كان للجزائر عبر العصور والأجيال – خاصة منذ أن كرمّها الله بنعمة الإسلام– تاريخ مجيد حافل، ولأعلام رجالها وأئمتها وأمرائها في الحضارة الإسلامية أثر بعيد، فهم الذين أسسوا المدن التاريخية كـ "تيهرت" "قلعـة بني حماد" "بجايـة" "تلمسان" وغيرها من الحواضر والمدن، وأنشأوا الجوامع والمساجد والرباطات والزوايا، وأقاموا دور الكتب والخزائن فأصبحت على مرّ الزمان منبعاً للعلم، ومناراً للمعارف والآداب، هوت إليها أفئدة أعلام الفقهاء والمحدثين والمفسرين والأدباء والكتاب والشعراء والمؤرخين والمتصوّفة. وتاريخ هؤلاء الأعلام من أبناء الجزائر موزّع في كتب التاريخ والتراجم والأدب والمناقب، وباستثناء القليل من هذه الأعمال، فإن الجزء الكبير منها لازال مخطوطاً يحتاج إلى تنقيب وتحقيق.
إلى جانب هذه الصعوبات، ونحن نحاول دراسة تاريخ الزاوية العدّاوية وتسليط الضوء على سيرة ومآثر مؤسسها وخلفائه، واجهتنا صعوبة حقيقية وهي قلة الآثار التي تساعد على تحقيق هذه الغاية، رغم شهرة الزاوية وسمعة رجالها وكثرة أتباعها.
ومع ذلك سنحاول من خلال هذه الأوراق التعريف بشخصية الشيخ "عدة بن محمد بن غلام الله" مؤسس الزاوية وخلفائه، ثم نعرج للحديث عن الشيخ "أبو عبد الله بن عبد القادر البوعبدلي الرزيوي"، الذي يمثل أحد منابع هذه الزاوية إلا أنه شكل مسلكًا مستقلاً عنها، وتحديدنا لإطار هذه الدراسة يعود إلى عدة اعتبارات، أهمها أن كلاهما يحملان مشروعاً تربوياً روحياً معرفياً، إضافة إلى ذلك أن المؤسس كانت له علاقة محبـة وولاء في مرحلة الجهاد مع الأمير عبد القادر - مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة- وأن الأخير كانت لـه مودة وتقدير من طرف رائد الحركة الإصلاحية، الشيخ عبد الحميد ابن باديس، ويعلم القارئ جيدا مشقة مثل هذا البحث ودقته.
إذن هي مقاربة بين مرحلتين من تاريخ الزاوية "المنبع والمسلك"مولد الشيخ ونشأته:
هو الشيخعدة بن محمد الموسوم بن غلام الله بن عبد الرحمان بن أبي القاسم بن محمد الخياط ولد سنة 1208ﻫ/1794م(1) بمنطقة تقع بضواح مدينة جديوية(2) تعرف بـ" مشتى الفقـراء"(3)، وهو سليل الشيخ " أبو عبد الله المغوفل"( ت1023ﻫ/1660م)(4)دفين حافـة "الشلف" شرق مدينـة وادي أرهيو(5).لقد أورد له الشيخ "الحاج الجيلالي بن عبد الحكم" في كتابه "المرآة الجلية" ترجمة جاء فيها أن نسبه الشريف يتصل بالشيخ المتصوّف "عبد السلام بن مشيش(6)، ليصل إلى "الإمام إدريس بن عبد الله الكامل" وصولاً إلى سيدنا الحسن بن فاطمة الزهراء بنت سيد البرية رسول الله عليه وعلى آله الصلاة السلام(7) .
ويستفاد كذلك مما أورده صاحب "السلسلة الذهبية…" أن سنده في المشيخة الصوفيّة أخذه عن الشيخ "مولاي العربي الطويل بن عطية الغماري البوعبدلي"(8) عن الشيخ مولاي العربي الدرقاوي(9)عن الشيخ "عليّ الجمل"(10) لتصل نسبة طريقته بالإمام عليّ كرم الله وجهه ورضي عنه(11) على طريقة المتصوّفة.
كان والده حريصاً على تعليمه كل الحرص، فعليه تعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم وجهه إلى معلم الصبيان الشيخ "الجيلالي بن المولود البوعبدلي" الذي ضبط عليه القرآن بأحرفه السبع، وبعد فترة زمنية من التحصيل العلمي والتربوي انتقل إلى قرية "الدبة" بالقلعة والتي كانت محجة للعلم في المنطقة، فتعلم على يد شيوخها ما تيسر له من العلوم الشّرعية، وكان أبرز هؤلاء الشيوخ الحاج بن حمّو وابنه أحمد بن حمّو.
كما يشير الشيخ إلى مرضٍ ألم به وكاد أن يفتك به لولا رعاية الله سبحانه وتعالى وفي هذا يقول:" إني مرضت حتى كاد الأبوين أبي الموسوم وجدي غلام الله رحمهما الله في اليأس من الحياة وقدم عندنا للبيت الشيخ بلمهل المازوني الساكن في بوعلوفة أستاذ الأبوين...[ بعد أن أكرمه الجد غلام الله ] قال له أيها الشيخ ما عند الموسومولد إلا هذا الولد هو الذي ننظر إليه يعمر، أدع الله له بالشفاء وأن يكون عالما وليا وإلا فيموت هكذا صغيرا أولى، فضحك الشيخ حتى حضرته الدموع وهو يقول سبحان الله هكذا تكون الرجال، إن لم يكن الولد عالما فموته أولى، فقال له الجد نعم، فنطق الشيخ ووضع يده على رأسي وقال إن قرأ فهو عالم..." (12)
تحصيلـه العلمي ومسلكه في التصوّف :
بعد إتمامه للدراسة في زاوية والده انتقل الشيخ إلى مدينة مازونـة ليتابع تعليمه ابتداء من سنة 1227ﻫ/1812م، وفيها تلقى العلم بمختلف فنونـه، على يد علمائها، ومن أشهرهم الشيخ الجليل "محمد أبو طالب المازوني"(13) والشيخ "محمد بومهدي المازوني" والشيخ "السي التهامي المازوني" حتى اشتد عوده، وبعدها تولى التدريس والإمامـة بزاوية أبيـه.
وكان في أول أمره على الطريقـة الرحمانيـة(14) التي تلقاها في صغره عن أبيه الشيخ محمد الموسوم (15) بعدها أخذ من الطريقـة القادريـة(16) على الشيخ "عبد القادر بلحول" صاحب زاوية "وادي الخير" ثم استهوتـه الطريقـة الطيبيـة الوزانيـة(17) التي أخذها من شيخه "محمد بن عبد الرحمان"بزاوية مولاي الطيب، كما أخذها عن الشيخ الجليل "مولاي العربي العمّاري البوعبدلي" سنة 1249ﻫ/1833م(18)، ثم أخذ عليه كذلك الطريقة الشاذلية بالمشابكة"(19) أثناء وجوده ببلاد القبائل بقرية "بني راتن" إلى أن اتصل أخيراً بالشيخ "الحاج مولاي العربي الطويـل البوعبدلي"،(وهذا ما جعله يقيم في حضـرة أولاد "لكـرد" بمنطقة سيـدي الحسني – ولاية تيارت)(20).
مواقف الشيخ ونضالـه:
عاش الشيخ فترة تاريخية حرجة تميزت بالاضطرابات من جميع النواحي وكثرت فيها أطماع القوى الاستعمارية الأوروبية لتوسيع مناطق نفوذها عبر العالم، وخاصـة الفترة التي أعقبت دخول الاستعمار الفرنسي للجزائر(21)، وكان الشيخ معاصراً للأمير عبد القادر بن محي الدين (1808-1883م)، والذي وجد فيه حليفاً حقيقياً، أهله لذلك ما عرف به من فقه وعدل ونزاهة واستقامة، وقبول لدى العامة والخاصة، فكلفه بتولي خطة القضاء على "وادي مينا" و"الظهرة " إلى "واد سلي" بالشلف، إضافة إلى الإشراف على جمع أموال الزكاة من سكان منطقته من أجل تدعيم المقاومة ضد المحتلين، وكان عمره إذ ذاك أربعون (40) سنة(22) ورغم تدهور الأحوال الأمنيـة في البلاد إلا أن الشيخ حرص للقيام بهذا الواجب.وفي سنة 1257ﻫ/1841م ارتحل الشيخ إلى قرية الحمايديةقرب عمي موسى ولاية غليزان واستقر بها إلى سنة 1258ﻫ/1842م.
التفرغ لمجال التربية والإرشاد:
بعد فترة قصيرة ترك الشيخ القضاء، ليتفرغ للعبادة والتربية والإرشاد، وفي سنة (1260ﻫ/1844م) شيد زاويتـه بإذن شيخه "مولاي العربي بن عطية الطويل"، وهي الزاوية المشهورة إلى اليوم في جبل "محنون" وبنى مسجداً عرف "بالمسجد الأبيض" إلى جانب مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، ومأوى للفقراء والضيوف وعابري السبيل، فانتفع بعلمه وسلوكه خلقٌ كبير، وانتشرت طريقتـه من قصر البخاري شرقاً إلى ثنية الأحد والعطاف وسطاً، وغرباً مستغانم ومعسكر وغيرها. وسماها: الطريقـة الشاذلية الدرقاوية البوعبدلية(23)
مناقبـه ووفاتـه:
اشتهر الشيخ بكرمه وسخائه، وكان فقيهاً ومفسراً ومقرئاً ومتصوّفاً، وكان في زمانه معلماً ومرشداً ناصحاً لأهل بلدته بالتمسك بتعاليم الإسلام، فكان لا يطأ مكاناً إلا وبث فيه من أخلاقه الزكية كما ألف العديد من الرسائل في التصوّف وشرح الأحاديث والأدعية والأوراد تزيد على الخمسين (50) بين كتاب ورسالة(24). توفي رحمه الله في ليلة الاثنين الخامس من شهر جمادى الثانية سنة 1283ﻫ /1866م، عن عمر يناهز خمساً وسبعين سنة، ودفن بإشارة منه في الأرض المعروفة بظهر "سيدي يحي" في القبيلة "الكَرْدِيَةُ" في ولاية تيارت بالمقبرة المسماة: مقبرة سيدي محمد بن سماك(25)، وبنيت عليه قبة وقبره ومقامه مشهوران يزاران ويُتَبَرَكْ بهما. وعلى الرغـم من مصائب الزمـان، وصعوبـة الحياة تحت وطأة المحتل، قام أبناؤه وأتباعه بتبليغ طريقته، وقد عرف هؤلاء الشيوخ بالصلاح والعلم والكرم، ومن أشهر تلاميذه وأتباعه نذكر: الشيخ "محمد الميسـوم" صاحب زاوية قصر البخاري، والشيخ "بن عبد الله الحسني المعسكري" صاحب زاويـة معسكر، والشيخ "محمد بن أحمد" الملقب "بوتشنت" (أبو تاشفين) (1820-1899م) صاحب زاوية ثنيـة الأحد، والشيخ الجليل "محمد بن قدور شرقي" صاحب زاوية العطاف(26).
خلفاء الشيخ عدة بن غلام الله :
بعد وفاته خلفه على رأس الزاوية ابنه الشيخ " الحاج أحمد" (1850-1902م)، وتذكر المصادر على أن هذا الأخير لقي صعوبة كبيرة في تسيير شؤون الزاوية بسبب صغر سنـه، فساعده على القيام بهذه المهمة أخوه من أمه "الشيخ مصطفي بن شملة"(27) الذي عمل على جمع شمل الناس بتنظيمه لحلقات الذكر وتحفيظ القرآن الكريم ودروس لتعليم اللغة وعلومها، والشّريعة ومقاصدها، كما كان له فضل في الدفاع عن مقومات الشخصية الجزائريـة في مواجهة المحتل الغاشم، واستمرار الزاوية في القيام بمهامها، رغم صعوبة الظروف المادية والسيّاسية، توفي رحمه الله سنة 1320ﻫ/1902م.
الشيـخ محمد بن الحاج محمد الكبير بن عدة (1297ﻫ/1880م 1361ﻫ/1942م):
تولى رئاسـة الزاوية بعد وفاة عمه "الحاج أحمد"، وفي عهده عرفت الزاوية تطوراً كبيراً حيث زاد في توسيعها ليمكنها من استيعاب الوافدين عليها من المريدين وطلبة العلم، فألحقت بالزاوية مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، وأخرى لتعليم العربية وعلومها والفقه وباقي العلوم الشّرعية، كما شيد مسجداً أخر بمدينة تيارت، وفي فترة رئاسته زاد انتشار أتباع الزاوية في كل من تيارت وغليزان ومنطقـة جديويـة، وقد عرف هذا الشيخ بحبه للعلم وقربه من أهله، ولذلك أثنى عليه وزكى علمه وتقواه الكثير. أمثال: الشيخ " أمحمد بن عشيط المجاجي الزياني" (ت1350ﻫ/1931م) والشيخ "محمد بن الطاهر الخويدمي" اللذان تخرجا من جامع الأزهر، وقد استعان بهما الشيخ في التربية والتعليم، كما اختاره أهالي تيارت نائبا عنهم في مجلس النيابة العامة الذي كان يعقد في الجزائر العاصمة، وسبق له وأن ترأس جمعيات دينية، وبهذا وغيره وضع الشيخ نفسه في خدمة المجتمع والدِّين، لاسيما في الدفاع عن حقوق المواطنين التي تميزهم عن المعمرين، رافضاً بذلك كل أفكار الإدماج(28) وتوفي رحمه الله سنة (1361ﻫ/1942م).
الشيخ الحاج محمد (1894-1950)
تولى رئاسـة الزاويـة بعد وفاة الشيخ محمد، أخوه من أمـه وابن عمه، كان الشيخ عالماً جليلاً، سير المؤسسة في ظروف مادية واجتماعية صعبة غداة أحداث ماي 1945م، تميزت بشدة وطأة الاستعمار وتضييق الخناق على الجزائريين، إلى جانب انفراط عقد العائلة، ورغم ذلك فإنه تولى مهمة تعليم أتباعه ومريديه شخصياً، وواصل إنشاء دور تعليم القرآن، وفتح صلاة الجمعة في مسجد الزاوية في مدينة تيارت سنة 1947م، كما رأس الجمعية الدِّينية في مدينه، توفي رحمه الله عام 1950م(29).
الشيخ الحاج غلام الله (1910-1986)
تولى رئاسـة الزاويـة بعد وفاة عمه "الحاج محمد"، كان محباً للعلم وأهله، وقد تولى الإمامة والإفتاء في مسجد الزاوية منذ فترة مبكرة من حياته، وفي عهد رئاسته حرص على استمرار قيام الزاوية بمهامها الرّوحية والمعرفية.
وخلال الثورة التحريرية تولى رحمه الله القيام بالإفتاء الشّرعي وإصلاح ذات البين بين الجزائريين بتكليف من جبهة وجيش التحرير الوطني، كما لعبت الزاوية في عهده دورا كبيرا في جمع التبرعات والإعانات نصرة للثورة، وشكلت كذلك مقراً لاجتماع مسئوليها(30).
الحاج الشيـخ (1927-1987م)
تولى رئاسة الزاوية بعد وفاة ابن عمه "الحاج غلام الله" وكان رحمه الله حريصاً على استمرار مشروع الزاوية العلمي والتربوي على مسلك أسلافه، إلا أن الموت عاجله في حادث مرور سنة 1987م.
ويشرف على الزاوية اليوم الدكتور "أبو عبد الله غلام الله" والذي هو وزير الشؤون الدِّينية والأوقاف الحالي، يقوم بجمع المريدين مرتين في السنة(31).
الشيخ العلامة الجليل " أبو عبد الله بن عبد القادر بن محمد البوعبدلي الرزيوي: (صاحب زاوية بطيـوة)
يتصل نسب هذا الشيخ بالجد الأكبر أبو عبد الله المغوفل دفين حافة شلف شرق مدينة وادي أرهيو(32).
يذكر الشيخ المهدي ابن صاحب الترجمة أن جد والده هاجر في شبابه الباكر إلى ناحية ندرومة حيث ولد الشيخ أبو عبد الله، ولما قوي عوده يمّم شطر المغرب الأقصى طلباً للعلم، وبعد أن أتم له ما أراد قفل الشيخ راجعاً إلى وطنه، واستطاب له المقام في تلمسان، فكان يحرص على حضور دروس الشيخ الفقيه: "الحرشاوي"، كما تتلمذ على الشيخ "أبو بكر شعيب" قاضي تلمسان آنذاك والمتوفى في مارس من سنة 1928م، وهو صاحب مؤلفات عديدة، وله منظومة هامة في التوحيد شرحها العلامة الجزائري "محمد بن عبد الرحمان الديسي" .
وبعد أن ملأ الشيخ "أبو عبد الله" وَفْضَهُ من العلوم والفنون بتلمسان، والتي مكث بها ردحاً من الزمان، سلم له شيخه "أبو بكر شعيب" إجازة سنية تثبت مكانته ومقدرته العلمية والتي منها ما يلي :
أَبَا عبد الإلـه يا ابن عبد القادري....... وَقَاَك إِلَهُ العَرْشِ أَسْبَابَ ذِي فِتَنِ
ولا زِلْتَ تُرْقَى والعِنَايَـةُ سَرْمَداً......... تُلاَحِظُكُـمُ بِأَعْيُنٍ مَا لَهَا وِسَنٌ(33) .
بعدها ترك الشيخ "أبو عبد الله" تلمسان ونزل ببلدة "بطيوة" قرب مدينـة "أرزيو" (وهران)، وفي بداية أمره باشر تعليم القرآن الكريم وتدريس العلوم الشّرعيـة واللغويـة على الطلبة الوافدين عليـه من كل جهـة، ثم تعرف بعد ذلك على الشيخ "قدور بن سليمان" صاحب الزاوية الشاذليـة بمستغانم، والذي كان لـه أتباع في كل جهـة من الوطن، بعدها تعرف على الشيخ الكبير والصّوفي الشهير "الحاج محمد بن شرقي" (ولد سنة 1831م)، صاحب "زاويـة العطاف"، والذي سلك الشيخ "أبو عبد الله" على يده طريق القوم إلى أن أصبح من الراسخين فيها(34).
وبعد هذه المسيرة العلمية والرّوحية الحافلـة، تفرغ الشيخ نهائياً للتربية والتعليم والوعظ، فكثر أتباعه ومريدوه، يرشدهم ويربيهم، ويسلك بهم طريق القوم، طريق هدفه التمسك بالكتاب والسنّة، انطلاقا من الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان.
لقد تخرج على يد الشيخ علماء أجلاء، وأولياء صالحين كان لهم الفضل في نشر علوم الشّريعة والحقيقة، كما كان شيخهم مناراً يضيء على الأمة بما حباه الله من علوم ظاهرة وباطنة
قال فيه الشيخ عبد الحميد ابن باديس رائد الحركة الإصلاحية:" وجود الشيخ أبي عبد الله بالمغرب العربي دليل على وجود العلم ." وأخذ أول لقائه به يردد قولـه :" إِيه وجه الجنة، إِيه وجه الجنة ." وكان يقول :" ليتني كنت ولد الشيخ أبي عبد الله ."(35)
توفى الشيخ رحمه الله عام (1372ﻫ/1952م) عن عمر يناهز (88)سنة، ودفن في زاويته ببطيوة أرزيو ( فرحمه الله رحمة واسعة وخلد أعماله في الصالحات).
ولقد رثاه أحد تلامذته، في جريدة "المنار" بمناسبـة التحاقه بالرفيق الأعلى، فوصفه بأنه كان دائرة معارف، ودائرة أخلاق، وأنه كان من أجل علماء الإسلام في عهده، ومن أبعدهم مدى في فهم أسرار الشّريعة والتمسك بالكتاب والسنّة قولاً وعملاً وقصداً، وأُتي سلطة البيان واتساعا في أفق الإدراك وجودة في الذكاء، وحافظة كحافظة البخاري…
وقال فيه أيضاً :" أنه كان غزالي وقته."(36)ومن أخص خصائصه، أن بيوت أتباعه الكثيرين تكاد لا تشمل تارك صلاة من امرأة أو غلام(37). ترك رحمه الله ذخيرة نفيسة من مؤلفاته النافعة وديواناً من الشعر يجعلك تحلق في جو "أبي العتاهية" و"ابن الفارض" .هذا وقد خلف الشيخ أبي عبد الله، أولاداً أفاضل وعلماء أجلاء صالحين ساروا على نهج أسلافهم بالقيام بشؤون الزاوية من تعليم القرآن الكريم والعلم وتكريس جل أوقاتهم في سبيل مصالح الناس والنصيحة لهم والإرشاد والتربية وصلح ذات البين، كان على رأسهم المرحوم الشيخ الدكتور المهدي البوعبدلي.
الهــوامش:
1- ورد في بعض المراجع أن تاريخ مولده كان في 1790 أو 1791م، راجع في ذلك محمد بن إسماعيلي، مشايخ خالدون وعلماء عاملون، مطبعة الكاهنة، ط2-الجزائر 1420ﻫ/1999م : ص104- وانظر كذلك : M. Mihoubi, “Cheikh Sidi Adda Ben Chlamallah, Le Soufi,”
La Voix de L 'ORANIE : Le 26/01/2004.
2. جديوية: إحدى دوائر ولاية غلزان (الجزائر) تبعد عن مقر الدائرة بحوالي 15كم.
3. تسمى أيضا "مشتى الغرق" وهي بلدة سيدي محمد فغول قرب ضريحه ببطحاء الشلف (الجزائر).
4. ذكر الشيخ أبو راس الناصري أن "المغوفل" كان :" أحد أعجوبات الدهر في علمه وورعه وكرماته يشهد لعلمه قصيدته التي مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها سبعون بيتاً، وليس فيها حرف يستحق النقط، بل كلها عواطل من النقط، وكفى به حجة ." من كتاب "عجائب الأسفار ولطائف الأخبار، مكتبـة الحامـة، تحت رقم 1632: ورقة رقم 26- وهناك نسخة من هذا المخطوط بالمكتبة القاسمية، زاوية الهامل تحت رقم 91.
وتذكر المصادر أن "المغوفل" قد ظهر أمره وهو في تونس وأن المشيخة قد أعطيت له هناك، ثم جاء إلى منطقة الشلف ونزل "بومليك" حيث ظل يتعبد، ثم انتقل إلى "نديلية" ؟ التي ظل بها إلى وفاته، لأهميته حاول العثمانيون الاستفادة من نفوذه الروحي في أول عهدهم .
له أرجوزة تسمى "الفلك الكوكبي" في أولياء منطقـة الشلف، توفي رحمه الله سنة 1023ﻫ. للشيخ المغوفلترجمة في "كعبـة الطائفين وبهجـة العاكفين في الكلام على حزب العارفين" لشارحها: محمد بن سليمان بن الصائم، وقصيدة "حزب العارفين" نظمها : الشيخ موسى بن عليّ اللالتي التلمسلني. انظر: أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، من القرن العاشر إلى الرابع عشر الهجري (16-20)، المؤسسة الوطنية للكتاب، ط2-الجزائر 1985م: ج2/123-124-132-139-140-142-157-262-338-364.
5. الحاج مصطفى العشعاشي، "السلسلة الذهبية في التعريف برجال طريقة الدرقاوية" تحقيق وتحرير مصطفى يلس شاوس بن الحاج محمد، مطبعة سقال، تلمسان (د-ت) :ص112.
6. ابن مشيش: أبو محمد بن عبد السلام بن سليمان بن أبي بكر، من ذرية إدريس بن عبد الله الكامل من كبار المتصوّفة، مشهور بالمغرب الإسلامي، ولد حوالي سنة 559ﻫ تخرج على يده عدد من الشيوخ أشهرهم أبو الحسن الشاذلي وتوفى سنة 622هـ قتيلاً. انظر في ترجمته : الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط5-1980م: 4/9. انظر كذلك : عبد الله كنون، عبد السلام بن مشيش، مجلة البحث العلمي، عدد: 25، يناير1976م:195-199.
7. ورد هذا النسب في كتاب "المرآة الجليـة في ضبط ما تفرق من أولاد سيدي يحي بن صفية والتعريف بمشاهير العلماء ورجال المعاهد الصوفية"، للحاج الجيلالي بن عبد الحكم، نقلاً عن الحاج مصطفى العشعاشي، "السلسلة الذهبية…" (مصدر سابق): 112- انظر كذلك: محمد بن إسماعيلي، مشايخ خالدون .. (مرجع سابق): 104. وانظر كذلك
RINN, Louis, Marabouts et khouans, Alger, 1884; pp218-219.
8. هو مولاي العربي بن عطية الغماري البوعبدلي،من كبار المتصوّفة وتلميذ الشيخ مولاي العربي بن أحمد الدرقاوي صاحب زاوية "بوبريح"، وكان ملازماً لشيخه، وبعد وفاة هذا الأخير، غادر المغرب قاصداً الجزائر، وفيها نشر الطريقة الدرقاوية، واشتهر أمره، وقالوا فيه "هذا مولاي العربي نفسه" وحتى لا يكون التباس بين الشخصيتين، زادوا في اسم مولاي العربي بن عطية كلمة "الطويل"، ثم انتقل الشيخ مولاي العربي الطويل من الجزائر إلى القطر التونسي، وتوفى ودفن هناك، ولم أقف على تاريخ وفاته. نظر في ترجمته: الحاج مصطفى العشعاشي، "السلسلة الذهبية…" (مصدر سابق) : 111 - وانظر كذلك: عبد القادر بن عيسى المستغانمي، مستغانم وأحوازها عبر التاريخ "تاريخاً وثقافيً وفنياً"، المطبعة العلوية بمستغانم: ط1، الجزائر 1996م: ص98/ رقم الترجمة 17.
9. تعد الطريقة الدرقاوية من أشهر فروع الطريقة الشاذليّة في المغرب العربي، وينسب هذا الفرع إلى الشيخ عبد الله محمد العربي بن أحمد الدرقاوي، الذي نشأ بقرية "بني زروال" قرب فاس وأخذ الطريقة الشاذلية على يد العلامة علي بن عبد الله الجمل العمراني، ويعد الشيح أحد كبار المجددين في المدرسة الشاذليّة في المغرب العربي، وله مؤلفات عديدة. انظر في ترجمته: محمد دوود، تاريخ تطوان، ط2- تطوان مكتبة كريما دسيس، القسم الثاني من المجلد السادس، ج17، ص289- انظر كذلك: إدوارد دونوقو، الإخوان "دراسة إثنولوجية حول الجماعات الدينية عند مسلمي الجزائر"، تر- وتح: كمال فلالي، دار الهدى، عين مليلة، الجزائر2003م: ص85-وما بعدها.
ANDRE, Général, P.G, Contribution a Letude des confréries religieuse musulmanes ed, la maison du livre, Alger 1956.p246.
10. هو العلامة " أبو الحسن عليِّ " بن عبد الرحمان الحسني الإدريسي، أخذ طريق التصوف أولا عن الشيخ مولاي الطيّب الوزاني، ثم لزم الشيخ العربي بن أحمد بن عبد الله، أخذ عنه الكثير من الشيوخ كان أبرزهم الشيخ محمد العربي الدرقاوي، وللشيخ كتاب في الجمع بين الشّريعة والحقيقة لازال مخطوطا في علمنا، توفي رحمه الله سنة 1194ﻫ. انظر في ترجمتــه: محمد مخلوف، شجرة النور الزكيّة في طبقات المالكيّة دار الفكر للطباعـة والنشر والتوزيع ( د.تا ): ص 358/ رقم 1428.
11. الحاج مصطفى العشعاشي، "السلسلة الذهبية…": ص112.
12. الشيخ سيدي عدة غلام الله، سيرة ذاتية للشيخ سيدي عدة، مخطوط بالخزانة العداوية، تيارت، الجزائر: ورقة رقم 11.
13. هو محمد بن علي بن الشارف المازوني، فقيه، وعالم شارح "العقيدة الصغرى" في التوحيد للشيخ السنوسي التلمساني. انظر في التعريف به: عبد القادر بن عيسى المستغانمي، مستغانم وأحوازها عبر العصور، المطبعة العلاوية بمستغانم، 1996م: 44.
14. الطريقة الرحمانية: ظهرت خلال القرن الثاني عشر الهجري (18)، ومؤسسها "محمد بن عبد الرحمان الجرجري" المعروف أيضاً بنسبته إلى زواوة وإلى الأزهر (الزواوي والأزهري)، وهو من قبيلة آيت إسماعيلمن عرش قشطولة، وقدر بعضهم تاريخ ميلاده بين سنة 1127 و1142ﻫ، وقد توفى بالجزائر سنة 1208ﻫ، وقد أخذ الشيخ سيدي عدة بن غلام الله هذه الطريقة، عن أبيه سيدي محمد الموسوم في صغره، وعن ترجمة مؤسس هذه الطريقة ودوره الديني والسياسي، انظر: أبو القاسم سعد الله، (مرجع سابق): 1/514 وما بعدها.
15. الشيخ سيدي عدة بن غلام الله، مخطوط الثواريق، الخزانة العداوية، تيارت، الجزائر/: ورقـة رقم 24.
16. الطريقة القادرية: تنسب هذه الطريقة إلى الشيخ عبد القادر الجيلالي أو الكيلاني، ولد عام 470ﻫ /1077م، في جيلان، وهي بلاد متفرقة وراء طبرستان جنوب بحر قزوين ويقال لها أيضاً: كيلان، وجيل ولذلك يقال في النسبة: كيلاني وجيلاني، وكيلي وجيلي. توفى عام 561ﻫ/1166م.
ظهرت الطريقة القادرية في الجزائر قبل مجيء العثمانيين، وقد أخذها الشيخ عدة بن غلام الله من الشيخ عبد القادر بلحول صاحب زاوية "وادي الخير" في عهد الباي سنة 1232ﻫ/1817م. انظر: ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، ط1-1395ﻫ :1/219، ياقوت الحموي، معجم البلدان مكتبة خياط، لبنان (د-تا) –انظر كذلك: الشيخ عدة بن غلام الله، مخطوط التوريق: ورقة 24. أبو القاسم سعد الله، (مرجع سابق): 1/520-521.
17. الطريقة الطيبية الوزانية: تأسست هذه الطريقة في وزان بالمغرب الأقصى، على يد الشيخ عبد الله الشريف (ت1089ﻫ/1678م)، وقد ولد الشيخ في قبيلة "بني عروس" في جبل "علام" بالمغرب بالأقصى، تولى الزاوية من بعده ابنه "محمد بن عبد الله الشريف" ثم أخوه "الطيب" والذي دامت مشيخته لها بين سنتي (1127-1181ﻫ) وفي عهد هذا الأخير ازدهرت الزاوية ازدهارا عظيماً، وأصبحت تعرف "بالطيبية"، انظر: أبو القاسم سعد الله، (مرجع سابق): 1/522 وما بعدها.
18. الشيخ عدة بن غلام الله، مخطوط رسالـة الكراس، الخزانة العداويـة، تيارت (الجزائر): ورقـة رقم 5.
19. المصدر نفسه والصفحة.
20. انظر : M.Mihoubi, Op, CIT, P 13. 21-حمدان بن عثمان خوجة، المــرآة، تعليق- وتحقيق الدكتور محمد العربي الزبيري الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر. انظر كذلك: أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر. 1992م، القسم الأول.
21. الحاج مصطفى العشعاشي، "السلسلة الذهبية…" :112. وانظر كذلك : محمد بن إسماعيلي، مشايخ خالدون .. (مرجع سابق) : 104.
22. الحاج مصطفى العشعاشي، "السلسلة الذهبية…" :112 – انظر كذلك : M.Mihoubi, Op, CIT, P 13.
23. من مؤلفاته:" الرسائل لأهل الوسائل" وهو ديوان في التصوف، وكتاب التواريق، وكتاب ياقوتة الجمال، وكتاب رسالة الكراس، وكتاب الطائفة الشلفية في المناقب البوعبدلية، كتاب طليعة السعداء، وكتاب الصدق والتصديق، وكتاب ريحان القلوب في الصلاة على النبي المحبوب، وكتاب دليل النجاة المبلغ لروضات الجنات على أربعة أرباع.
24. انظر الحاج مصطفى العشعاشي، "السلسلة الذهبية…" :112.
25. المصدر نفسه : ص112- وانظر كذلك : محمد بن اسماعيل، مرجع سابق: ص132.
26. M.Mihoubi, Op, CIT, P 13
27. M.Mihoubi,Ibid, P 13
28. محمد بن إسماعيلي، مشايخ خالدونذ... (مرجع سابق): 105. انظر كذلك الحاج مصطفى العشعاشي، "السلسلة الذهبية…" :112
29. M.Mihoubi, Op, CIT, P 13
30. انظر كذلك: محمد بن إسماعيلي، مشايخ خالدون .. (مرجع سابق): 105
31. M.Mihoubi, Op, CIT, P 13
32. انظر الحاج مصطفى العشعاشي، "السلسلة الذهبية…" :113.
33. نفس المصدر: 113-114.
34. نفس المصدر: 114.
35. أحمد.خ، الشيخ أبو عبد الله، جريدة "المنار" س:2-ع:14، الجمعة 11ربيع الأول 1372ﻫ/ 25 ديسمبر 1952م : ص3.
36. نفس المصدر (ع:13، الجمعة 26 ربيع الأول 1372ﻫ/12 ديسمبر 1952م: ص3).
1 التعليقات:
بارك الله فيكم ونفعنا الله بعلمه امين .
اريد فقط ان اعرف ما معنى اسم عدة ولماذا سماه ابوه بهذا الاسم وشكرا
إرسال تعليق