب كلّه ولا إلى الإخلال بتوازن القوة العالمي ... ولكن ماذا سيكون موقف بريطانيا من هذا العمل ؟ وماذا سيكون وقف مثل هذا المواطن الأمريكي ؟ " اهـ
ولو تأملنا في هذه التعليقات جيّدا وأمعنّا النظر فيها والقراءة الباطنية والتنقيب ما بين سطورها سنستخلص ونستنتج ما يلي :
ü النيّة الفرنسية القديمة والمعلنة ـ محليا[22] ـ لاحتلال الجزائر
ü التنافس الغربي على احتلال الجزائر حتى أمريكا التي لا تستطيع فعل ذلك بسبب ضعفها العسكري وبعدها الجغرافي تحبّذ أن يحتلّها بعض حلفاءها ومن يخدم مصالحها
ü تخوّف فرنسا من احتلال بريطانيا للجزائر وهذا ما جعلها تفشل بعض الحملات البريطانية على الجزائر كمحاولة اللورد إكسموث سنة 1816م والتي فضحتها الصحافة الفرنسية قبل وصولها لميناء الجزائر ما مكّن الحامية الجزائرية من الاستعداد الجيّد لها [23]
ü الإبانة عن الأسباب الحقيقية لاحتلال الجزائر وهي ثروتها وما تقدمه لمن يحتلّها من ميزات سياسية إستراتيجية اقتصادية ...
ü الشركات التجارية والمعاهدات على استغلال بعض الثروات إنّما كانت مقدمات وممهدات للاحتلال والغزو ...
ü انشغال فرنسا بالرأي العام الغربي والبريطاني على وجه الخصوص من احتلالها للجزائر
- ESQUISE DE L’ETAT D’ALGER par W.SHALER traduit et enrichi de notes par M.X.BLANCHI secrétaire interprète du roi . Libraire Ladvocat palais royal Pris 1830 الصفحة 1 , 2 من مقدمة المترجم
1) أهمية كتاب وليام شالر :
أ. في فترة إصداره :
أما في الفترة التي صدر فيها الكتاب فإنّه اكتسى أهميته من مناحي عدّة وجهات شتّى أهمّها:
ü موضوع الجزائر في بداية القرن التاسع عشر كان بمثابة موضوع الساعة ... وعيون العالم كلّها كانت موجّهة إليها سواء من حيث الخوف والرهبة من أسطولها العظيم أومن حيث المكر والكيد والتربّص بها ...
ü الجزائر على شهرتها العالمية آنذاك كانت مجهولة المعالم فجاء كتاب شالر ليملأ هذا الفراغ ويستجيب لمطلب التعريف بها ... وفي الفترة التي سبقت احتلال الجزائر 1830م صدرت العشرات من الكتب التي تتناولها بالبحث حتّى أنّ بعضها أعيد طباعته ثلاث مرات في ظرف شهر واحد ولكن جلّها عبارة عن كتب تجارية تسعى وراء الربح والكسب لا غير فهي لا تتجاوز أن تكون إعادة لما هو معروف وتكرار لما هو متناول ومشهور ...[1]
ü شهرة الكاتب الفكرية والسياسية وخبرته الدبلوماسية والعسكرية أصبغت على الكتاب شيئا من التوثيق والاعتماد والتزكية
ü وصفه الدقيق للجيش وللأسطول الجزائري جعل من الكتاب وثيقة مهمة وخطيرة تخدم رغبة العالم الغربي الصليبي في التعرّف على وحدات هذا الأسطول وعلى قوته الحقيقية ومواطن ضعفه من أجل القضاء عليه ...
ü وصفه لحكومة الجزائر وهيئاتها وأعرافها الدبلوماسية جعل من الكتاب وسيلة ناجحة في حسن تعامل القناصل والدول الغربية عموما مع إيالة الجزائر ...
ü الوصف الطبوغرافي لمدينة الجزائر وحديثُه عن تحصيناتها وعن نقاط ضعفها وقوّتها وعن ضواحيها كان ذا أهمية عظيمة بالنسبة لجميع الدّول المتربّصة بالجزائر وعلى رأسها فرنسا
ü التفصيلات الدقيقة والمعلومات الكثيرة عن اللهجات الجزائرية كان ذا أهمية بليغة لكلّ المتعاملين مع الجزائريين وللدارسين للغاتهم ولهجاتهم يشترك في ذلك الأصدقاء والأعداء
ب. أهميته العلمية غير المتعلقة بفترة محدّدة
ü أهميته في الدراسات التاريخية :يعتبر الكتاب مصدر من المصادر التي تحدّثت عن مرحلة نهاية الحكم العثماني بالجزائر في الفترة الممتدة بين 1816م و1824م بكلّ تفصيلاتها وتعقيداتها
ü أهميته في الدراسات الاجتماعية : توسّعه في الحديث عن المجتمع الجزائري بكلّ شرائحه وإبدائه لآراء وأحكام جريئة بهذا الخصوص يستفيد منها عالم الاجتماع أيّما إفادة...
ü أهمّيته في الدراسات اللغوية واللسانية فقد أورد الكاتب قاموسا مصغّرا للهجات الجزائرية القبائلية العربية الميزابية الشاوية وحاول عقد مقارنة بينها
2) استعانة الحملة الفرنسية بكتاب شالر :
لقد أصبحت مسألة استعانة الحملة الفرنسية بكتاب شالر واعتمادها عليه في غاية التقرير والتحقيق ولبيان ذلك والتأكدّ منه نعرض النقاط التالية :
أ. الذي تولى ترجمة الكتاب هو المترجم الخاص بالملك ولا يستبعد أن يكون فعل ذلك بأمرٍ منه بل هذا هو الراجح لأنّه إنما يعمل ويترجم تحت إمرته
ب. مترجم الكتاب شارك في الحملة الفرنسية ولا يزال الغموض يكتنف مهمته فيها هل شارك كمستشار ككاتب كمترجم كمساعد ...لكن المؤكد أنّه شارك وبفعالية كبيرة استحقّ على إثرها وسام الشرف الملكي ومن مظاهر هذه المشاركة كتابه عن حادثة السفينة لابروفانس la Provence
ج. تصريح المترجم في زياداته على أصل الكتاب سواء في المقدمة أو التعليقات بهذه الاستفادة والاستعانة حيث يقول في المقدمة : "إنّ ما ذكره الكاتب عن موقع الجزائر ومساحاتها وتحصيناتها وضواحيها بدقّة متناهية سيكون بدون شكّ في غاية الفائدة في إدارة العمليات العسكرية على الجزائر..."[2] ويقول كذلك في ختام مقدمته : "أياما قلائل وسيثبت نجاح حملة الملك التي كلّف بها ضباطنا الأكفّاء وجنودنا البواسل الشجعان صدق تنبآت القنصل الأمريكي ..." في تعليقه على معجم كلمات اللهجات المحلية ذكر أنّه سارع إلى ترجمة هذا الكتاب ليخرج في الوقت المناسب بتلبية حاجيات القراء عموما وأفراد الحملة الفرنسية على وجه الخصوص[3]
د. اعتماد الحملة الفرنسية خطّة القنصل الأمريكي بحذافيرها بدايةً من وقت النزول ومكانه وطريقته وكلّ ما جاء في كتابه ...
ما ينبغي تسجيله في هذا المقام أنّ فرنسا استعانت بجواسيس عدّة وفي حقب تاريخية مختلفة من أجل احتلال الجزائر لعل من أشهرهم الضابط بوتان[4] ولكن ما قدّمه القنصل الأمريكي للحملة الفرنسية أكبر وأهمّ بكثير ممّا قدمه هذا الجاسوس لأسباب عدّة أهمّها ما يلي:
ü قِدَمُ معلومات بوتان جمعها سنة 1808 بأمرٍ من نابليون بونابرت حيث وصل إلى مدينة الجزائر يوم 24 ماي 1808م و توفي سنة 1815م أي قبل الاحتلال بخمس سنوات ومعلوماته مرّ عليها ما يقارب 22سنة وهي مدّة زمنية مهمّة يمكن أن تتغير فيها معالم المدينة كلّها فضلا عن تحصيناتها العسكرية ...بينما معلومات القنصل شالر جديدة ومتأخرة عن معلومات بوتان حيث تعود إلى 1824م
ü معلومات بوتان على دقّتها لا ترقى إلى سعة ودقّة معلومات القنصل شالر فكلّ ما ذكره بوتان بعد أن نزل مدينة الجزائر يوم 24 ماي 1808م وزار المدينة وطاف بضواحيها شرقا وغربا واطّلع على تحصيناتها وقوّة حاميتها أنّه ينبغي أن لا يزيد جيش الحملة على 40ألف جندي وأن تتمّ بين 10ماي و10جوان وأن لا تستغرق أكثر من شهر وبيّن ضعف الجهة الغربية للعاصمة بالمقارنة مع جهتها الشرقية الشيء الذي كان ظاهرا للعيان ...بينما معلومات شالر وأدقّ وأوسع وأعمق والحملة الفرنسية سنة 1830م جاءت مقاربة لمعلومات بوتان ولكنّها مطابقة لمعلومات شالر ...
ü معلومات بوتان لم تكتب في عين المكان بل هي ما حفظه هذا الضابط من مذكراته وتدويناته التي أضاعها نتيجة خوفه من أن تقع بين يدي الإنجليز في حملة تفتيش تعرّضت لها السفينة التي كانت تقلّه إلى فرنسا قادمة من الجزائر حتى أنّ بعض المصادر تذكر أنّه اضطرّ إلى أكلها ...بينما معلومات القنصل شالر أوثق فهو كتبها في عين المكان وحافظ عليها من يوم الكتابة والتدوين إلى وقت الطباعة والنشر...
ü إنّ كتابة ضابط ومهندس عسكري مهما علت مرتبته واتّسعت تجربته كبوتان لن ترتقي أبداً إلى كتابة رجل يجمع بين صفات وميزات وخصائص عدّة فهو قنصل دبلوماسي مشهور وهو رجل فكر وأكاديمي معروف وهو كاتب صحفي ومحقق متعدد المصادر وهو بحار رحالة طبوغرافي ذو تجربة واسعة ...فلا بدّ وأن تكتسي كتابة مثل هذا الرجل شيئا من التزكية والاعتماد والتوثيق وهذا ما صرّح به المترجم بيانشي في مقدمته ...
ü القنصل شالر يصرّح في غير مبالاة بالأعراف الدبلوماسية بأنّه لا ينبغي الاقتصار على مهاجمة الإيالة من عرض البحر ثمّ العودة إلى القواعد كما فعلت الحملات السابقة كما لا ينبغي النزول للبرّ الجزائري نزولاً مؤقّتاً ...بل ينبغي احتلال الجزائر وطرد الترك وجيشهم الانكشاري منها وإقامة دولة غربية مسيحية مكانتها وبدلها... وهذا ما لم يجرأ على التصريح به أحد بما في ذلك جواسيس فرنسا أنفسهم...
[1] راجع مقدمة بيانشي على الترجمة الفرنسية للكتاب ص 1 , 2
[2] ص4 من الترجمة الفرنسية للكتاب
[3] هامش الصفحة 220 من المرجع السابق
[4] لفرنسا جواسيسر كُثر منهم كذلك تونير و فيما بعد ليون روش وغيرهم لكن أشهرهم وأكثرهم ذكرا في المصادر التاريخية هو بوتان
أ. في فترة إصداره :
أما في الفترة التي صدر فيها الكتاب فإنّه اكتسى أهميته من مناحي عدّة وجهات شتّى أهمّها:
ü موضوع الجزائر في بداية القرن التاسع عشر كان بمثابة موضوع الساعة ... وعيون العالم كلّها كانت موجّهة إليها سواء من حيث الخوف والرهبة من أسطولها العظيم أومن حيث المكر والكيد والتربّص بها ...
ü الجزائر على شهرتها العالمية آنذاك كانت مجهولة المعالم فجاء كتاب شالر ليملأ هذا الفراغ ويستجيب لمطلب التعريف بها ... وفي الفترة التي سبقت احتلال الجزائر 1830م صدرت العشرات من الكتب التي تتناولها بالبحث حتّى أنّ بعضها أعيد طباعته ثلاث مرات في ظرف شهر واحد ولكن جلّها عبارة عن كتب تجارية تسعى وراء الربح والكسب لا غير فهي لا تتجاوز أن تكون إعادة لما هو معروف وتكرار لما هو متناول ومشهور ...[1]
ü شهرة الكاتب الفكرية والسياسية وخبرته الدبلوماسية والعسكرية أصبغت على الكتاب شيئا من التوثيق والاعتماد والتزكية
ü وصفه الدقيق للجيش وللأسطول الجزائري جعل من الكتاب وثيقة مهمة وخطيرة تخدم رغبة العالم الغربي الصليبي في التعرّف على وحدات هذا الأسطول وعلى قوته الحقيقية ومواطن ضعفه من أجل القضاء عليه ...
ü وصفه لحكومة الجزائر وهيئاتها وأعرافها الدبلوماسية جعل من الكتاب وسيلة ناجحة في حسن تعامل القناصل والدول الغربية عموما مع إيالة الجزائر ...
ü الوصف الطبوغرافي لمدينة الجزائر وحديثُه عن تحصيناتها وعن نقاط ضعفها وقوّتها وعن ضواحيها كان ذا أهمية عظيمة بالنسبة لجميع الدّول المتربّصة بالجزائر وعلى رأسها فرنسا
ü التفصيلات الدقيقة والمعلومات الكثيرة عن اللهجات الجزائرية كان ذا أهمية بليغة لكلّ المتعاملين مع الجزائريين وللدارسين للغاتهم ولهجاتهم يشترك في ذلك الأصدقاء والأعداء
ب. أهميته العلمية غير المتعلقة بفترة محدّدة
ü أهميته في الدراسات التاريخية :يعتبر الكتاب مصدر من المصادر التي تحدّثت عن مرحلة نهاية الحكم العثماني بالجزائر في الفترة الممتدة بين 1816م و1824م بكلّ تفصيلاتها وتعقيداتها
ü أهميته في الدراسات الاجتماعية : توسّعه في الحديث عن المجتمع الجزائري بكلّ شرائحه وإبدائه لآراء وأحكام جريئة بهذا الخصوص يستفيد منها عالم الاجتماع أيّما إفادة...
ü أهمّيته في الدراسات اللغوية واللسانية فقد أورد الكاتب قاموسا مصغّرا للهجات الجزائرية القبائلية العربية الميزابية الشاوية وحاول عقد مقارنة بينها
2) استعانة الحملة الفرنسية بكتاب شالر :
لقد أصبحت مسألة استعانة الحملة الفرنسية بكتاب شالر واعتمادها عليه في غاية التقرير والتحقيق ولبيان ذلك والتأكدّ منه نعرض النقاط التالية :
أ. الذي تولى ترجمة الكتاب هو المترجم الخاص بالملك ولا يستبعد أن يكون فعل ذلك بأمرٍ منه بل هذا هو الراجح لأنّه إنما يعمل ويترجم تحت إمرته
ب. مترجم الكتاب شارك في الحملة الفرنسية ولا يزال الغموض يكتنف مهمته فيها هل شارك كمستشار ككاتب كمترجم كمساعد ...لكن المؤكد أنّه شارك وبفعالية كبيرة استحقّ على إثرها وسام الشرف الملكي ومن مظاهر هذه المشاركة كتابه عن حادثة السفينة لابروفانس la Provence
ج. تصريح المترجم في زياداته على أصل الكتاب سواء في المقدمة أو التعليقات بهذه الاستفادة والاستعانة حيث يقول في المقدمة : "إنّ ما ذكره الكاتب عن موقع الجزائر ومساحاتها وتحصيناتها وضواحيها بدقّة متناهية سيكون بدون شكّ في غاية الفائدة في إدارة العمليات العسكرية على الجزائر..."[2] ويقول كذلك في ختام مقدمته : "أياما قلائل وسيثبت نجاح حملة الملك التي كلّف بها ضباطنا الأكفّاء وجنودنا البواسل الشجعان صدق تنبآت القنصل الأمريكي ..." في تعليقه على معجم كلمات اللهجات المحلية ذكر أنّه سارع إلى ترجمة هذا الكتاب ليخرج في الوقت المناسب بتلبية حاجيات القراء عموما وأفراد الحملة الفرنسية على وجه الخصوص[3]
د. اعتماد الحملة الفرنسية خطّة القنصل الأمريكي بحذافيرها بدايةً من وقت النزول ومكانه وطريقته وكلّ ما جاء في كتابه ...
ما ينبغي تسجيله في هذا المقام أنّ فرنسا استعانت بجواسيس عدّة وفي حقب تاريخية مختلفة من أجل احتلال الجزائر لعل من أشهرهم الضابط بوتان[4] ولكن ما قدّمه القنصل الأمريكي للحملة الفرنسية أكبر وأهمّ بكثير ممّا قدمه هذا الجاسوس لأسباب عدّة أهمّها ما يلي:
ü قِدَمُ معلومات بوتان جمعها سنة 1808 بأمرٍ من نابليون بونابرت حيث وصل إلى مدينة الجزائر يوم 24 ماي 1808م و توفي سنة 1815م أي قبل الاحتلال بخمس سنوات ومعلوماته مرّ عليها ما يقارب 22سنة وهي مدّة زمنية مهمّة يمكن أن تتغير فيها معالم المدينة كلّها فضلا عن تحصيناتها العسكرية ...بينما معلومات القنصل شالر جديدة ومتأخرة عن معلومات بوتان حيث تعود إلى 1824م
ü معلومات بوتان على دقّتها لا ترقى إلى سعة ودقّة معلومات القنصل شالر فكلّ ما ذكره بوتان بعد أن نزل مدينة الجزائر يوم 24 ماي 1808م وزار المدينة وطاف بضواحيها شرقا وغربا واطّلع على تحصيناتها وقوّة حاميتها أنّه ينبغي أن لا يزيد جيش الحملة على 40ألف جندي وأن تتمّ بين 10ماي و10جوان وأن لا تستغرق أكثر من شهر وبيّن ضعف الجهة الغربية للعاصمة بالمقارنة مع جهتها الشرقية الشيء الذي كان ظاهرا للعيان ...بينما معلومات شالر وأدقّ وأوسع وأعمق والحملة الفرنسية سنة 1830م جاءت مقاربة لمعلومات بوتان ولكنّها مطابقة لمعلومات شالر ...
ü معلومات بوتان لم تكتب في عين المكان بل هي ما حفظه هذا الضابط من مذكراته وتدويناته التي أضاعها نتيجة خوفه من أن تقع بين يدي الإنجليز في حملة تفتيش تعرّضت لها السفينة التي كانت تقلّه إلى فرنسا قادمة من الجزائر حتى أنّ بعض المصادر تذكر أنّه اضطرّ إلى أكلها ...بينما معلومات القنصل شالر أوثق فهو كتبها في عين المكان وحافظ عليها من يوم الكتابة والتدوين إلى وقت الطباعة والنشر...
ü إنّ كتابة ضابط ومهندس عسكري مهما علت مرتبته واتّسعت تجربته كبوتان لن ترتقي أبداً إلى كتابة رجل يجمع بين صفات وميزات وخصائص عدّة فهو قنصل دبلوماسي مشهور وهو رجل فكر وأكاديمي معروف وهو كاتب صحفي ومحقق متعدد المصادر وهو بحار رحالة طبوغرافي ذو تجربة واسعة ...فلا بدّ وأن تكتسي كتابة مثل هذا الرجل شيئا من التزكية والاعتماد والتوثيق وهذا ما صرّح به المترجم بيانشي في مقدمته ...
ü القنصل شالر يصرّح في غير مبالاة بالأعراف الدبلوماسية بأنّه لا ينبغي الاقتصار على مهاجمة الإيالة من عرض البحر ثمّ العودة إلى القواعد كما فعلت الحملات السابقة كما لا ينبغي النزول للبرّ الجزائري نزولاً مؤقّتاً ...بل ينبغي احتلال الجزائر وطرد الترك وجيشهم الانكشاري منها وإقامة دولة غربية مسيحية مكانتها وبدلها... وهذا ما لم يجرأ على التصريح به أحد بما في ذلك جواسيس فرنسا أنفسهم...
[1] راجع مقدمة بيانشي على الترجمة الفرنسية للكتاب ص 1 , 2
[2] ص4 من الترجمة الفرنسية للكتاب
[3] هامش الصفحة 220 من المرجع السابق
[4] لفرنسا جواسيسر كُثر منهم كذلك تونير و فيما بعد ليون روش وغيرهم لكن أشهرهم وأكثرهم ذكرا في المصادر التاريخية هو بوتان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثالث : تحليل وتوصيف القنصل وليام شالر للجزائر بلدا حكومة وشعبا
1) بين يدي تحليل شالر : تحليل القنصل وليام شالر عبارة عن وصف دقيق لجميع مناحي حياة المجتمع الجزائري خلال تلك الفترة من الزمن ... نعم لا يخلو هذا الوصف من كثير من الأحكام الذوقية والاستعلائية غير الموضوعية التي لا تخفى على متأمّل والتي سنفرد لها مبحثا خاصّاً ...لكن مع ذلك كلّه فإنّ تحليله للمجتمع الجزائري ووصفه الدقيق والعميق يبقى ذا فائدة عظيمة ومصدرا مهمّاً للوقوف على أوضاع الجزائر وحالتها في بداية القرن التاسع عشر ...
وإذا كانت معلومات الكاتب وتوصيفه للجزائر جاء متفرقاً في بطون فصول الكتاب السبعة وفي لواحقه ...بشكل يحتاج إلى كثير من التنظيم والترتيب فهو كثيرا ما يشرع في موضوع محدّد كحديثه عن الطوائف السكانية والبنية الاجتماعية للجزائر ثمّ ينصرف عنه إلى موضوع آخر ليعود إلى ذات الموضوع الأوّل في فصل آخر غير الفصل المخصّص له ... ولعلّ المتأمّل في أسباب استطرادات الكاتب وعدم ترتيب وتنظيم معلوماته يتأكّد أنّ هدفه الاستعماري وكيده بالجزائر وبغضه لنظامها وحكومتها هو السبب الأوّل والأهمّ لهذه الفوضى الموجودة في الكتاب... فهو كما تراه في مواطن عدّة من كتابه يشرع في موضوع اجتماعي أو اقتصادي أو لغوي ... ولكن بمجرد أن ترِدَ منه إشارة للأسطول الجزائري أو لجيشها أو لحكومة الداي إلاّ وانساق وراءها يسبّ ويشتم ويخطط ويدعو ...ويكتبُ كلّ ما يجول في خاطره ممّا تمليه عليه عقيدته الصليبية وعقليته الاستعمارية .
لهذا السبب سنعيد عرض تحليله للجزائر وتوصيفه لها في شكل فصول ومباحث جديدة من شأنها أن تسهّل علينا الإلمام بنظرة القنصل للأمة الجزائرية ...
2) الجانب الجغرافي : المقصود به حدود الجزائر طبوغرافيتها تضاريسها مناخها أقاليمها ومدنها كما يراها القنصل الأمريكي :
أ. حدود الجزائر [1]:
يبدو أنّ القنصل بحكم احترافه للبحرية كان ذا دراية واسعة بالجانب الفلكي والطبوغرافي فهو في كتابه هذا يعطي معلومات في غاية الدقّة والتحقيق لا تختلف كثيرا عن المعلومات المعاصرة إلاّ شيئا بسيطا لا يؤثر في مصداقيتها وأهمّيتها... والملاحظات التي يمكننا تسجيلها فيما يخصّ حدود الجزائر قوله أنّ الصحراء الكبرى هي التي تحدّها من جهة الجنوب , يستفاد من قوله هذا أنّ الحكم العثماني لم يشمل المناطق الصحراوية الداخلية بل كانت مستقلة تمام الاستقلال وقد صرّح له بذلك بعض من لقيهم من بني ميزاب وقالوا أنّهم لم يخضعوا أبدا طوال تاريخهم لأيّ دولة من الدول بل ولم يدخلوا في نزاع خارجي قطّ[2] كما يستفاد من عدم تحديده الدقيق لهذه الحدود كما فعل مع الجهة الغربية والشرقية والشمالية أنّها غير مستقرة فهي تتغير بتغير ولاءات القبائل الداخلية كما أنّ جهل القنصل بطبيعة هذه المناطق الداخلية جعله يطلق هذا الحكم العام غير المفصّل ... وفي هذا الشأن يقول الكاتب[3]:«... ومع ذلك , يمكننا أن نلاحظ أنّ الحدود الصحراوية لا تتجه في خطّ مستقيم , حيث أنّ هذه الحدود التي تتخلّلها جبال ومستنقعات وسهول خصبة , هي التي تسمى على خرائط إفريقيا ببلاد الجريد , وهذه الأراضي يحيط بها الغموض ولا يمكن الحديث عنها قبل أن تستكشف يصورة أفضل. لقد قمت بتحقيق في الموضوع مع عدد من الأهالي المسافرين جعلني أفترض أنّ باد الجريد واسعة , ولكنه نظرا لأنّ حدودها لم ترسم بوضوح , فأنا لا أريد أن أدخل في نقاش وأعرض نتائج تتعارض مع ما ذكره المسافرون والرحالون الموثوق بهم .» الملاحظة الثانية أنّ الحدود الغربية والشرقية كانت أوسع ممّا هي عليه اليوم «...فهي تقع عند مكان يسمى (طونت) على مسافة نحو أربعين ميلا من نهر ملوية الكبير , 16 دقيقة من خطّ طول غربي خطّ طول غرينتش ... »[4] أما من جهة الشرق فهي تمتد إلى مدينة طبرقة فالزعم أنّ فرنسا قد وسّعت من حدود الجزائر وأخذت شيئا من الأراضي التونسية والمغربية غير صحيح بل الصواب أنّ حدود الجزائر تقلّصت خلال فترة الاستعمار الفرنسي...
أ. مساحة الجزائر : استعان الكاتب في تحديد مساحة الجزائر إضافة لمعلوماته الخاصة بما ذكره الدكتور شاو حيث يقول[5]: «... والدكتور شاو الذي يعرف هذا الموضوع أكثر من أيّ جغرافي آخر , يعتقد أنّ عرض المملكة في ناحية[6] تلمسان لا يتجاوز 40 ميلا[7] ومن مدينة الجزائر لا يتجاوز 60 ميلا وأنّ متوسط 60 ميلا[8] يمثل عرض المملكة انطلاقا من البحر الأبيض المتوسط حتى الصحراء , وهذا الامتداد يمثل ما يسميه العرب بالتلّ أو الأراضي القابلة للزراعة التي لا تقطعها الصحراء... » ويقول أيضا عن المسافة بين غرب الجزائر وشرقه في الشمال[9] : «ومن هنا [أي من منطقة طونت 16 دقيقة غرب غرينتش ما يمثل الحدود الغربية للجزائر] فإنّ المسافة حتى طبرقة التي تقع عند مصب نهر صغير عند 90 درجة و16 دقيقة طول شرقي تبلغ حوالي 500 ميل[10]» ثمّ يقول مستنتجا «وطبقا لهذه المعلومات , إذاً , تبلغ مساحة مملكة الجزائر حوالي 30 ألف ميل مربّع[11]...» والمقصود هنا مساحة شمال الجزائر فقط ...
ب. تضاريس الجزائر : لم يتوسع كثيرا في بيان ووصف تضاريس الجزائر ولعلّ السبب يرجع إلى كون القنصل شالر رغم طول مدّة مكوثه في الجزائر إلاّ أنّه لم يكن يتنقل خارج الجزائر العاصمة ولم يزر المناطق الداخلية ... يقول عن هذه التضاريس:[12] «...والبلاد جبلية حيث تخترقها سلسلة جبال الأطلس التي تمتدّ من الغرب إلى الشرق , والتي تشكّل ألوانا مختلفة من التشكيلات الجبلية والأودية , والأهالي يؤكدون أنّ جميع هذه الجبال تعلوها الغابات وأنّ قممها مأهولة بالسكان من (القبائل) الذين يجدون فيها مراتع وافية تكفي لرعي قطعانهم وأراضي وراعية محدودة تفي بحاجاتهم ...» وعن الأنهار والوديان يقول [13]: «... وإذا كانت مملكة الجزائر تحتوي على ينابيع وجداول وفيرة للمياه الغزيرة و فإنّها لا تملك أنهارا ذات أهمية تذكر. ونهر الشلف هو أعظم أنهار البلد , ومنابعه تقع في الصحراء في جنوب ولاية تيطري ومجرى النهر يقترب من مدينة الجزائر حتى يمر على مسافة نحو خمسين ميلا منها , ثم يعرج في اتجاه الغرب ليجري في اتجاه ليجري في اتجاه شبه مواز لخط الشاطئ وينصب في البحر الأبيض المتوسط عند درجة 1,20 من الطول الشرقي على مسافة نحو ثلاثين ميلا غربي رأس تنس . وهذا النهر يرجح أن يكون قابلا للملاحة في بعض المناطق في أعاليه وفي مواسم الأمطار ترتفع مياه شلف وتطغى على جنباته لتغرق مساحات معتبرة من الأراضي المجاورة ويصبح عقبة كبيرة في طريق المواصلات بين الجزائر ووهران. وفيما عدا نهر شلف لا يوجد نهر يستحق الذكر , ولو أنه توجد أنهار صغيرة وجداول من الطول بحيث أنها تبلغ البحر .»
ج. مناخ الجزائر : يقول واصفا مناخ الجزائر[14] : «والمناطق المأهولة من هذه البلاد الممتازة تمتد بين الدرجة الرابعة والثلاثين والدرجة السابعة والثلاثين عرض شمالي , وتتمتع بجو صحي ومناخ معتدل مريح , ليس بشديد الحرارة في الصيف ولا بقارس البرد في الشتاء . على أنه تستثنى من هذه القاعدة الرياح الجنوبية التي تهبّ بين الحين والحين وتدوم أحيانا أربعة أو خمسة أيام في منتصف الصيف , وحينئذ ترتفع درجة الحرارة لتبلغ الأوقات 108 درجة فهرنهايت[15] . وفي غضون الفترة بين شهري أبريل وسبتمبر تهبّ الرياح عادة في اتجاه الشرق وهي تكون مثقلة بالرطوبة ولكنها لا تحمل أمطارا وفي غضون الفترة الباقية من السنة تهب الرياح عادة في اتجاه الغرب. وموسم الأمطار في المملكة يمتدّ من نوفمبر حتى أبريل ويحدث أن تكون الأمطار غزيرة في شهري نوفمبر وديسمبر وفي يناير وفبراير ويكون الطقس جميلا معظم الوقت . وأما كميات الأمطار التي تنزل سنويا فهي تتراوح بين 24 و 28 بوصة[16]»
الينابيع والمياه المعدنية : خصّ لها جزءا من كتابه حيث يقول:[17] «...وكذلك يوجد في الجزائر عدد من ينابيع المياه المعدنية والينابيع الملحة . » ثمّ ساق وصفا عجيبا لحمام ريغة نقله عن الرحالة الدكتور شاو: «...يقع بين الشلف والبحر على مسافة نحو 60 ميلا في غرب الجزائر . وهذا الحوض الذي يكثر الإقبال عليه , يمتد على 12 قدما مربع [18] ويبلغ عمقه أربعة أقدام , ولمياهه درجة من الحرارة محتملة , وبعدما تخرج هذه المياه من الحوض الأوّل , تجري لتملأ الحوض الثاني الذي هو أصغر من الأوّل , وفي هذا الحوض الصغير يستحم اليهود الذين لا يحقّ لهم الاختلاط بالمسلمين . وفي العهد الغابر كان يقف مبنى أنيق يرتفع فوق الحمام ويمتد ممرات مفروشة بالحجر حول الحمام نفسه . ولكن الحمام في الوقت الحاضر يقع في الهواء الطلق , وفي الوقت الذي زرته فيه كان مغطى بالإحجار والفضلات . وفي فصل الربيع الذي هو الفصل الذي يقصد فيه الناس الحمامات المعدنية يأتي جمهور غفير إلى الحمام ويقال إنّ مياهه تشفي من الروماتيزم البرقان وغير ذلك من الأمراض المزمنة »وإذا كانت معلومات الكاتب وتوصيفه للجزائر جاء متفرقاً في بطون فصول الكتاب السبعة وفي لواحقه ...بشكل يحتاج إلى كثير من التنظيم والترتيب فهو كثيرا ما يشرع في موضوع محدّد كحديثه عن الطوائف السكانية والبنية الاجتماعية للجزائر ثمّ ينصرف عنه إلى موضوع آخر ليعود إلى ذات الموضوع الأوّل في فصل آخر غير الفصل المخصّص له ... ولعلّ المتأمّل في أسباب استطرادات الكاتب وعدم ترتيب وتنظيم معلوماته يتأكّد أنّ هدفه الاستعماري وكيده بالجزائر وبغضه لنظامها وحكومتها هو السبب الأوّل والأهمّ لهذه الفوضى الموجودة في الكتاب... فهو كما تراه في مواطن عدّة من كتابه يشرع في موضوع اجتماعي أو اقتصادي أو لغوي ... ولكن بمجرد أن ترِدَ منه إشارة للأسطول الجزائري أو لجيشها أو لحكومة الداي إلاّ وانساق وراءها يسبّ ويشتم ويخطط ويدعو ...ويكتبُ كلّ ما يجول في خاطره ممّا تمليه عليه عقيدته الصليبية وعقليته الاستعمارية .
لهذا السبب سنعيد عرض تحليله للجزائر وتوصيفه لها في شكل فصول ومباحث جديدة من شأنها أن تسهّل علينا الإلمام بنظرة القنصل للأمة الجزائرية ...
2) الجانب الجغرافي : المقصود به حدود الجزائر طبوغرافيتها تضاريسها مناخها أقاليمها ومدنها كما يراها القنصل الأمريكي :
أ. حدود الجزائر [1]:
يبدو أنّ القنصل بحكم احترافه للبحرية كان ذا دراية واسعة بالجانب الفلكي والطبوغرافي فهو في كتابه هذا يعطي معلومات في غاية الدقّة والتحقيق لا تختلف كثيرا عن المعلومات المعاصرة إلاّ شيئا بسيطا لا يؤثر في مصداقيتها وأهمّيتها... والملاحظات التي يمكننا تسجيلها فيما يخصّ حدود الجزائر قوله أنّ الصحراء الكبرى هي التي تحدّها من جهة الجنوب , يستفاد من قوله هذا أنّ الحكم العثماني لم يشمل المناطق الصحراوية الداخلية بل كانت مستقلة تمام الاستقلال وقد صرّح له بذلك بعض من لقيهم من بني ميزاب وقالوا أنّهم لم يخضعوا أبدا طوال تاريخهم لأيّ دولة من الدول بل ولم يدخلوا في نزاع خارجي قطّ[2] كما يستفاد من عدم تحديده الدقيق لهذه الحدود كما فعل مع الجهة الغربية والشرقية والشمالية أنّها غير مستقرة فهي تتغير بتغير ولاءات القبائل الداخلية كما أنّ جهل القنصل بطبيعة هذه المناطق الداخلية جعله يطلق هذا الحكم العام غير المفصّل ... وفي هذا الشأن يقول الكاتب[3]:«... ومع ذلك , يمكننا أن نلاحظ أنّ الحدود الصحراوية لا تتجه في خطّ مستقيم , حيث أنّ هذه الحدود التي تتخلّلها جبال ومستنقعات وسهول خصبة , هي التي تسمى على خرائط إفريقيا ببلاد الجريد , وهذه الأراضي يحيط بها الغموض ولا يمكن الحديث عنها قبل أن تستكشف يصورة أفضل. لقد قمت بتحقيق في الموضوع مع عدد من الأهالي المسافرين جعلني أفترض أنّ باد الجريد واسعة , ولكنه نظرا لأنّ حدودها لم ترسم بوضوح , فأنا لا أريد أن أدخل في نقاش وأعرض نتائج تتعارض مع ما ذكره المسافرون والرحالون الموثوق بهم .» الملاحظة الثانية أنّ الحدود الغربية والشرقية كانت أوسع ممّا هي عليه اليوم «...فهي تقع عند مكان يسمى (طونت) على مسافة نحو أربعين ميلا من نهر ملوية الكبير , 16 دقيقة من خطّ طول غربي خطّ طول غرينتش ... »[4] أما من جهة الشرق فهي تمتد إلى مدينة طبرقة فالزعم أنّ فرنسا قد وسّعت من حدود الجزائر وأخذت شيئا من الأراضي التونسية والمغربية غير صحيح بل الصواب أنّ حدود الجزائر تقلّصت خلال فترة الاستعمار الفرنسي...
أ. مساحة الجزائر : استعان الكاتب في تحديد مساحة الجزائر إضافة لمعلوماته الخاصة بما ذكره الدكتور شاو حيث يقول[5]: «... والدكتور شاو الذي يعرف هذا الموضوع أكثر من أيّ جغرافي آخر , يعتقد أنّ عرض المملكة في ناحية[6] تلمسان لا يتجاوز 40 ميلا[7] ومن مدينة الجزائر لا يتجاوز 60 ميلا وأنّ متوسط 60 ميلا[8] يمثل عرض المملكة انطلاقا من البحر الأبيض المتوسط حتى الصحراء , وهذا الامتداد يمثل ما يسميه العرب بالتلّ أو الأراضي القابلة للزراعة التي لا تقطعها الصحراء... » ويقول أيضا عن المسافة بين غرب الجزائر وشرقه في الشمال[9] : «ومن هنا [أي من منطقة طونت 16 دقيقة غرب غرينتش ما يمثل الحدود الغربية للجزائر] فإنّ المسافة حتى طبرقة التي تقع عند مصب نهر صغير عند 90 درجة و16 دقيقة طول شرقي تبلغ حوالي 500 ميل[10]» ثمّ يقول مستنتجا «وطبقا لهذه المعلومات , إذاً , تبلغ مساحة مملكة الجزائر حوالي 30 ألف ميل مربّع[11]...» والمقصود هنا مساحة شمال الجزائر فقط ...
ب. تضاريس الجزائر : لم يتوسع كثيرا في بيان ووصف تضاريس الجزائر ولعلّ السبب يرجع إلى كون القنصل شالر رغم طول مدّة مكوثه في الجزائر إلاّ أنّه لم يكن يتنقل خارج الجزائر العاصمة ولم يزر المناطق الداخلية ... يقول عن هذه التضاريس:[12] «...والبلاد جبلية حيث تخترقها سلسلة جبال الأطلس التي تمتدّ من الغرب إلى الشرق , والتي تشكّل ألوانا مختلفة من التشكيلات الجبلية والأودية , والأهالي يؤكدون أنّ جميع هذه الجبال تعلوها الغابات وأنّ قممها مأهولة بالسكان من (القبائل) الذين يجدون فيها مراتع وافية تكفي لرعي قطعانهم وأراضي وراعية محدودة تفي بحاجاتهم ...» وعن الأنهار والوديان يقول [13]: «... وإذا كانت مملكة الجزائر تحتوي على ينابيع وجداول وفيرة للمياه الغزيرة و فإنّها لا تملك أنهارا ذات أهمية تذكر. ونهر الشلف هو أعظم أنهار البلد , ومنابعه تقع في الصحراء في جنوب ولاية تيطري ومجرى النهر يقترب من مدينة الجزائر حتى يمر على مسافة نحو خمسين ميلا منها , ثم يعرج في اتجاه الغرب ليجري في اتجاه ليجري في اتجاه شبه مواز لخط الشاطئ وينصب في البحر الأبيض المتوسط عند درجة 1,20 من الطول الشرقي على مسافة نحو ثلاثين ميلا غربي رأس تنس . وهذا النهر يرجح أن يكون قابلا للملاحة في بعض المناطق في أعاليه وفي مواسم الأمطار ترتفع مياه شلف وتطغى على جنباته لتغرق مساحات معتبرة من الأراضي المجاورة ويصبح عقبة كبيرة في طريق المواصلات بين الجزائر ووهران. وفيما عدا نهر شلف لا يوجد نهر يستحق الذكر , ولو أنه توجد أنهار صغيرة وجداول من الطول بحيث أنها تبلغ البحر .»
ج. مناخ الجزائر : يقول واصفا مناخ الجزائر[14] : «والمناطق المأهولة من هذه البلاد الممتازة تمتد بين الدرجة الرابعة والثلاثين والدرجة السابعة والثلاثين عرض شمالي , وتتمتع بجو صحي ومناخ معتدل مريح , ليس بشديد الحرارة في الصيف ولا بقارس البرد في الشتاء . على أنه تستثنى من هذه القاعدة الرياح الجنوبية التي تهبّ بين الحين والحين وتدوم أحيانا أربعة أو خمسة أيام في منتصف الصيف , وحينئذ ترتفع درجة الحرارة لتبلغ الأوقات 108 درجة فهرنهايت[15] . وفي غضون الفترة بين شهري أبريل وسبتمبر تهبّ الرياح عادة في اتجاه الشرق وهي تكون مثقلة بالرطوبة ولكنها لا تحمل أمطارا وفي غضون الفترة الباقية من السنة تهب الرياح عادة في اتجاه الغرب. وموسم الأمطار في المملكة يمتدّ من نوفمبر حتى أبريل ويحدث أن تكون الأمطار غزيرة في شهري نوفمبر وديسمبر وفي يناير وفبراير ويكون الطقس جميلا معظم الوقت . وأما كميات الأمطار التي تنزل سنويا فهي تتراوح بين 24 و 28 بوصة[16]»
[1] المرجع السابق ص 27 ـ 28
[2] المرجع نفسه ص 111
[3] المرجع السابق ص 28
[4] المرجع نفسه 27
[5] المرجع نفسه 27 ـ 28
[6] في الترجمة العربية (في اتجاه تلمسان) ما يوحي أنّ هذه المسافة يقصد بها ما بين تلمسان والجزائر العاصمة والقصد المساحة الداخلية للجزائر في جهة الجنوب
[7] أي ما يعادل 64,37 كلم
[8] أي ما يعادل 96,56 كلم
[9] المرجع السابق ص27
[10] أي ما يعادل 804,672 كلم
[11] أي ما يعادل 48280,30 كلم2
[12] المرجع السابق ص28
[13] المرجع نفسه ص 31
[14] المرجع السابق ص 28 ـ 29
[15] ما يعادل 42,2 على المقياس المئوي
[16] ما يعادل 609,6 إلى 711,2
[17] المرجع السابق ص 31
[18] أي ما يعادل 3,65 م2 وعمقه حوالي : 1,21 م
[2] المرجع نفسه ص 111
[3] المرجع السابق ص 28
[4] المرجع نفسه 27
[5] المرجع نفسه 27 ـ 28
[6] في الترجمة العربية (في اتجاه تلمسان) ما يوحي أنّ هذه المسافة يقصد بها ما بين تلمسان والجزائر العاصمة والقصد المساحة الداخلية للجزائر في جهة الجنوب
[7] أي ما يعادل 64,37 كلم
[8] أي ما يعادل 96,56 كلم
[9] المرجع السابق ص27
[10] أي ما يعادل 804,672 كلم
[11] أي ما يعادل 48280,30 كلم2
[12] المرجع السابق ص28
[13] المرجع نفسه ص 31
[14] المرجع السابق ص 28 ـ 29
[15] ما يعادل 42,2 على المقياس المئوي
[16] ما يعادل 609,6 إلى 711,2
[17] المرجع السابق ص 31
[18] أي ما يعادل 3,65 م2 وعمقه حوالي : 1,21 م
أ. المدن الجزائرية : يقول في وصف هذه المدن التي لم يزرها قطّ:[1] «ومدن المملكة إذا استثنينا العاصمة ...ليست ذات أهمية » ثمّ يبدأ في تعداد هذه المدن ووصفها واحدة تلو الأخرى
ü تلمسان :[2] «فمدينة تلمسان تقع في الغرب , غير بعيد من الحدود على مسافة متساوية بين البحر والصحراء . وتلمسان كانت عاصمة المملكة في الماضي , وهي مدينة معتبرة ,فإنّ الدكتور شاو يقول أنّ سورها القديم يبلغ دوره أربعة أميال . على أنه مند حلول الأتراك في هذا البلد , أصيبت تلمسان بإهمال , وذلك على الرغم من موقعها الجغرافي الممتاز , ويفترض أنّ عدد سكانها في الوقت الحاضر يبلغ 3000 نسمة .»
ü وهران 2: «مدينة وهران تقع على مسافة 54 ميل في الشمال الشرقي من مدينة تلمسان وميناء وهران ممتاز في الفصول العادية ويمتد برزخ على مسافة خمسة أميال في الجنوب الغربي من خليج أرزيو الجميل (35,48 درجة عرض و4,40 درجة طول شرقي) وسكان مدينة وهران يبلغ عددهم في الوقت الحاضر نحو ثمانية آلاف نسمة والمدينة تمتد أحياؤها في منطقة خصبة للغاية , وإذا اعتبرنا خليجيها الجميلين وقربها من جبل طارق وإسبانيا فإنّها بدون شكّ هي المدينة المهمة الثانية في المملكة » «كان الإسبان قد أقاموا حول مدينة وهران تحصينات منتظمة , وبعد احتلال دام نحو قرن من الزمن , بموجب معاهدة صلح مع الجزائر[3] , أعادوها إلى الجزائريين وهم يأملون الحصول على فوائد , ولكن أملهم لم يتحقق قطّ .[4]»
ü مستغانم1 «وعلى مسافة بضعة أميال إلى الشرق من وهران, تقع مدينة مستغانم التي كانت مدينة مهمة جدّاً , أثناء الاختلال الإسباني لمدينة وهران ولكنّها فقدت كلّ أهميتها بعد ما استعادتها المملكة»
ü البليدة : [5]«يبلغ عدد سكانها ما يتراوح بين 8 و 10 آلاف نسمة , وهي تقع في جنوب العاصمة و وعلى الطرف الشمالي لسهول متيجة وعلى مسافة 24 ميل من مدينة الجزائر .» ذكر الكاتب في الهامش أنّ زلزالا عنيفا ضرب منطقة الجزائر والبليدة على وجه الخصوص في شهر مارس 1825م على الساعة التاسعة والنصف صباحا تلته عدّة هزات ارتدادية ... قال واصفا ما حلّ بمدينة البليدة من الدمار3 : «...وقد نجم عنها تدمير مدينة البليدة تماما بحيث لم يبق فيها منزل واحد قائما على أساس....وتدلّ تقديرات معتدلة جدّاً على أنّ عشرة آلاف نسمة قد هلكت في هذا الحادث الفظيع ...»
ü المدية :[6] «على مسيرة يوم في نفس الاتجاه تقع المدية قاعدة ولاية تيطري , وهي تشبه البليدة من حيث الأهمية والامتداد وموقع هاتين المدينتين قرب العاصمة وفي أخصب مناطق نوميديا قد جعلهما تتمتعان بوفرة ورخاء زراعي كبير »
ü قسنطينة :1 «قاعدة الولاية الشرقية هي مدينة سيرت القديمة وهي تقع على نهر يسمى الرمل على مسافة نحو أربعين ميلا من البحر (36,20 درجة عرض شمالي 6,30 درجة طول شرقي) والأهالي يذكرون أن سكان قسنطينة يبلغ حوالي 20 ألف نسمة في الوقت الحاضر. وموقع مدينة قسنطينة من أعظم المواقع التي يتصورها الإنسان ومتى أشرفت على إدارتها حكومة حكيمة , يمكن للمدينة أن تأمل في الحصول على فوائد جمة »
ü بونة[7] : «هي هيبو ريجيوس Hippo Regius القديمة وعدد سكانها في الوقت الحاضر نحو... 4000 نسمة وللمدينة ميناء مأمون (36,43 درجة عرض شمالي 8,0 درجة طول شرقي) كانت مدينة عنابة قبل الثورة الفرنسية مركزا تجاريا أهمّ من مدينة الجزائر حيث كانت محورا لجميع العمليات التجارية التي كانت تقوم بها الشركة الفرنسية الإفريقية التي أسست بموجب امتياز لاحتكار صيد المرجان الذي يستخرج من مياه هذه الشواطئ وقد منحت امتيازات أخرى كذلك وهذه الامتيازات جددت عقب عودة الملكية إلى فرنسا, ولكنه لم ينجم عنها أيّ تحسن ملحوظ في تجارة مدينة عنابة التي يضمن لها موقعها المهم تحقيق تقدم أكبر لو وجدت التجارة والزراعة أيّ تشجيع في هذا البلد .»
ü بجاية :[8] « (36,45 ع ش ـ 9,49 ط ش) تملك بجاية أعظم ميناء على هذه الشواطئ , وقد كانت في الماضي أهمّ مستودع بحري للإيالة . والمناطق المجاورة لبجاية مناطق جبلية ولكنّها تتمتع بخصب نادر لإنتاج الزيتون , ولو نالت بجاية التشجيع الذي تستحقه لأصبحت مدينة ذات تجارة واسعة مهمة , وعدد سكان بجاية في الوقت الحاضر لا يتجاوز ألفي نسمة . »
ü شرشال[9] : «مدينة شرشال Julia Caeserie البحرية التي كانت أهمّ مدن موريتانيا الرومانية وهي تقع في غرب الجزائر (2,39 ط ش) . كانت شرشال في عهد الدكتور شاو مدينة كبيرة نوعا ما ولكنها الآن فقدت كلّ أهميتها وأصبحت قيمتها لا تتجاوز كونها مركزا لصنع نوع من الفخار الرديء الذي يحمله سكانها على السفن إلى الجزائر لبيعه .»
ü يقول الكاتب عن باقي المدن الجزائرية التي لم يتعرض لذكرها وبيان ما لها من أهمية إستراتيجية أو ثروات طبيعية: [10]«...لقد قدم لنا الدكتور شاو وصفا لعدد آخر من المدن على الشواطئ وفي الداخل ولكن هذه المدن لم تتمكن من الاحتفاظ بالمزايا التي كانت لها ولذلك فأنا لم أستطع جمع أية معلومات عنها . وأنا أستنتج من ذلك أنّ تلك المدن فقدت كلّ نفوذ سياسي أو تجاري كان لها في الماضي »
مدينة الجزائر: استغرق في وصفها والحديث عنها فصلا كاملا بأكثر من ثلاثين صفحة لما لهذه المدينة من أهمية عظيمة حتى كانوا يعتبرونها عصب المملكة وأنّها متى سقطت في أيدي أمة صليبية متحضرة اتّبعتها باقي الأقاليم والمدن مطيعة أو مكرهة دون عنف أو مقاومة ... سنقتصر في هذا المبحث على نقل بعض كلامه المتعلق بالمدينة من حيث أهمّيتُها موقعها وبعض معالمها على أن نعود في مباحث أخرى لذكر الجوانب الاجتماعية والثقافية والحضارية والعقدية ...لمدينة الجزائر وسكانها. يقول الكاتب واصفا مدينة الجزائر[11]: « اسم الجزائر بالعربية معناه (جمع جزيرة في البحر) وهي تلقب بالحربية , والمدينة هي مركز الثروة والسلطة لهذه الإمبراطورية العربية ففيها توجد دور الصناعة التي تحوي (بفصل مساهمات الممالك التي تدفع الضرائب) على كلّ أنواع الذخائر العسكرية والبحرية , وآلات الحرب الضرورية للهجوم والدفاع معا وهنا يقيم وكلاء الدول الأجنبية لتقديم خنوع دولهم أو للتآمر ......يقول الدكتور شاو أنّ مدينة الجزائر تقوم في مكان إيكوسيوم Icosium القديمة (36,48 ع 3,27 ط ش) في الطرف الغربي لخليج جميل يمتدّ في شبه دائرة على مسافة 15 ميل و68 قامة[12] وله مهد جميل من الرمل الناعم. وبنفقات باهظة وأشغال جبارة أمكن وصل الجزيرة الصغيرة التي أشتق منها البلد اسمه باليابسة , وعلى الممر المرتفع على مستوى البحر ويجمع بين اليابسة والجزيرة تقوم سلسلة عظيمة القدر . وإلى جانب ذلك , يحيط بالجانب الجنوبي للجزيرة رصيف يبلغ عمق امتداده في البحر خمس قامات . والميناء مرسى مأمون من الرياح يتسع لحوالي خمسين سفينة . وجميع منافذ مدينة الجزائر تحميها تحصينات منيعة مسلحة بالمدافع الثقيلة التي تجعل كلّ محاولة مباشرة للسفن الحربية للهجوم على المدينة محاولة ميئوسا منها...ومدينة الجزائر مبنية على شاطئ البحر على قاعدة واسعة نسبيا في شكل نصف دائري على هضبة سريعة الانحدار ويبلغ قطرها نحو ميل ونصف وتحتوي على ما يتراوح بين 8 و10 آلاف منزل . وطرق المدينة ضيقة جدا وسقوف المنازل متقاربة إلى حدّ يمنع شعاع الشمس من الدخول إليها . وكذلك يمكن إقامة اتصالات بين مختلف أحياء المدينة بواسطة سطوح المنازل . وحول المدينة ترتفع أسوار تعلوها حصون وأبراج ووراء الأسوار خندق جاف . وللمدينة أربعة أبواب وليس لها ضواحي وإذا مدّدنا قليلا إلى الأمام خطيها الشمالي والجنوبي فستتخذ مع قاعدتها شكل زاوية منتظمة . والقصبة تشرف على المدينة من قمة ضيقة وتعلو أوكار المدافع المسددة إلى البحر....وإذا نظرت إلى مدينة الجزائر من البحر فستبدو لك في شكلها ولونها أشبه ما تكون بشراع سفينة ينتشر في مرج أخضر اللون والجبل المشرف عليها والأراضي المزروعة المحيط بها والتي تغطيها منازل بيضاء , وبعضها من المباني الفخمة تترك في نفسك انطباعا وأنت تقترب منها بأنّك تشاهد واحدا من أجمل ما يرى على شواطئ البحر الأبيض المتوسط....» وبعد شرح وتوسع واستطراد في وصف العاصمة يقول كالمستخلص أو كالذي يستنتج بعد طول تحليل[13]:«...ومن كلّ ما تقدم يجب أن نستخلص أنّ مدينة الجزائر تعتبر من أغنى مدن العالم بالمال . توفيت أرملة أحمد باشا[14] عن سنّ متقدمة جدا وشاع القول بأنها خلّفت تركة تبلغ عدة ملايين من الدولارات . وورثة مصطفى باشا ...يملكون في مدينة الجزائر وخارجها ثروة تقدر بنصف مليون دولار... »ü تلمسان :[2] «فمدينة تلمسان تقع في الغرب , غير بعيد من الحدود على مسافة متساوية بين البحر والصحراء . وتلمسان كانت عاصمة المملكة في الماضي , وهي مدينة معتبرة ,فإنّ الدكتور شاو يقول أنّ سورها القديم يبلغ دوره أربعة أميال . على أنه مند حلول الأتراك في هذا البلد , أصيبت تلمسان بإهمال , وذلك على الرغم من موقعها الجغرافي الممتاز , ويفترض أنّ عدد سكانها في الوقت الحاضر يبلغ 3000 نسمة .»
ü وهران 2: «مدينة وهران تقع على مسافة 54 ميل في الشمال الشرقي من مدينة تلمسان وميناء وهران ممتاز في الفصول العادية ويمتد برزخ على مسافة خمسة أميال في الجنوب الغربي من خليج أرزيو الجميل (35,48 درجة عرض و4,40 درجة طول شرقي) وسكان مدينة وهران يبلغ عددهم في الوقت الحاضر نحو ثمانية آلاف نسمة والمدينة تمتد أحياؤها في منطقة خصبة للغاية , وإذا اعتبرنا خليجيها الجميلين وقربها من جبل طارق وإسبانيا فإنّها بدون شكّ هي المدينة المهمة الثانية في المملكة » «كان الإسبان قد أقاموا حول مدينة وهران تحصينات منتظمة , وبعد احتلال دام نحو قرن من الزمن , بموجب معاهدة صلح مع الجزائر[3] , أعادوها إلى الجزائريين وهم يأملون الحصول على فوائد , ولكن أملهم لم يتحقق قطّ .[4]»
ü مستغانم1 «وعلى مسافة بضعة أميال إلى الشرق من وهران, تقع مدينة مستغانم التي كانت مدينة مهمة جدّاً , أثناء الاختلال الإسباني لمدينة وهران ولكنّها فقدت كلّ أهميتها بعد ما استعادتها المملكة»
ü البليدة : [5]«يبلغ عدد سكانها ما يتراوح بين 8 و 10 آلاف نسمة , وهي تقع في جنوب العاصمة و وعلى الطرف الشمالي لسهول متيجة وعلى مسافة 24 ميل من مدينة الجزائر .» ذكر الكاتب في الهامش أنّ زلزالا عنيفا ضرب منطقة الجزائر والبليدة على وجه الخصوص في شهر مارس 1825م على الساعة التاسعة والنصف صباحا تلته عدّة هزات ارتدادية ... قال واصفا ما حلّ بمدينة البليدة من الدمار3 : «...وقد نجم عنها تدمير مدينة البليدة تماما بحيث لم يبق فيها منزل واحد قائما على أساس....وتدلّ تقديرات معتدلة جدّاً على أنّ عشرة آلاف نسمة قد هلكت في هذا الحادث الفظيع ...»
ü المدية :[6] «على مسيرة يوم في نفس الاتجاه تقع المدية قاعدة ولاية تيطري , وهي تشبه البليدة من حيث الأهمية والامتداد وموقع هاتين المدينتين قرب العاصمة وفي أخصب مناطق نوميديا قد جعلهما تتمتعان بوفرة ورخاء زراعي كبير »
ü قسنطينة :1 «قاعدة الولاية الشرقية هي مدينة سيرت القديمة وهي تقع على نهر يسمى الرمل على مسافة نحو أربعين ميلا من البحر (36,20 درجة عرض شمالي 6,30 درجة طول شرقي) والأهالي يذكرون أن سكان قسنطينة يبلغ حوالي 20 ألف نسمة في الوقت الحاضر. وموقع مدينة قسنطينة من أعظم المواقع التي يتصورها الإنسان ومتى أشرفت على إدارتها حكومة حكيمة , يمكن للمدينة أن تأمل في الحصول على فوائد جمة »
ü بونة[7] : «هي هيبو ريجيوس Hippo Regius القديمة وعدد سكانها في الوقت الحاضر نحو... 4000 نسمة وللمدينة ميناء مأمون (36,43 درجة عرض شمالي 8,0 درجة طول شرقي) كانت مدينة عنابة قبل الثورة الفرنسية مركزا تجاريا أهمّ من مدينة الجزائر حيث كانت محورا لجميع العمليات التجارية التي كانت تقوم بها الشركة الفرنسية الإفريقية التي أسست بموجب امتياز لاحتكار صيد المرجان الذي يستخرج من مياه هذه الشواطئ وقد منحت امتيازات أخرى كذلك وهذه الامتيازات جددت عقب عودة الملكية إلى فرنسا, ولكنه لم ينجم عنها أيّ تحسن ملحوظ في تجارة مدينة عنابة التي يضمن لها موقعها المهم تحقيق تقدم أكبر لو وجدت التجارة والزراعة أيّ تشجيع في هذا البلد .»
ü بجاية :[8] « (36,45 ع ش ـ 9,49 ط ش) تملك بجاية أعظم ميناء على هذه الشواطئ , وقد كانت في الماضي أهمّ مستودع بحري للإيالة . والمناطق المجاورة لبجاية مناطق جبلية ولكنّها تتمتع بخصب نادر لإنتاج الزيتون , ولو نالت بجاية التشجيع الذي تستحقه لأصبحت مدينة ذات تجارة واسعة مهمة , وعدد سكان بجاية في الوقت الحاضر لا يتجاوز ألفي نسمة . »
ü شرشال[9] : «مدينة شرشال Julia Caeserie البحرية التي كانت أهمّ مدن موريتانيا الرومانية وهي تقع في غرب الجزائر (2,39 ط ش) . كانت شرشال في عهد الدكتور شاو مدينة كبيرة نوعا ما ولكنها الآن فقدت كلّ أهميتها وأصبحت قيمتها لا تتجاوز كونها مركزا لصنع نوع من الفخار الرديء الذي يحمله سكانها على السفن إلى الجزائر لبيعه .»
ü يقول الكاتب عن باقي المدن الجزائرية التي لم يتعرض لذكرها وبيان ما لها من أهمية إستراتيجية أو ثروات طبيعية: [10]«...لقد قدم لنا الدكتور شاو وصفا لعدد آخر من المدن على الشواطئ وفي الداخل ولكن هذه المدن لم تتمكن من الاحتفاظ بالمزايا التي كانت لها ولذلك فأنا لم أستطع جمع أية معلومات عنها . وأنا أستنتج من ذلك أنّ تلك المدن فقدت كلّ نفوذ سياسي أو تجاري كان لها في الماضي »
[1] المرجع السابق ص 34
[2] المرجع نفسه ص 35
[3] المعاهدة عقدة يوم 12 سبتمبر 1791 م وخرج الأسبان من وهران في السنة التي بعدها ودخلها الداي محمد عثمان الكبير يوم 22 فيفري 1792م ولكن ما يسميه الكاتب صلحا يوهم أنّه عطية وهبة إسبانية والحقيقة أن استرداد وهران جاء بقوة السلاح وعقيدة الجهاد لأنّ محاولات استردادها لم تتوقف قطّ ابتداء من محاولة خير الدين سنة 1557م ثمّ تواصلت المحاولات تباعا لعل من أشهرها محاولة سنة 1686م وتمكّن المسلمون من استرجاعها يوم 20 جانفي 1708 م وعاود الأسبان احتلالها سنة 1732م وتواصلت محاولات إنقاذ وهران واستردادها إلى أن اضطرّ ملك إسبانيا كارلوس الرابع إلى الاعتراف بسلطان المسلمين على وهران وتوقيع وثيقة الانسحاب منها ...
[4] المرجع السابق بنفس الصفحة
[5] المرجع نفسه ص 36
[6] المرجع السابق ص 36
[7] هكذا سماها في الأصل الإنجليزي وفي الترجمة الفرنسية أما المترجم العربي فاختار اسم عنابة
[8] المرجع السابق ص 37
[9] المرجع نفسه ص38
[10] المرجع نفسه ص 37
[11] المرجع السابق ص 72 ـ 73 ـ 74
[12] أي ما يعادل أويقارب 25 كلم
[13] المرجع السابق ص 78
[14] الداي السادس قبل آخر دايات الجزائر الداي حسين
[2] المرجع نفسه ص 35
[3] المعاهدة عقدة يوم 12 سبتمبر 1791 م وخرج الأسبان من وهران في السنة التي بعدها ودخلها الداي محمد عثمان الكبير يوم 22 فيفري 1792م ولكن ما يسميه الكاتب صلحا يوهم أنّه عطية وهبة إسبانية والحقيقة أن استرداد وهران جاء بقوة السلاح وعقيدة الجهاد لأنّ محاولات استردادها لم تتوقف قطّ ابتداء من محاولة خير الدين سنة 1557م ثمّ تواصلت المحاولات تباعا لعل من أشهرها محاولة سنة 1686م وتمكّن المسلمون من استرجاعها يوم 20 جانفي 1708 م وعاود الأسبان احتلالها سنة 1732م وتواصلت محاولات إنقاذ وهران واستردادها إلى أن اضطرّ ملك إسبانيا كارلوس الرابع إلى الاعتراف بسلطان المسلمين على وهران وتوقيع وثيقة الانسحاب منها ...
[4] المرجع السابق بنفس الصفحة
[5] المرجع نفسه ص 36
[6] المرجع السابق ص 36
[7] هكذا سماها في الأصل الإنجليزي وفي الترجمة الفرنسية أما المترجم العربي فاختار اسم عنابة
[8] المرجع السابق ص 37
[9] المرجع نفسه ص38
[10] المرجع نفسه ص 37
[11] المرجع السابق ص 72 ـ 73 ـ 74
[12] أي ما يعادل أويقارب 25 كلم
[13] المرجع السابق ص 78
[14] الداي السادس قبل آخر دايات الجزائر الداي حسين