**الســلام عليكـم**

ابحث عن موضوعك في موقعي هنا

ترجمة/Translate

الجمعة، 8 فبراير 2013

وضعية الفلسفة كمحدد للنظام الثقافي في المغرب الأوسط ومساهمة علمائه





عرض تاريخي لوضعية الفلسفة في بلاد المغرب الإسلامي :
    لقد كشفت العلوم الإنسانية خاصة بعد النقلة المنهجية  النوعية التي خاضتها في القرن العشرين عن معاني مثيرة تخص  الفرد والمجتمع  والعلاقة الجدلية بين الفرد والجماعة في كافة القطاعات الإنسانية و أن الفرد في بعده الثقافي منتج لعقل الجماعة وأن النشاطات الفردية تدور في فلك المقتضيات الاجتماعية وتتحدد بالوضعية التي يكون عليها المجتمع .
فالمعرفة والثقافة والنشاط الفكري لا يتم بمعزل عن المؤسسات الاجتماعية وعن طبيعة الحياة التي يحياها المجتمع برمته في بناه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وأن الإبداع الثقافي ليس  فرديا خالصا إلا بقدر قدرة الفرد على تحسس إمكانيات الواقع فليس غريبا أن نلاحظ ارتباط ازدهار الثقافة في العالم الإسلامي بالتطور الاقتصادي كالذي عاشته الدولة العباسية في عصرها الأول تحت كنف الرشيد والمأمون والتي أفرزت حركة الترجمة والمحاولات الجادة التي تقدم بها الكندي وغيره ، أو التي عاشتها الدولة الموحدية في حماية المنصور الموحدي حيث عاش ابن طفيل وابن رشد .
وقد كان ابن خلدون فلتة في عصره لإدراكه النافذ فقال وهو يتحدث في علاقة العلوم بالعمران : (... أهل المشرق لما كانوا في التعليم والصنائع أرسخ رتبة وأعلى قدما وكان أهل المغرب أقرب إلى البداوة ظن المغفلون في بادئ الرأي أنه لكمال في حقيقة الإنسانية اختـصوا به عن أهل المغرب وليــس ذلك بصحيح ... ) و يضيـف ( ... أن العلوم إنما تكثر حيث يكثر العمران وتعظم الحضارة والسبب في ذلك أن تعليم العلم من جملة الصنائع إنما   تكثر في الأمصار وعلى نسبة عمرانها في الكثرة والقلة والحضارة والترف يكون نسبة الصنائع في الجودة والكثرة لأنه أمر زائد على المعاش فمتى فضلت أعمال أهل العمران عن معاشهم انصرفت إلى ما وراء المعاش من التصرف في خاصية الإنسان وهي العلوم والصنائع ومن تشوف بفطرته إلى العلم ممن نشأ في القرى والأمصار غير المتمدنة فلا يجد فيها التعليم الذي هو صناعي لفقدان الصنائع في أهل البدو كما قدمناه ولا بد له من الرحلة في طلبه إلى الأمصار المستبحرة شأن الصنائع كلها ...) ويدلل على ذلك بالبينات التاريخية فيقول : (... واعتبر ما قررناه بحال بغداد وقرطبة والقيروان والبصرة والكوفة لما كثر عمرانها صدر الإسلام واستوت فيها الحضارة كيف زخرت فيها بحار العلم وتفننوا في اصطلاحات التعليم وأصناف العلوم واستنباط المسائل والفنون حتى أربوا على المتقدمين وفاتوا المتأخرين ولما تناقص عمرانها وانذعر سكانها انطوى ذلك البساط جملة بما عليه فقد العلم بها والتعليم وانتقل إلى غيرها ...) (01)
والرصد التاريخي يحيلنا أيضا إلى حقيقة ارتباط الاستنارة الفكرية والتعايش السلمي الثقافي وروح الاختلاف وتقبل الآخر بالوضعية الاقتصادية المريحة التي تكون عليها دولة ما ، حيث تمنح قوة الاقتصاد حصانة للسلطة تجعلها تتجه وجهة متفتحة في تلقيها للجدل الاجتماعي والثقافي الذي تعيشه المجتمعات الخاضعة لحكمها . وقد كان عصر المأمون العباسي شهادة قيمة في التدليل على هذه الفكرة إذ : « ... لم يكُن أحــدًا من ذوِي السّلطان الأعظم أشدُّ فَحْصًا وبَحْثا منه عن أمور الناس حتى بلـغ هذا المبلغ من الاسْتِقْصاء و جعله أكبر شغْلِه و أكثرَ هَمِّــه في ليــله ونهاره ...» (02). فحرص على أن يشهد بلاطـه مجادلات تتم من طرف  المتكلمون الذين كانوا نوابا عن تيارات المجتمع  ؛ يبسطون الرَّؤَى و يعْرِضون الحجـج و الدلائل والبراهين و يتكلمون في كل شيء ، ليصل حديثهم وحوارهم منصب الخلافة أمام الخليفة ذاته .  فقد أورد المسعودي في « مروجه » جملة صالحة من الأخبار في هذا المعنى اجْتَزِأُ منها هذا الخبر :« ... وكان يَحْيي بن أَكْثَم يقول : كان المَأْمون يجلس للمُنَاظرة في الفقه يوم الثلاثاء فإِذا حضر الفقهاء ومَنْ يُناظرِهم مِن سائر أهْل المَقَالات أُدْخِلوا حُجْرةً مفروشــة  وقيل لهم انزعُوا أَخْفَاَفكم ثم أُحْضِرت المَوائد ... فاسْتَدْنَاهم حتى يَدْنوا منه ، ويُناظرهم أحسنَ مُناظرةً و أَنْصَفَها وأَحْسَنها وأَبْعَدها من مناظرة المتَجَبّرين ... » ؛ ويمضي يصف دخول رجل غريب يطلب المناظرة فأذن له المأمون بالدخول والاقتراب من مجلسه  فيفاجئه الرجل  بسؤاله : «... أَخْبِرني عن هذا المَجْلس الذي قد جَلَستَه أباجتماع من المسلمين عليك ، و رضا منك  أَم بالمُغَالَبَة لهم و القُوَّة عليهم بسلطانك ؟ ... » فأجابه المأمون جواب هادئ رخي البال ووصف له كيفية  وصوله العرش إلى قوله « ... فقُمٌتُ بهذا الأمر حِيَاَطةً للمسلمين ، ومجاهِدا في البحث عن رجل تتفق كلمتُهم على الرضا به  فأسَلِّم الأمر إليه ، فمتى اجتمعوا على رجل و رَضُوا به خرجتُ إليه من هذا الأمر ، فقال الرجل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، و قَامَ ...» فأرسل المأمون على إثره من يتقصى خبره فإذا هو مجتمع مع خمسة عشرة رجلا في هيئته و زيِّه في أحد المساجد يسألونه: لَقَيْتَ الرّجل ؟ وماذا قال لك ؟ فأجابهم : خَيْرا، فقالوا : ما نَرَى بِهذا بَأْسًا وافترقوا  ، فما كان من المأمون إلا أن علق على الأمر بقوله « ... كُفِينا مُؤْنَةَ هؤلاء بِأَيْسَر خَطْب ...» (03) .
كما يخبرنا التقصي التاريخي عن ارتباط النظام الثقافي المحافظ القمعي الاقصائي الدفاعي الذي يكرس المتشابه والتقليد بحالات الضعف والتهديد التي تمر بها دول في بعض أطوارها والمجتمعات في تحولاتها ، حيث تشتغل السلطة الرقابية على المنتجات الثقافية بحماس وتصميم تديرها مؤسسات مدعومة من طرف السلطة السياسية ، لأن عناصر السلطة فيها وجلة خائفة همتها منحصرة في اتجاه الدفاع والحماية وتتبع حركات المعارضة ، وحيث تتجه نية الحكم في الرغبة في الإبقاء على النظام وصيانته بدل العمل في المقاصد التي يأتي النظام أساسا لخدمتها كرعاية الشأن العام(04)
فسيادة نمط ثقافي ما في مجتمع ما يتأتى على قاعدة رضا ومباركة السلطة ودعمها وتشجيعها له . حيث لابد لكل سلطة من إيديولوجيا تبرر لها تسلطها ينتجها مفكروها وعلماءها ولا بد لها من ثقافة ما تعممها في أوساط المجتمع حتى يتيسر لها التحكم فيه بأقل جهد
ولما كانت الحياة في مجملها تركيب معقد تتضافر في صياغته القطاعات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والقيمية فان أي مقاربة جادة لتوصيف مرحلة ما لا تتأتى الا بتحليل هذه البنى حتى نكون أكثر موضوعية في تقرير أحوال واقع ما . فالفلسفة(05)بوصفها نشاط فكري يهتم بالأسئلة الصعبة وبوصفها نشاط يقوم على الحرية والفردية ، فهي خطاب خاص فردي نتاج نشاط واهتمام فردي ، كما أنها خطاب عام ينتجه ويتبناه المجتمع أو السلطة ـ الدولة ـ يخضع للاعتبارات السياسية فالنشاط الفلسفي الحقيقي يقوم على حد ما من الاستقلال والحرية خارج الوصاية السياسية والفكرية وخارج الضغط والإكراه  .لأن الفيلسوف متأمل في الواقع يسعى لفهمه من خلال تجريده فهي بحث في الحقيقة لا يتأتى إلا بوعي ضرورة نقد الرؤى المتوارثة والملقنة وفضح خطاب التبرير ومن ثمة ينتج الفيلسوف خطابه وهو إلى ذلك يعي موقعه .
على العموم لم تكن وضعية الفلسفة في الفضاء الثقافي الإسلامي وضعية مريحة إذ كثيرا ما ارتبطت بالزندقة والإلحاد والخروج عن الدين فلم ينج المتمرسين بالعلوم القديمة من المحن والاضطهاد والملاحقة والمتابعات من قبل الفقهاء خاصة  فقهاء السلطان المحتكرين للقول في الدين والمتحالفين مع العناصر السياسية . ولعل قضية الحلاج (06)والسهروردي(07)تكشف عن صحة هذا الرأي . ولشدة وطأة اتجاه التقليد والرقابة القمعية فان الملاحقة لم تختص بالفلاسفة فقط بل طالت حتى بعضا من أعلام القطاع المحافظ كداود الأصبهاني(08)والبخاري(09) والطبري(10) والعز بن عبد السلام(11) وابن تيمية(12) وغيرهم لأنهم استعملوا حق الاجتهاد ومحاولة طرح رؤى جديدة  .
    وقد شهدت بلاد المغرب الإسلامي ذات الظاهرة .ففي عهد المستنصر بالله الأموي ( 350 هـ ـ 366 هـ )نشطت سوق الفلسفة بما استجلبه مما صنف بالمشرق من الكتب الفلسفية ومما نقل فيه من كتب الأوائل وغيرها . حتى جمع فيها ما كان يضاهي ما جمعته ملوك بني العباس في الأزمان الطويلة مما حرك الناس إلى قراءتها ، فلما ولي بعده هشام المؤيد بالله وهو غلام لم يحتلم بعد استبد بالسلطة حاجبه أبو عامر فعمد إلى خزائن أبيه الجامعة للكتب المذكورة فأحرقها وأفسدها تحببا إلى عوام الأندلس  وتقبيحا لمذهب الخليفة الحكم عندهم ( ... إذ كانت تلك العلوم مهجورة عند أسلافهم مذمومة بألسنة رؤسائهم ، وكان كل من قرأها متهما عندهم بالخروج عن الملة مظنونا به الإلحــاد في الشريعة ...). (13) ويورد المقري في نفح الطيب نصا يكشف وضعية الفلسفة في الأندلس يقول : ( ... وكل العلوم لها عندهم حظ واعتناء، إلا الفلسفة والتنجيم، فإن لهما حظّاً عظيماً عند خواصهم، ولا يتظاهر بهما خوف العامة، فإنّه كلّما قيل فلان يقرأ الفلسفة أو يشتغل بالتنجيم أطلقت عليه العامة  اسم زنديق، وقيدت عليه أنفاسه، فإن زلّ في شبهة رجموه بالحجارة أو حرقوه قبل أن يصل أمره للسلطان، أو يقتله السلطان تقرباً لقلوب العامة، وكثيراً ما يأمر ملوكهم بإحراق كتب هذا الشأن إذا وجدت، وبذلك تقرب المنصور بن أبي عامر لقلوبهم أول نهوضه وإن كان غير خالٍ من الاشتغال بذلك في الباطن...)(14) لكن مع سقوط الدولة الأموية في الأندلس ودخول البلاد في عصر الطوائف تراجعت حرية الفكر حتى أفضت الأحوال إلى ملاحقة أمثال ابن حزم رغم اتجاهه العام المحافظ. إذ أحرقت كتبه باشبيلية بأمر من المعتضد بن عباد وكتب الغزالي نظرا للحملة الشرسة التي شنها على فقهاء السلطان في إحياء علوم الدين ثم توج التضييق على الفكر بمرسوم تاشفين بن علي المرابطي يأمر بتقصي وتعقب كل مذهب خلاف المذهب المالكي : ( ... ومن حاد عن رأيه بفتواه ومال من الأئمة على سواه فقد ركب رأسه واتبع هواه . ومتى عثرتم على كتاب بدعة .. فإياكم وإياه ، وخاصة كتب أبي حامد الغزالي ، فليتبع أثرها وليقطع بالحرق المتتابع خبرها ، ويبحث عنها ، وتغلظ الإيمان على من يتهم بكتمانها ... ) (15) ثم طالت المتابعات كتب المتصوفة والأشاعرة خاصة ابن برجان الذي لقب بغزالي الأندلس حيث لقي حتفه تعذيبا سنة 536 هـ بأمر من الأمير علي بن يوسف بن تاشفين ، وألقي جثمانه بمزبلة المدينة دون صلاة عليه لولا تدخل الصوفي علي بن حرزهم . فشمل الاضطهاد حتى علوما دينية كعلم الحديث والأصول وبقايا المعتزلة . لقد اضطر ملك بن وهب الإشبيلي إلى الإضراب عن تعاطي العلوم الفلسفية لما لحقه من المطالبات بدمه بسببها (16) ولقي ابن باجة محنا كثيرة وشناعات من العوام فقصدوا هلاكه مرات لكن الله سلمه منهم(17)وترجم له الفتح بن خاقان ترجمة مظلمة وصفه فيها بأنه رمد جفن الدين وكمد نفوس المهتدين(18)  .
         وفي ظل الارتباط التاريخي بين الفقهاء والسلطة السياسية في كل من دولتي المرابطين والموحدين جرى استبعاد منظم لكل المحاولات الجادة لبعث روح التفكير العقلي . وقد انتبه صاعد الأندلسي إلى أهمية الأوضاع العامة للمجتمع في تنشيط التفكير الفلسفي لما قال و هو يؤرخ للفلسفة في الأندلس : ( ... الا أن زهد الملوك في هذه العلوم وغيرها واشتغال الخواطر بما دهم الثغور من تغلب المشركين عاما فعاما على أطرافها ، وضعف أهلها عن مدافعتهم عنها ، قللت طلاب العلم وصيرتهم أفرادا ...)  .
ولقد جاء الموحدون بايدولوجيا معارضة للإيديولوجيا المرابطية فابتدئوا حكمهم برد الاعتبار للغزالي لحد أنهم نبشوا قبر القاضي بن حمدين الذي تولى حرق كتب الغزالي وصلبوه ثم اعتمدوا كتب صاحب الإحياء وأستاذه الجويني ضمن ما يدرس في المدارس الرسمية خاصتهم ، وفتحوا المجال الثقافي لبقية العلوم الدينية المحظورة سلفا .
لكن الحرية الفكرية التي لا تأتي ضمن الجدل التاريخي سرعان ما تطيش ، إذ قرر ثالث خلفاء الموحدين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن الملقب بالمنصور أن يحمل الناس بالقوة على الظاهر من القرآن والحديث تطبيقا لمذهب ابن حزم و : ( ... في أيامه انقطع علم الفروع ، وخافه الفقهاء ، وأمر بإحراق كتب المذهب بعد أن يجرد ما فيها من حديث رسول الله والقرآن ففعل ذلك فأحرق منها جملة سائر البلاد كمدونة سحنون ..لقد شهدت منها وأنا يومئذ بمدينة فاس ، يؤتي منها بالأحمال فتوضع ويطلق فيها النار ، وتقدم إلى الناس في ترك الاشتغال بعلم الرأي والخوض في شيء منه ، وتوعد على ذلك بالعقوبة الشديدة ...)(19)  . وفي عهده سير فقهاء قرطبة وفدا إليه ليشكوا إليه ابن رشد فمضوا في سعايتهم حتى امتحنه المنور ونفاه إلى أليسانة وقالوا عنه أنه ينسب في بني إسرائيل وأنه لا يعرف له نسب في قبائل الأندلس . ولم تطل المحنة ابن رشد فحسب بل اتسعت لتشمل جملة من المشتــغلين بالحكـمة وعلـوم الأوائل(20) : ( ... و قصد أن لا يترك شيئا من كتب المنطق والحكمة باقيا في بلاده   وأباد كثيرا منها بإحراقها بالنار وشدد في أن لا يبقى أحد يشتغل بشيء منها وأنه متى وجد أحد ينظر في هذا العلم أو وجد عنده شيء من الكتب المصنفة فيه فإنه يلحقه ضرر عظيم  . ولما شرع في ذلك جعل أمره مفوضا إلى الحفيد أبي بكر بن زهر وأنه الذي ينظر إليه ، وأراد الخليفة أنه إن كان عند ابن زهر شيء من كتب المنطق والحكمة لم يظهر ولا يقال عنه أنه يشتغل بها ولا يناله مكروه بسببها ، ولما نظر ابن زهر في ذلك وامتثل أمر المنصور في جمع الكتب من عند الكتبيين وغيرهم وأن لا يبقى شيء منها وإهانة المشتغلين به...) (21). والنص التالي يلخص وضعية الحوار والاختلاف لدى الذهنية المتشددة التي كانت السمة العامة للنظام الثقافي السائد : ( ... سمعت أبا محمد عبد الله بن أبي زيد الفقيه يسأل أبا عمر أحمد بن محمد بن سعدي المالكي عند وصوله إلى القيروان من بلاد المشرق، فقال: هل حضرت مجالس أهل الكلام؟ قال: نعم، مرتين، ولم أعد إليهما، قال: ولم؟ فقال: أما أول مجلس حضرته فرأيت مجلساً قد جمع الفرق من السنة والبدعة والكفار واليهود والنصارى والدهرية والمجوس، ولكل فرقة رئيس يتكلم ويجادل عن مذهبه، فإذا جاء رئيس قاموا كلهم له على أقدامهم، حتى " يجلس فيجلسون بجلوسه " فإذا تكلموا قال قائل من الكافر: قد اجتمعتم للمناظرة، فلا يحتج أحد بكتابه ولا بنبيه، فإنا لا نصدق بذلك ولا نقر به، وإنما نتناظر بالعقل، فيقولون: نعم، فلما سمعت ذلك لم أعده. ثم قيل لي: هنا مجالس آخر للكلام، فذهبت إليه فوجدتهم على مثل سيرة أصحابهم سواء، فقطعت مجالس أهل الكلام. فجعل ابن أبي زيد يتعجب من ذلك، وقال: ذهبت العلماء وذهبت حرمة الإسلام...) (22) .
فاذا كانت هذه وضعية العلوم الفلسفية في حضن دول تعتبر قوية بالمقارنة مع الدويلات التي أعقبتها فكيف يتصور أن ينهض لهذه العلوم سوق في كيانات سياسية هشة وضعيفة تتآكلها الصراعات الداخلية والخارجية و تترنح خورا من ضربات القبائل العربية والبربرية البدوية التي لم تمد يد الطاعة بل سرحت في باديتها وصحاراها تقطع الطرق وتتمالأ مع الخارجين عن السلطة . الأمر الذي أعيا بني مرين وبني زيان وبني حفص .
وقد انتبه ابن خلدون للربط بين حالة العلوم هذه والوضعية العامة للمجتمعات المغربية في مقالته : ( ...  ثم إن المغرب والأندلس، لما ركدت ريح العمران بهما، وتناقصت العلوم بتناقصه، اضمحل ذلك منهما، إلا قليلاً من رسومه تجدها في تفاريق من الناس، وتحت رقبة من علماء السنة. ويبلغنا عن أهل المشرق أن بضائع هذه العلوم لم تزل عندهم موفورة، وخصوصاً في عراق العجم وما بعده فيما وراء النهر، وأنهم على ثبج من العلوم العقلية والنقلية، لتوفر عمرانهم واستحكام الحضارة فيهم. ولقد وقفت بمصر على تآليف في المعقول متعددة لرجل من عظماء هراة ، من بلاد خراسان، يشتهر بسعد الدين التفتازاني، منها في علم الكلام وأصول الفقه والبيان، تشهد بأن له ملكة راسخة في هذه العلوم. وفي أثنائها ما يدل له على أن له اطلاعاً على العلوم الحكمية وتضلعاً بها وقدماً عالية في سائر الفنون العقلية. والله يؤيد بنصره من يشاء. وكذلك بلغنا لهذا العهد أن هذه العلوم الفلسفية ببلاد الإفرنجة، من أرض رومة وما إليها من العدوة الشمالية نافقة الأسواق، وأن رسومها هناك متجددة، ومجالس تعليمها متعددة، وداووينها جامعة وحملتها متوفرون، وطلبتها متكثرون. والله أعلم بما هنالك، وهو يخلق ما يشاء ويختار...).(23)
إذن لقد ورث القرن السابع والثامن هذه الوضعية المزرية للحكمة . لكن ذلك لم يمنع أصحاب العقول القوية والفضول المعرفي من محاولة الاطلاع على النصوص الفلسفية والاحتكاك بقضاياها فقد جاء في ترجمة الشريف التلمساني بأنه :كان إماما في العلوم العقلية كلها منطقا وحسابا وتنجيما وموسيقى وهندسة وطبا وتشريحا وفلاحة وكثيرا من العلوم القديمة والحديثة (24) وفي ترجمة محمد بن إبراهيم الأبلي بأنه : نسيج وحده ورحلة وقته في القيام على الفنون العقلية .. سبق إلى ذهنه محبة التعاليم فبرع فيها وعكف الناس عليه في تعلمها . ويقول عن نفسه : قرأت المنطق و الأصلين على أبي موسى بن الإمام .كما درسها على شيخ التعاليم خلوف المغيلي اليهودي بفاس حين فر من أبي حمو صاحب تلمسان لما أراد إكراهه على العمل فكره ذلك ولبس مسحا وتسحب في زي سائل ، كذلك درسها على أبي العباس بن البناء شيخ المعقول والمنقول المبرز في التصوف علما وحالا فلازمه وتضلع عليه في علم المعقول والتعاليم والحكمة (25) . ووصف الإمام ابن عرفة بأنه لا نهاية له في المنقول والمعقول(26) . ونعت قاسم بن سعيد العقباني بأنه انفرد بفني المنقول والمعقول (27). أما أبو الفضل محمد التلمساني فقد ترجمه المقريزي في درر العقود الفريدة فقال فيه : صاحب فنون عقلية ونقلية قل علم الا يشارك فيه مشاركة جيدة . وقال الونشريسي فيه : قدم راسخ في البيان والتصوف والأدب و الشعر والطب وهو أول من أدخل إلى المغرب شامل بهرام وحواشي التافتازاني على العضد وغيرها من الكتب الغريبة (28)، ووصف أبو الحسن بن الفحام بأنه أعرف أهل زمانه بفنون التعاليم والهندسة(29). وأورد الغبريني في حديثه عن أبي عبد الله القرشي انه كان أكثر حاله النظر في المعقولات وانه كان له نظر جليل في التعليم حتى اتهمه الفقيه أبو زكرياء الزواوي بالزندقة ثم رجع عن اتهامه له وطلب منه العفو لما تبين له سلامة عقيدته ودينه(30) 
         لكن من الجلي أن الانشغالات الفلسفية التي انكب عليها هؤلاء وآخرون لم ترتفع لمستوى النظر العقلي الحر الذي ينهض لإنتاج المفاهيم والتصورات الجديدة والذي يقوم على محاورة الواقع وفق آليات المناهج العلمية على الأقل كالتي استخدمها ابن خلدون في المقدمة وهو يؤسس لعلم العمران . إذ الفحص السريع لقامة المؤلفات التي تركها هؤلاء والتي تقول عن انشغالاتهم الحقيقية لم تخرج عن سقف الأفق الثقافي الذي عاشوا فيه .


ـ مقاربة تحليلية لأسباب نكسة الفلسفة
الحياة لا تدرك الا بوصفها كلا مركبا وتبعا لذلك فان الظواهر الحيوية من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية سواء الفردي منها والجماعي لا تدرك أيضا الا من حيث التركيب المعقد ، لذلك لا مناص لنا إذا أردنا فهم الديناميات التاريخية من المقاربة المتعددة لمجموع النشاط الإنساني في أبعاده المختلفة . والفلسفة بوصفها نشاط فكري ثقافي يندرج في السياق العام للتاريخ فيقتضي فهم وضعيتها تبعا لمقاربات متعددة
المجال السياسي
ـ آذنت شمس العالم الإسلامي بالأفول كما جاء في  مقولة ابن خلدون التي  تختصر أزمة العالم الإسلامي بعد القرن 12 م والخروج التدريجي للمسلمين من مركز صناعة التاريخ و الاتجاه إلى تقديم الاستقالة : (... وأما لهذا العهد وهو آخر المائة الثامنة فقد انقلبت أحوال المغرب الذي نحن شاهدوه وتبدلت بالجملة واعتاض من أجيال البربر أهله على القدم بما طرأ فيه من لدن المائة الخامسة من أجيال العرب بما كسروهم وغلبوهم وانتزعوا منهم عامة الأوطان وشاركوهم فيما بقي من البلدان لملكهم هذا إلى ما نزل بالعمران شرقا وغربا في منتصف هذه المائة الثامنة من الطاعون الجارف الذي تحيف الأمم وذهب بأهل الجيل وطوى كثيرا من محاسن العمران ومحاها وجاء للدول على حين هرمها وبلوغ الغاية من مداها فقلص من ظلالها وفل من حدها وأوهن من سلطانها وتداعت إلى التلاشي والاضمحلال أموالها وانتقض عمران الأرض بانتقاض البشر فخربت الأمصار والمصانع ودرست السبل والمعالم وخلت الديار والمنازل وضعفت الدول والقبائل وتبدل الساكن وكأني بالمشرق قد نزل به مثل ما نزل بالمغرب لكن على نسبته ومقدار عمرانه وكأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول والانقباض فبادر بالإجابة والله وارث الأرض ومن عليها ...) (31)  
ـ تحول الموقع الإسلامي شرقا وغربا من الهجوم إلى الدفاع وما يستتبع ذلك من الثقة إلى الخوف والارتياب وكانت الحروب الصليبية مؤشر ذلك ثم موقعة العقاب
ـ هشاشة بنى الدول التي ورثت دولة الموحدين وضعفها أمام القوى القبلية البدوية العربية والبربرية واضطرارها إلى ممالأتها والتزلف إليها والاستظهار بها أمام الخصوم المناوئين داخل الدولة أو أمام الدويلات الأخرى وحيث الاقتصاد قائم على الغزو لا على العملية الاقتصادية الطبيعية التي تبدأ من الأرض ، إضافة إلى عدم الأمان الذي غدا واقعا لكل من يسلك الطرق التجارية نظرا لضعف الدويلات في السيطرة  على القوى البدوية الموغلة في الصحراء واتجاه التجارة العالمية لاكتشاف طرقا أخرى تركت العالم الإسلامي معزولا عن المشاركة في التجارة العالمية التي كان يؤدي فيها دور الوسيط لأنه المتحكم في المضايق و المراكز الإستراتيجية القديمة وبروز القوى المسيحية وسيطرتها على البحر المتوسط (32) يعني هذا إفلاس تجارة العالم الإسلامي التي كانت عصب اقتصادياته لعدم تمكنه من إبداع التنمية المحلية الداخلية . ثم أنها لم تقم على إيديولوجية واضحة مختلفة وعلى خطاب جديد وإنما قامت على أساس القوة والعصبية والكفاءة الفردية للوارثين مما يدل على هبوط وتراجع في الثقافة و... .
ـ كل سلطة تخشى من ذوي النفوذ والتأثير في العامة لأن غرض السلطة هو حكم العموم وإدارة الشأن العام فلا ترض المنافسة الأمر الذي يؤدي إما إلى محاولة استمالة وشراء الذمة عبر التوظيف والتقريب والمجاملة واظهر الإجلال والتبجيل أو إلى محاولة الخفض من التأثير عبر الاتهامات الدينية والنميمة و التشكيك في الذمة وطهارة المسلك ـ التشويش على الزعامة ـ  أو إعلان الغضب والارتياب المؤدي إلى المساءلة والحبس والعقوبة ، الأمر متعلق بطبيعة السلطان ودرجة قوته واستقلاله ومدى تأثير الحاشية والقوى السياسية من حوله ومتعلق بطبيعة الزعيم ومقاصده وطموحاته  من ذلك ما حصل للصوفي أبي مدين لما :«...استوطن بجاية وكان يفضلها على كثير من المدن ويقول إنها معينة على طلب الحلال ولم يزل بها يزداد حاله رفعة على مر الليالي وترد عليه الوفود وذوو الحاجات من الآفاق ويخبر بالغيوب إلى أن وشي به بعض علماء الظاهر إلى السلطان يعقوب المنصور وقال أنه يخاف منه على دولتكم فان له شبها بالمهدي وأتباعه كثيرين في كل بلد فوقع في قلبه وأهمه شأنه فبعث إليه في القدوم عليه ليختبره ...» (33)
ـ اتخذت التصفيات السياسية والوظائفية في أحيان كثيرة صفة الاتهامات الدينية والنبز والنميمة في العقائد والمذاهب وأحيانا صفة الوشاية والاتهام بالعمالة للأعداء والطعن في النسب
ـ انعدام الفضاء السياسي الذي تصنعه القوى المختلفة والتي تقوم قوتها على قدرتها على الاستقلال الاقتصادي وقدرتها على المغالبة والمعارضة ,حيث ظلت السلطنة تحتل الفضاء ذاك فلا سبيل للمعارض إلا الثورة أو الانحياز للقوى السياسية الخارجية الممثلة بالدويلات المتصارعة, يعني هذا لا سبيل أمامه للمكث بالبلد إذا رغب في أن يظل حيا , فالحلول والمخارج لطلاب المعارضة مغلقة بفعل طبيعة الواقع المختزل في قوة وحيدة هي قوة السلطان ، أو الجنوح للإقامة لدى القبائل البدوية التي حافظت على استقلالها في مضاربها كما فعل ابن خلدون.
المجال الثقافي ـ الاجتماعي
إن الوضعية الحرجة التي استمر عليها الوضع السياسي في بلاد المغرب والتي تجلت في التعاقب السريع للدول التي حكمت المنطقة أفرزت عدة مظاهر ثقافية واجتماعية تخص المؤسسات الثقافية المختزلة في أعلامها أورد بعضها كما يلي :
ـ تصفية الاتجاهات الفكرية الإسلامية الأخرى غير السنية الأمر بدأ قديما منذ رحيل الفاطميين إلى مصر وتكريس المذهب المالكي رغم أن الدولة الرستمية شهدت تعايشا سلميا بين هذه الاتجاهات في ظل حكمها القصير وكانت دولة الأدارسة برغم تمذهبها عقديا بالمذهب الزيدي كمذهب شيعي معتدل يعتبر الأقرب إلى السنة إلا أن المذهب الفقهي الذي سادها هو المذهب المالكي ولعل مهدوية ابن تومرت ميراث شيعي انحدر من الأدارسة بوصفهم علويين أشراف ، أما ظاهرية ابن حزم التي قامت كإيديولوجية بمواجهة باطنية الشيعة الفاطميين فقد ووجهت من طرف ابن العربي المالكي بنقدية شرسة حيث حط على أبي محمد بن حزم في كتاب " القواصم والعواصم " وعلى الظاهرية، فقال : هي أمة سخيفة، تسورت على مرتبة ليست لها، وتكلمت بكلام لم نفهمه ، تلقوه  من إخوانهم الخوارج حين حكم علي - رضي الله عنه - يوم صفين، فقالت، لا حكم إلا لله. وكان أول بدعة لقيت في رحلتي القول بالباطن، فلما عدت، وجدت القول بالظاهر قد ملا به المغرب سخيف كان من بادية اشبيلية يعرف بابن حزم، نشأ وتعلق بمذهب الشافعي، ثم انتسب إلى داود، ثم خلع الكل، واستقل بنفسه، وزعم أنه إمام الأمة يضع ويرفع، ويحكم ويشرع، ينسب إلى دين الله ما ليس فيه، ويقول عن العلماء ما لم يقولوا تنفيرا للقلوب منهم وخرج عن طريق المشبهة في ذات الله وصفاته، فجاء فيه بطوام، واتفق كونه بين  قوم لا بصر لهم إلا بالمسائل، فإذا طالبهم بالدليل كاعوا ، فيتضاحك مع أصحابه منهم، وعضدته الرئاسة بما كان عنده من أدب، وبشبه كان يوردها على الملوك فكانوا يحملونه، ويحمونه... ). ويعلق الذهبي على مقالة ابن العربي : ( ... لم ينصـف القاضي أبو بكر - رحمه الله – شيـخ أبيه في العلم، ولا تكـلم فيه بالقسط، وبالغ في الاستخفاف به، وأبو بكر فعلى عظمته في العلم لا يبلغ رتبة أبي محمد، ولا يكاد، فرحمهما الله وغفر لهما ...) (34)
ـ إن الفقهاء كمؤسسة اجتماعية ـ سياسية تتجاوز مجرد كونهم مجموعة أفراد تشكيلة لها مصالحها ومبررات وجودها ودورها ووظيفتها وتأثيرها وحضورها في الواقع . و كمؤسسة تخضع من داخلها لجدلية الصراع الذي يأخذ أشكالا حادة أو غير حادة من أجل امتلاك سلطة المجال والاختصاص لذلك لم نعدم ظواهر سيكولوجية جرت بين أعلامها كالحسد والنميمة والوشاية بين العلماء والرغبة في الإيقاع بالكبار وإحراجهم أمام الملوك والسلاطين
ـ الاحتكام إلى السلطة والسلطان في فض النزاعات العلمية ، والاستقواء بالحكام في تصفية المخالفين ، وقد تعرض الشريف التلمساني رغم علمه ونسبه  الذي يتصل بالرسول صلى الله عليه و اله وسلم للوشايات الحاسدة لا لشيء إنما لأنه: « ...انتفع الطلبة به ما لم ينتفعوا بأحد مثله في مصر من الأمصار في زمانه وعصره ، حسده بعض أصحابه من فقهاء فاس وسعى به        للسلطان أبي عنان ونسبه إلى عدم التبحر في الفقه. ...» (35) .
ـ لقد اعتاش العلماء تحت كنف السلطان بالجرايات والمرتبات والاقطاعات والعطايا والهبات عبر الوظائف القضائية والسياسية والتعليمية وتنافس أغلبهم على تحصيل مكان ومكانة في حاشية السلطان وما كان غير ذلك ممكنا ، إذ لاشيء يحميهم من غائلة الأيام إذا غضب السلطان ، حيث لا وجود لمؤسسات قوية تصنع التوازن في السلطة العامة وتمتلك القدرة على الضغط على السلطة القائمة لو أرادت الإيقاع بأحد العلماء ، فكان الإمام أبو إسحاق التنسي مكرما عند الملوك وكان أخوه أبو الحسن التنسي معظم عند الملوك والعامة وقد تصرف في الرسالة بين ملوك المغرب والمشرق الأمر الذي ورطه في مشاكل مع ملوك تلمسان فاضطر إلى الرحيل إلى المغرب لدى بني مرين(36)  
ـ ارتباط مصالح العلماء والمتعلمين في ضمان معاشهم بالسلطان في إطار اقتصادي عام هو الاقتصاد المؤسس على الغزو واستعمال القوة العسكرية وليس ذلك القائم على العمل في الأرض النابع من جدل الإنسان والطبيعة . يعني ارتباطهم بالوضع القائم وحيث لا سبيل إلى الحرية إلا من خلال التزام الزهد والتقشف التام والاكتفاء بالقليل في المعاش . وقد كان الشريف التلمساني : « ... لا تعدل الدنيا عنده شيئا يتباعد عن الملوك مع إقبالهم عليه وحرصهم على تقريبه ورفعته ما تولى لهم أمرا من أمور الدنيا ..وكان السلطان أبو سعيد يحبه حبا عظيما ولا يخاطبه الا بسيدي ولما انحل نظام ملكه عرض عليه وديعة فامتنع بالكلية فأودعها عند غيره وأشهده عليها ولما ملك أبو عنان رفع له الأمر فوجه إليه فيه وعاتبه عتابا شديدا حين لم يرفع الأمر إليه وأمر بتقريبه ورفعه على العلماء فأجابه بقوله’’: أنما عندي شهادة فلا يجب علي رفعها بل سترها وأما تقريبك إياي فقد ضرني أكثر مما نفعني ونقص به ديني وعلمي. ,, وشدد القول على السلطان فغضب لذلك وأمر بسجنه  ثم ورد شيخ غريب من افريقية فسأله عما يقال فيه بافريقية فقال خيرا غير أنهم سمعوا بسجنك عالما شريفا كبير القدر فلامك فيه الخاصة والعامة فأمر بإطلاقه ...» (37) « ... كان قوي اليقين طاهر النفس عن رذيلة الطمع لا يشغله أمر الرزق عن علم ولا عمل يجلس عند الملوك في أرفع مجالس ينصتون له فيقيم الحق لا يسألهم حوائج نفسه ولا يخاطبهم الا بما يسوغ شرعا  .. وكان يحضر مجلسه كبير من وزراء الدولة لطلب العلم فمال يوما على بعض الأئمة فنظر إليه نظرة غضب وعنفه وشدد عليه فسكت الوزير ... » (38)
« ... وتأسف الملك لموته وأرسل لولده الفقيه عبد الله وأكرمه وقال مات أبوك لي لأنني أباهي به الملوك...» (39). وجاء في ترجمة أبو زيد بن الإمام : كان من العلماء الذين لا يخشون في الله لومة لائم(40) وقد كان الشيخ عبد السلام التونسي لا تأخذه في الله لومة لائم يلبس الصوف ويأكل الشعير من حرث يده والسلاحف البرية (41) 
ـ عجز الفقهاء عن التحول إلى مؤسسة سياسية مستقلة تمتلك القوة بمواجهة نزوات السلاطين والملوك و تهافت جلهم على الاقتيات من موائدهم وطلب خدمتهم الأمر الذي عرض كثيرا منهم للمحن والتضييق والعزل المذل من مناصبهم . يتضح من النص التالي في ترجمة المقري : « ... كان يقرأ بين يدي السلطان أبي عنان صحيح مسلم بحضرة أكابر الفقهاء وخاصتهم فلما وصل إلى حديث الأئمة من قريش قال الناس إن أفصح بذلك استوغر قلب السلطان وان ورى وقع في محظور فجعلوا يتوقعون له ذلك فلما وصل إلى الأحاديث قال بحضرة السلطان الأئمة من قريش ثلاثا وغيرهم متغلب ثم نظر إلى السلطان وقال : لا عليك فان القرشي الآن مضنون أنت أهل للخلافة إذ توفرت فيك بعض الشروط والحمد لله ، فلما انصرف إلى منزله بعث له السلطان ألف دينار ...» (42)وقد تعرض المقري للعنت والوشاية لأنه لم يكن يقوم لمزوار الشرفاء بفاس حتى اضطر إلى الدفاع عن نفسه مستعصما بشرف العلم المتحقق بخلاف شرف النسب الذي لا يمكن التحقق منه (43). وقد فر الأبلي من تلمسان إلى فاس لما أراد أبو حمو إكراهه على العمل(44). ولقي أبو عبد الله بن مرزوق الخطيب عنتا وامتحن وغرب رغم خدمته للسلطان ورغم ما لحقه من بعض الطعن في دخوله في أمر السلطنة وقد وصفه ابن خلدون بأنه  : «... ذو وجاهة عند السلاطين نبذ طريق أبيه وجده ظهريا وخدم الملوك من بني مرين فرأس عند السلطان أبي سالم منهم رياسة كبرى وامتحن بعدها وغرب ... »(45).و جاء في ترجمة أبي عبد الله بن الحجام أنه  لقي حضوة لدى المنصور و الناصر والمستنصر الموحديين فكان يتصدق بما يحسنون به إليه ويجهز ضعيفات البنات(46) .
لكن هذا التوصيف لا ينفي بعض المواجهات الحادة التي خاضها بعض العلماء من قضاة ومفتين وغيرهم في وجه المتعسفين من خادمي السلطنات منهم أبو إسحاق بن اللجام . وقد أورد يحي بن خلدون في ترجمته أن رجلا من خدام المملكة استنقصه بنسبته إلى لجام فقال اللهم أره عزة الشرع فبعد ثلاث جيء به سكران فأقام عليه الحد (47) ووقف الفقيه أحمد بن عثمان القيسي موقفا صارما حيال المستنصر لما طلب منه الشهادة بصلاح العهد الذي عقده مع الفرنسيين سنة 668 هـ من حيث نفعه للملمين فامتنع عن الشهادة متذرعا بانتفاء التخصص  ، وقد وصف بأنه كثير الانزواء محبا للخمول ، عرض عليه قضاء حاضرة افريقية فتمنع وطلبه المستنصر للقاء فاعتذر وقال لا أصلح لذلك لعدم معرفتي بلقائهم فطلب المستنصر أن يصل إلى منزله بنفسه فاستعفى من ذلك(48)  
ـ القلة من العلماء الذين اهتموا بالعلوم العقلية لم يتجهوا للإبداع والتفكير الحر بقدر تطبيق آلية التكرار والشرح على أعمال ابن سينا وعلى المنطق خصوصا أو قطاع الإلهيات والتصوف في فلسفته وتكرار آراء الجويني الكلامية أو الرازي . كذا تكريس التقليد المذهبي في أضيق حدوده لحد امتلاء كتب النوازل بمسائل تدور حول قضايا تفصيلية كلها تكر التحذير من الخروج عن المذهب المعتمد بحيث ندر الاجتهاد فداخل المذهب الواحد فضلا عن الاجتهاد المطلق فلم يعرف عن عالم من العلماء دعواه الاجتهاد خلا ابني الإمام عبد الرحمن ويحي ، وقد ذكر المقري في ترجمتهما وكان أبو زيد و أخوه أبو موسى يذهبان إلى الاجتهاد ويتركان التقليد. (49)  إضافة إلى أسماء أخرى قليلة العدد تبدو كجزر متنائية في بحر التقليد مثل قاسم بن سعيد العقباني الذي وصف بأنه بلغ رتبة الاجتهاد وله اختيارات خارجة عن المذهب نازعه فيها كثير من علماء عصره كابن مرزوق  وقال فيه القلصادي : العديم النظراء والأقران المرتقي ذروة الاجتهاد بالدليل والبرهان.
وقد انتبه ابن خلدون لهذه الوضعية الثقافية في عصره فقال بصدد حديثه في علم الخلافيات وأما المالكية فالأثر أكثر معتمدهم وليسوا بأهل نظر. وأيضاً فأكثرهم أهل المغرب، وهم بادية غفل من الصنائع إلا في الأقل.
ـ هشاشة المؤسسة الثقافية وشكوى العلماء من تدني مستوى التعليم ولقد اشتكى الأبلي من فساد العلم وعزاه إلى كثرة التآليف والمدارس لأن التأليف نسخ الرحلة التي هي أصل جمع العلم لأن العناية على قدر المشقة أما البناء فلسبب قصد الطلبة المدارس من أجل الجرايات والأرزاق والمقرئين يعينهم أهل الرئاسة ممن يرضونهم ويصرفونها عن أهل العلم حقيقة الذين لا يدعون إلى ذلك وإذا دعووا لم يجيبوا وإذا أجابوا لم يوفوا لهم بما يطلبون من غيرهم   قال المقري : « ...لقد استباح الناس النقل من المختصرات الغريبة أربابها .. ثم تركوا الرواية فكثر التصحيف وانقطعت سلسلة الاتصال فصارت الفتاوى تنقل من كتب من لا يدري ما زيد فيها مما نقص منها لعدم تصحيحها وقلة الكشف عنه ثم انضاف إلى ذلك عدم الاعتبار بالناقلين فصار يؤخذ من كتب المسخوطين كما يؤخذ من كتب المرضيين بل لا تكاد تجد من يفرق بين الفريقين فاقتصروا على حفظ ما قل لفظه ونزر حظه وافنوا أعمارهم في حل لغوزه وفهم رموزه ومطالعة تقييدات زعموا أنها تستنهض النفوس فبينما نحن نستكبر العدول عن كتب الأئمة إلى كتب الشيوخ أتيحت لنا تقييدات للجهلة بل مسودات المسوخ فان لله وإنا إليه راجعون... ».(52)  وقد أثار ابن عرفة مسألة الأجر في حديث أو علم ينتفع به فقال : إنما تدخل التآليف في ذلك إذا اشتملت على فواد زائدة وإلا فذاك تحسين للكاغد ويعني بالفائدة الزيادة على ما في الكتب السابقة عليه وإما إن لم يشتمل الا على نقل ما في الكتب القديمة فهو الذي فيه تحسين للكاغد وهكذا كان يقول في مجالس التدريس أنه إن لم يكن في مجلس الدرس التقاط زيادة من الشيخ فلا فائدة في حضور مجلسه بل الأولى لمن حصلت له معرفة الاصطلاح والقدرة على فهم ما في الكتب أن ينقطع لنفسه ويلازم النظر ونقل المقري عن الونشريسي شكواه : «...الإمام أبي عبد الله بن عرفة، أسكنه الله دار السلام، وعلى تآليفه، لاسيما مختصره الفقهي، الذي أعجز معقوله ومنقوله الفحول، خلافا لبعض القاصرين من طلبة فاس، فأنهم يقولون: ما يقول شيئاً، يطفئون نور الله، ويحتقرون ما عظم الله، ومستندهم في ذلك بزعمهم حكاية تؤثر عن الشيخ المحقق أبي العباس القباب، لا رأس لها ولا ذنب، وحاشاه من ذلك، وما أراهم في هذا إلاّ كما قال الأول:
و كم من غائب قولا صحيحا       و آفته من الفهــم السقيم
و لقد حبس ملوك المغرب، رضوان الله عليهم، بخزانتي القرويين والأندلس، من هذا الديوان المبارك نسخا عديدة، ثم لا يعرج عليها للمطالعة في هذا الوقت أحد من طلبة الحضرة، شتاء ولا صيفا، فأنا لله وأنا إليه راجعون، بخلاف ما قيد عن الشيخ الجزولي، وأبي الحسن الصغير، فإنك تجدهم يزدحمون عليها في كل زمان، وخصوصا فصل الشتاء، لا يلحق الآخر منها ورقة واحدة، مع كثرة عددها بحيث ذكر، بل تجدهم يتنافسون في اقتنائها، بالأثمان العظيمة المجحفة، ومن ملك منهم المسبع من الجزولي، وتقييد اليحمدي، وحائر مذهب إمام دار الهجرة على التمام، والقائم بأمره. ولقد كان الحسن المغيلي عندهم في أعلى طبقة من الفقه والتفقه، لقيامه على مسبع الجزولي نقلا، ولقد شاهدتهم يتساقطون كالفراش، على نسخة من الجزولي بجزالة القروين، وزعموا أنها بخط أبي الحسن المذكور، وهي مشحونة بالتصحيف، تعمى البصر والبصائر، نور الله قلوبنا بذكره، وعمر ألسنتنا بشكره، ووفقنا لمّا فيه رضاه عنا .. »
محصلات التحليل :
نخلص في نهاية التحليل إلى عدة نتاج أهمها :
ـ لم يكن للفلسفة إمكانية النهوض والانتشار في ظل وضعية سياسية واجتماعية واقتصادية مضطربة وفي ظل اهتزاز دائم في بنيان الدولة والمجتمع ، إذ أن استمرار الاضطرابات سحبت من تحتها إمكانية التراكم الذي يغذيها ويطورها .
ـ لا نلحظ فيما وصلنا من نصوص تتحدث عن إنتاج العلماء والمهتمين بالمعقول والتعاليم أي إبداع فلسفي خالص , لأن الممارسة الفلسفية الحقيقية شبه منعدمة لاستحكام قبضة النظام الثقافي التقليدي, ثم لأن أي ممارسة فلسفية بمعنى التحرر الثقافي غالبا ما يرتبط وصفها في النصوص بالانحلال الأخلاقي الذي وصم بالزندقة, ثم أن الفلسفة لم تجد لها وظيفة اجتماعية تؤسسها كالذي حصل في العالم الأوربي لما تبنتها الطبقة البورجوازية الصاعدة والتي كانت مضطرة بسبيل الإعلان عن ذاتها وفرض وجودها إلى تقويض بناء العالم الوسيط الإقطاعي بتأسيس ثقافة جديدة أتاح لها هذا الرهان الارتباط البنيوي والمصلحي بحركة العلم الصاعدة, والملاحظ أن غالبية الذين عرفوا باهتماماتهم الفلسفية في المغرب والمشرق الإسلامي ينحدرون في العادة من علم الطب فجلهم أطباء وتعليل ذلك هو أن الطب هو العلم الذي يقوم على الممارسة العقلية والتجريبية المتحررة من أي توجيهات عقدية أو مذهبية ثم هو بطبيعته كضرورة يملك المشروعية الدينية . وقد نبه ابن رشد إلى أن علم التشريح يزيد المرء إيمانا ثم إن ممارسة الطب لا غنى عنها في أي مجتمع ولا لأي إنسان
ـ افتقاد الثقافة لموضوع التفكير في السياسة من خلال المفاهيم التجريدية, الأمر الذي نجد خلافه في العالم الغربي في جهود مونتيسكو وروسو وفولتير وجيبون والموسوعيون كديدرو ومن سبقهم حيث دشن المفكرون التفكير في السلطة والدولة والقانون وبحوث العقد الاجتماعي ولم يكن بحثهم ممكنا لو لم تسبقه الجهود العلمية والفلسفية التي ارتبطت بالبورجوازية كقوة اقتصادية اجتماعية تطلب وجودا سياسيا
ـ لم تكن التعاليم والعلوم العقلية حتى لدى المشتغلين بها عدا ممارسة معزولة عن الواقع ولم يكن النشاط ذاك تفكير في الواقع ونظر في الأوضاع بقدر ما كان ممارسة تشبه غيرها من الممارسات الأخرى كعلوم النحو واللغة والعلوم الدينية ، تدبر في النصوص والمقولات لا تدبر في الواقع وتحليله, فلم تصلنا أي نصوص منهم تنم عن إرادة في التفلسف من قبيل الذي حصل في العالم المسيحي ، فالتفكير في الواقع انحصر في علم الفقه في قطاع النوازل وهي إجابات فقهية حول أحداث ووقائع يراد الحكم فيها دونما سبر لمفهومها كظواهر  ، فطبيعة العقل الإسلامي السائد طبيعة نصية تتعاطى مع العلم بوصفه خدمة للنص وبالتالي وقع في أسر آليات المناهج اللسانية ولذلك تطورت العلوم التي تقوم بخدمة النص, أما العقل الذي يشتغل على الواقع وسنن التاريخ فظل منكمشا . بل جرت مقاربات للواقع من خلال النصوص لا من خلال المواجهة العلمية المباشرة معه والتي تنتج العلوم الطبيعية 
ثم إن بعضا من المشتغلين بالعلوم العقلية اندرج نشاطهم في السياق العام للتصوف ومعالجة المشكلات الروحية انشغالا بأمور لا تتصل بالتاريخ وعالم الأرض والمجتمعات.

الهامش :
1- ابن خلدون : المقدمة ، ط 1 ، دار الفكر ، بيروت ، سنة 2004 ، ص ص : 554 ـ 555
2-أبو الحسين بن علي المسعوديّ : مروج الذهب و معادن الجوهر ، د ط ، موفم  للنشر ، الجزائر ، سنة 1989 ، ج 3، ص :236
3-المصدر نفسه ، ج 4 ، ص ص : 20 ـ 22  
4-محمد أركون :  نافذة على الإسلام ، ترجمة صياح الجهيم ، ط 1 ، دار عطية للنشر ، بيروت ، د ت ، ص ص : 125 ـ 126
5-ابن خلدون : المقدمة ، المصدر السابق ، ص: 519 ـ 520
6-أبي العماد الحنبلي : شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، دار الكتب العلمية ، بيروت  ، ج1 ص : 255
7- ابن خلكان : وفيات الأعيان بأخبار أبناء الزمان ، ت إحسان عباس ، د ط  ، دار الثقافة ، بيروت ، سنة 1968 ،ج 2 ، ص : 144
8--الذهبي : سير أعلام النبلاء ، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرون ، ط 9 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ،سنة 1413 ،  ج 21 ، ص : 208
9- السبكي أبو نصر: طبقات الشافعية الكبرى ، تحقيق محمود الطناحي ، ط2 ، ج1 ، هجر للطباعة والنشر ، الجيزة  ، سنة 1992 ، ص : 286
10-محمد بن أبي يعلى : طبقات الحنابلة ، تحقيق محمد حامد الفقي ، د ط ،  دار المعرفة ، بيروت ، د ت ،  ص : 278
11-الذهبي : السير ، المصدر السابق ،  ج 14 ، ص : 280
12-السبكي : المصدر السابق ، ج8 ، ص : 218
13- العسقلاني ابن حجر : الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ، ط2  ،  ج5 ، تحقيق محمد عبد المعيد خان ، مطبعة مجلس دائر المعارف العثمانية ، الهند ، سنة 1972 ، ص : 173 ،
14-الشوكاني : البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ، د ط ، دار المعرفة ، بيروت ، ج 1 ، ص : 69
15-جورج طرابيشي : وحدة العقل العربي الإسلامي ، ط 1 ،  دار الساقي ، بيروت ، سنة 2002 ،  ص : 150
16- المقري أحمد بن محمد: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ، تحقيق إحسان عباس ، د ط ، ج 1 ، دار الصادر ، بيروت ، سنة 1968  ص : 221
17-طرابيشي : المرجع السابق ، ص : 169
18-المرجع نفسه ، ص : 149 
19-ابن أبي أصيبعة : عيون الأنباء في طبقات الأطباء ، تحقيق نزار رضا ، د ط ،  مكتبة الحياة ، بيروت ، د ت ، ص : 515
20-الفتح بن خاقان :  قلائد العقيان  ، د ط ، مطبعة التقدم العلمية القاهرة ، 1320 ، ص : 313
21-عبد الواحد المراكشي : المعجب في تلخيص أخبار المغرب ، تحقيق محمد سعيد العريان ،  ط 1 ، مطبعة الاستقامة ، القاهرة ، سنة 1368 هـ  ، ص : 278
22-ابن أبي أصيبعة : المصدر السابق ،  ص : 531
23-المصدر نفسه ، ص : 523
24-الذهبي : تاريخ الإسلام ، ج 6 ، ص : 250
25-مقدمة ابن خلدون - (ج 1 / ص 292)
26-يحي بن خلدون :بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد ، د ط، ج1 ، تحقيق عبد الحميد حاجيات  المكتبة الوطنية الجزائر ، سنة 1980 ، ص: 120
27-ابن مريم : البستان ، المصدر السابق ، ص : 175
28-المصدر نفسه ، ص : 215 ، ابن حجر العسقلاني : المصدر السابق ،  ص : 13  ، يحي بن خلدون : 29-المصدر السابق ، ص 120
30-ابن مريم : المصدر نفسه ، ص :191
31-المصدر نفسه ، ص : 148
32-المصدر نفسه ، ص : 221
33-يحي بن خلدون : المصدر السابق ، ص 119
34-الغبريني : عنوان الدراية في من عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية ، تحقيق رابح بونار ، ط2 ، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ، الجزائر ، سنة 1981 ، ص : 69
35-ابن خلدون : التاريخ ، ج1 ، ص ص : 32 ـ 33
36-ابن خلدون : المقدمة ، ص : ( ... وكان المسلمون لعهد الدولة الإسلامية قد غلبوا على هذا البحر من جميع جوانبه، وعظمت صولتهم وسلطانهم فيه، فلم يكن للأمم النصرانية قبل بأساطيلهم بشيء من جوانبه، وامتطوا ظهره للفتح سائر أيامهم، فكانت لهم المقامات المعلومة من الفتح والغنائم، وملكوا سائر الجزائر المنقطعة عن السواحل فيه، مثل ميورقة ومنورقة ويابسة وسردانية وصقلية وقوصرة ومالطة وأقريطش وقبرص وسائر ممالك الروم والإفرنج. وكان أبو القاسم الشيعي وأبناؤه يغزون أساطيلهم من المهدية جزيرة جنوة فتنقلب بالظفر والغنيمة. وافتتح مجاهد العامري صاحب دانية من ملوك الطوائف جزيرة سردانية في أساطيله سنة خمس وأربعمائة، وارتجعها النصارى لوقتها. والمسلمون خلال ذلك كله قد تغلبوا على كثيبر من لجة هذا البحر، وسارت أساطيلهم فيهم جائية وذاهبة، والعساكر الإسلامية تجيز البحر في الأساطيل من صقلية إلى البر الكبير المقابل لها من العدوة الشمالية، فتوقع بملوك الإفرنج وتثخن في ممالكهم، كما وقع في أيام بني الحسين ملوك صقلية القائمين فيها بدعوة العبيديين، وانحازت أمم النصرانية بأساطيلهم إلى الجانب الشمالي الشرقي منه، من سواحل الإفرنجة والصقالبة وجزائر الرومانية لا يعدونها. إذا أدرك الدولة العبيدية والأموية الفشل والوهن، وطرقها الاعتلال مد النصارى أيديهم إلى جزائر البحر الشرقية مثل صقلية وإقريطش ومالطة، فملكوها. ثم ألحوا على سواحل الشام في تلك الفترة وملكوا طرابلس وعسقلان وصور وعكا، واستولوا على جميع الثغور بسواحل الشام، وغلبوا على بيت المقدس وبنوا عليه كنيسة لإظهار دينهم وعبادتهم، وغلبوا بني خزرون على طرابلس، ثم على قابس وصفاقس ووضعوا عليهم الجزية، ثم ملكوا المهدية مقر ملوك العبيديين من يد أعقاب بلكين بن زيري، وكانت لهم في المائة الخامسة الكرة بهذا البحر. وضعف شأن الأساطيل في دولة مصر والشام إلى أن انقطع، ولم يعتنوا بشيء من أمره لهذا العهد، بعد أن كان لهم به في الدولة العبيدية عناية تجاوزت الحد كما هو معروف في أخبارهم. فبطل رسم هذه الوظيفة هنالك، وبقيت بإفريقية والمغرب فصارت مختصة بها. وكان الجانب الغربي من هذا البحر لهذا العهد موفور الأساطيل ثابت القوة، لم يتحيفه عدو، ولا كانت لهم به كرة. فكان قائد الأسطول به لعهد لمتونة بني ميمون رؤساء جزيرة قادس، ومن أيديهم أخذها عبد المؤمن بتسليمهم وطاعتهم، وانتهى عدد أساطيلهم إلى المائة من بلاد العدوتين جميعاً ...)
37- المديوني ابن مريم : البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان ، د ط ، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ، د ت ص : 113 ، الناصري : الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ، تحقيق جعفر الناصري وآخرون ، ط1  دار الكتاب ، الدار البيضاء ، سنة1997 ، ص : 213
38-الزركلي : الأعلام ، ج 3 ، ص : 66
39-الذهبي : سير أعلام النبلاء ، ج 18 ، ص : 190
40- المديوني ابن مريم : المصدر السابق ، ص : 173
41- بن خلدون يحي : المصدر السابق ، ص :114 ، راجع ترجمة أبو عبد الله بن مروان ، أبو عبد الله بن عيسى ، أبو عبد الله بن عبد الحق في المصدر ذاته
42-المصدر نفسه  ، ص ص : 175 ـ 176
43-المصدر نفسه ، نفس الصفحة
44-المصدر نفسه ، نفس الصفحة
45-المصدر نفسه ، ص : 124 ، الإحاطة في ترجمة المقري
46-يحي بن خلدون : المصدر السابق ، ص :125
47-المصدر نفسه ، ص : 163
48-المصدر نفسه ، ص : 162
49-المصدر نفسه ، ص : 215



  ~~~~~~~~~~ أ./ عبد الحميد العابد*


*  أستاذ مساعد ، قسم التاريخ  - جامعة واد السوف

0 التعليقات:

إرسال تعليق

||

أرسل أسئلتك في رسالة الآن هنا

http://abdenour-hadji.blogspot.com/

عنواني على الفايس بوك:

قناتي على اليوتوب

أعلن معنا... إعلانات الآن هنا ...



Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More