**الســلام عليكـم**

ابحث عن موضوعك في موقعي هنا

ترجمة/Translate

الجمعة، 8 فبراير 2013

اللاجئون الاسبان 1939-1962م


 

إن تتبع الأحداث الهامة التي ميزت الضفة الغربية للبحر المتوسط و العالم في فترة الثلاثينات من القرن العشرين يبرز بجلاء أهمية الموقع الاستراتيجي للجزائر في المنطقة – بغض النظر عن ظروف الاستعمار-  من خلال دورها  الفاعل و المؤثر و المتأثر في نفس الوقت.
إن المأساة الاسبانية التي اندلعت سنة 1936 تأثرت أيما تأثر بالجزائر، من خلال الدور الذي لعبه ميناء وهران بتموين اسبانيا بمختلف السلع طيلة فترة الحرب-  رغم الطوق البحري الذي كانت تفرضه الدول الكبرى على اسبانيا -، كما انقسم المعمرون من الأصل الاسباني في وهران في جمعهم للتبرعات  و تجنيد المتطوعين بين طرفي النزاع ، و ما إلى ذلك من أوجه الدعم المختلفة (01).
انتهت الحرب الأهلية الاسبانية سنة 1939 إلا أن الجزائر وجدت نفسها من جديد طرفا في مأساة أخرى للاسبان تلت نهاية تلك الحرب بحيث باتت الوجهة المفضلة لعدة آلاف من اللاجئين، بعد أن خسروا في مواجهتهم العسكرية ضد الجنرال فرانكو المدعم بعشرات الآلاف من الجنود المغاربة و الايطاليين و الألمان. في حين نسجل غياب شبه كلي للجزائريين من الأهالي في تلك الحرب، ماعدا بعض الحالات القليلة و المنعزلة شاركت في صفوف الجمهورية ضمن قوات الألوية العالمية، أما مشاركة سكان الجزائر من أوربيي مدينة وهران وحي باب الواد بالعاصمة بالخصوص إلى جانب الجمهوريين فهذا موضوع آخر.
فضل هؤلاء اللاجئون الموانئ الجزائرية بعد أن أصبحت السواحل المغربية الشمالية ممنوعة عليهم ،بحكم سيطرة الوطنيين الاسبان عليها منذ جوان 1936 كما أن السواحل التونسية بعيدة المسافة.
إن اللاجئين الاسبان وهم بين 12 ألف  و 20 ألف لاجئ اختاروا السواحل الجزائرية و خاصة ميناء وهران(02) لأسباب جغرافية ممثلة في قرب المدينة من سواحل قرطاجنة ،اليكونت و فالانس الاسبانية ،و لكن كذلك لظروف تاريخية و بشرية بحكم أن أكثر من نصف سكان المدينة الأوربيين هم  من أصل اسباني.
إن و صول هؤلاء اللاجئين الاسبان  إلى الجزائر تم في ظروف صعبة بسبب عدم رغبة السلطات الفرنسية في استقبالهم، و هي تحتفل بانتصارات الجنرال فرانكو كما حدث مع رئيس بلدية وهران )غابريال لامبار(.كما أن نفس تلك السلطات تركت الآلاف من اللاجئين على متن السفن لعشرات الأيام في ظروف غير لائقة مما كاد ان يؤدي إلى كارثة إنسانية لولا تدخل بعض الهيئات الدولية الحكومية و الغير حكومية. كما أن تلك السلطات لم تحضر لاستقبالهم أي منشات ، و اكتفت بإرسالهم إلى مخيمات أقيمت على عجالة في محافظة وهران  في الغرب  و محافظة الجزائر في الوسط التي كانت مدينة الشلف حاليا جزءا منها، بل و امتد احتجازهم إلى المدية و الجلفة وحتى إلى بشار و عين أمقل بالصحراء بالنسبة لأخطر العناصر(03).
إن الأهالي رغم ظروفهم الاقتصادية و الاجتماعية الصعبة لم يتخذوا من هؤلاء اللاجئين الاسبان موقفا عدائيا لا على مستوى الطبقة السياسية و لا على مستوى عامة الأهالي ، وهذا ما ترك انطباعا حسنا لدى اللاجئين ممن دونوا شهاداتهم و مواقفهم و اخص بالذكر)ميغال مارتيناز لوباز( و )ماكس أوب(الذي كتب قائلا:" إذا كان الدين قد فرقنا فان الحقد المشترك على السياسة الاستعمارية وحدنا "، و في ذلك إشارة إلى ظروف الاحتجاز في الصحراء   و إلى استغلالهم في الأعمال الشاقة في ظروف فوق ما يمكن للبشر تحملها .
بعد  غلق مخيمات اللاجئين  اثر نزول الحلفاء بالجزائر، عملت الإدارة الاستعمارية على إيجاد آليات لمنع احتكاك هؤلاء اللاجئين بالأهالي لما قد يشكله ذلك من خطر على المصالح الفرنسية في المستعمرة ،لأنهم كانوا حاملين وقت و صولهم للجزائر لأفكار ثورية و تحررية في معظمهم.
1-اللاجئون الاسبان في الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية
     لقد علق اللاجئون الاسبان آمالا كبيرة على الحلفاء لتخليصهم من الجنرال فرانكو مع نهاية الحرب العالمية الثانية ، إلا أن ذلك لم يتحقق لأنه لم يكن سوى مجرد حلم حسبما جاء في المقالة التي نشرها José Maria Puyol –و هو احد اللاجئين الاسبان بالجزائر- بعنوان  "  الأحلام تبقى أحلاما إلى الأبد(04)  "كما أن فرحة ميغال مارتيناز لوباز باقتراب العودة إلى اسبانيا وهو يرى المدرعات الأمريكية في الشارع الرئيسي لمدينة Orléansville )الشلف(سنة 1942- و هم في طريقهم إلى أوربا لتخليصها من النازية- لم يكن سوى حلما ايضا.
       لقد أصيب اللاجئون الاسبان في الجزائر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بخيبة أمل كبيرة : فالجنرال فرانكو بقي على رأس اسبانيا  وأملهم في العودة إلى البلاد أصبح بعيد المنال.
   لقد بات بديهيا أن الخلاف الذي كان حاصلا بين التيارات السياسية المختلفة الممثلة للاجئين  قبل نهاية الحرب العالمية، حول قضية من يمثل الجمهورية الجديدة -بعد قضاء الحلفاء على فرانكو حسب تصورهم - و هل يجب إشراك الشيوعيين فيها أم لا و ماهي الأسس التي يجب أن تبنى عليها لم يعد ما يبرره ، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث ، بحيث استمر الصراع بين مختلف الحساسيات السياسية لدى اللاجئين.
       ولعل سبب الخلاف- بغض النظر عن الخلاف التقليدي بين الشيوعيين والفوضويين – هو تقبل بعضهم لفكرة الإتحاد لان الواقع السياسي يفرض ذلك ، في حين أصر آخرون على عدم التحدث عن ذلك مهما كان الثمن، وهذا يعود بنا إلى الصراع الذي حدث في صفوف الجمهوريين في خضم الحرب في برشلونة سنة 1937 ، ويبدو من هذا بان التعايش السياسي مستحيل ليس فقط بين الجمهوريين و الوطنيين بل حتى بين صفوف التكتل الجمهوري خارج أوقات الحرب في ظروف تقتضي الاتحاد ونبذ الخلافات.
        كانت الاجتماعات قبل نهاية الحرب العالمية الثانية تجمع عددا معتبرا من اللاجئين ، إلا أن ذلك العدد تقلص بعد نهاية الحرب وأصبحت الاجتماعات قلما تعقد بل اقتصرت على الاحتفال بالأيام الخالدة للجمهورية كـ 14 أفريل ، وكذا الاحتفال بأيام ميلاد الشخصيات السياسية المؤسسة لها .
        إن الدهاء السياسي الذي أظهره الجنرال فرانكو خلال الحرب العالمية الثانية، بموقفه الحذر من هتلر وموسوليني، وبعد الحرب بظهوره كطرف فاعل في محاربة المد الشيوعي في أوروبا اكسبه ود الدول الغربية الكبرى إلى درجة استفادته من مشروع مارشال الأمريكي على غرار الدول الأوروبية الغربية ، وبذلك خيب آمال خصومه من الجمهوريين .
      شعر اللاجئون الإسبان في الجزائر بالفشل بعد تخلي المجتمع الدولي عنهم بسبب انشغاله بإعادة بناء  ما دمرته الحرب العالمية الثانية، وبإعادة رسم الخريطة السياسية لأوروبا خاصة في ظل الصراع الجديد بين الشرق والغرب في إطار ما عرف بالحرب الباردة ، بل وتخلى عن هؤلاء اللاجئين في الجزائر  حتى ممثلوهم في المكسيك . ويضاف إلى هذا التعب والإحباط السياسي وضعية اقتصادية صعبة قد تكون أصعب من الوضعية في فرنسا ، الأمر الذي تؤكده موجة الهجرة من الجزائر إلى فرنسا بحثا عن العمل حتى في صفوف الأهالي.
        إن هذه الحالة من الإحباط والتعب التي انتابت صفوف اللاجئين لم تقتصر على الجزائر فحسب، بل مست كذلك صفوف اللاجئين من الإسبان في فرنسا بدليل التراجع الكبير في عدد النسخ المطبوعة من صحافة اللاجئين ،الأمر الذي كان يعني زوال فكرة إمكانية تطبيق النظريات الثورية في اسبانيا و بداية فترة أخرى أكثر واقعية
        إن السلطات الفرنسية في الجزائر عرقلت اندماج اللاجئين الإسبان وصعبت عليهم بذلك إمكانية المشاركة في الحياة الاقتصادية ، بحيث إذا استثنينا بعض الحالات الخاصة التي يعتبرميغال مارتينازلوباز واحد منها، وهؤلاء الذين كانوا في مخيم شرشال بين 1941 و 1942 فإن أغلبية اللاجئين الإسبان لم يستفيدوا من حق اللجوء السياسي في الجزائر إلا عشية اندلاع الثورة التحريرية ، لأن السلطات الفرنسية كانت دائما تأمل رحيلهم .
        إن هذه الوضعية السياسية الصعبة والظروف الاقتصادية السيئة دفعت بالعديد من اللاجئين الإسبان إلى مغادرة الجزائر بعد 1945 -بعد أن اقتنعوا بأن النضال من أجل إعادة الجمهورية إلى إسبانيا حلم بعيد المنال - و من الذين فضلوا مغادرة الجزائر : Pedro Harrera  ،   José Maria  PuyolRoque  Santamaria ،  Rodolfo Llopis ،verardini  ، Isabel del Castillo و لقد فضل هؤلاء الاستقرار في فرنسا للاقتراب من اسبانيا في حين فضل كل من Perez BurgosJosé Munoz Congost الذهاب إلى المغرب.
        كما التحق عدد من اللاجئين بعائلاتهم التي بقيت في اسبانيا بعدما سهلت عليهم سلطات فرانكو ذلك بشرط أن لا يكون ماضيهم ثقيلا ، كما دفعهم إلى تلك العودة صعوبة اندماجهم في المجتمع الفرنسي بالجزائر، و بذلك تقلصت دائرة اللاجئين الاسبان في المستعمرة.
كما شهدت الجزائر هجرة من نوع آخر تمثلت في التحاق العديد من العائلات الإسبانية بذويها في الجزائر خاصة ممن وجدوا وضعية مهنية واقتصادية كافية ومستقرة ، ومع ذلك ظلت وضعيتهم العامة أقل بكثير من وضعية المعمرين .
         إلا أن إحصاء الذين هاجروا من وإلى الجزائر بعد الحرب لم تشر إليه المراجع التاريخية  في حين أشارت إلى إحصاء آخر تم سنة 1948 في وهران حيث بين أن عدد اللاجئين الإسبان في المدينة هو نحو 3700 لاجئ(05) ونحو ألفي لاجئ آخرين موزعين على ولايات أخرى وخاصة العاصمة ، وهذا يعني أن ربع اللاجئين الإسبان غادروا الجزائر ليس بالضرورة باتجاه إسبانيا بل معظمهم فضل فرنسا ، كما بقيت لدى آخرين دول أمريكا الجنوبية هي الوجهة المفضلة .
   تبقى تلك الأرقام قابلة للنقاش ما دام الاختلاف في عدد اللاجئين بين المؤرخين كان منذ رسوهم بالموانئ الجزائرية كما سبقت الإشارة إلى ذلك.  
        رغم مغادرة عدد من اللاجئين الإسبان للجزائر، وضعف وتراجع تنظيماتهم السياسية وحصول بعضهم على الجنسية الفرنسية، إلا أن نواة من اللاجئين الاسبان بقيت قائمة في المستعمرة الفرنسية حتى 1962 .
2 . النشاط السياسي للاجئين الاسبان بعد الحرب:
        اثر انتصار قوات الحلفاء على دول المحور في الحرب العالمية الثانية قام بعض المناضلين من اللاجئين الاسبان بدافع الرغبة في الرجوع إلى الوطن، بالدعوة إلى اجتماع كل منظمات اللاجئين الاسبان في الجزائر اعتقادا منهم بان ذلك سيعجل العملية رغم صعوبتها إن لم نقل استحالة ذلك.
وجهت الدعوة إلى كل من :
-الشباب التحرري (FIJL).
-الاتحاد العام للعمال (UGT).
-الحزب الاشتراكي (PSE).
-الفدرالية الفوضوية الأيبيرية (FAI)التابعة للكونفدرالية الوطنية للشغل (CNT).
-الحزب الشيوعي و شريكه سياسيا الشباب الشيوعي(06).
        كان هذا الاجتماع - لم يذكر تاريخه و لا مكانه- فرصة لتأكيد الفرقة و الخلاف حيث فسح فيه المجال لنقاشات مطولة و تدخلات مملة لبعض المناضلين أكدت في معظمها استمرار الخلاف التقليدي بين الشيوعيين و الفوضويين حيث يذكر)بيدرو هاريرا( وهو من اللاجئين المنتمين إلى الكونفدرالية الوطنية للشغل و كان وزيرا للاقتصاد في حكومة نيقران بأنه خلال اجتماع لمجلس الحكومة -في وقت كانت فيه خسائر الجمهوريين هامة في معركة الايبرو- قاطع رئيس الحكومة الذي كان ينوه بالانتصار رغم الهزيمة قائلا: »ما يجب فعله هو استدعاء مجلس الحرب لتحديد المسؤوليات... «فتدخل احد الوزراء الاشتراكيين ويدعى كورد يرو مقاطعا إياه قائلا:  » أنتم عليكم لآخر مرة بطاعة قرارات الحكومة(07) « ، إن هذا يوضح بان الصراع بين التيارين قديم وعلى مستوى عال ، و هو مستمر خارج اسبانيا و في فترة السلم ، حيث يذكر مارتيناز لوباز تدخل احد المناضلين الفوضويين في اجتماع بالجزائر معترضا بقوله:  »مع الشيوعيين أبدا «  (08)
        كانت هذه النقاشات سببا في تجدد الخلاف و الانقسام في صفوف الحركة التحررية مرة أخرى بعد أن استحال الاتحاد بينها رغم حتمية ذلك بحكم الظروف السياسية  و الجغرافية وحتى الاقتصادية.
        إن تأسيس منظمة صداقة اللاجئين الاسبان في إفريقيا الشمالية سنة 1945 لم يغير كثيرا من المعطيات السابقة لان الهدف من تأسيسها ليس محاولة التوفيق بين التيارات - مع أن ذلك شبه مستحيل - وإنما كان الهدف منه منع انفراد أي تيار بتمثيل كل اللاجئين، و لذلك كانت المنظمة مسيرة من قبل ممثلين عن كل التيارات و النقابات دونما استثناء.
        في ظل استحالة الاتحاد سعى كل طرف إلى تنظيم نفسه من جهته بمعزل عن الأفواج الأخرى ،من خلال نشر الدوريات و بث الحملات الدعائية الداعية إلى التفرقة في الغالب ، و زرع العداوة المتبادلة بتغذية الخلافات حتى وصل الصراع إلى درجة الحيوانية، وبلغ عدم التسامح بينهم إلى مستوى غير معقول حيث توقف الأصدقاء ليس فقط على الالتقاء(09) بينهم بل امتنعوا حتى على تبادل التحية ، بل أصبحوا يغيرون الأرصفة لتلافى الالتقاء ببعضهم كما يقول ميغال مارتيناز لوباز.
        شكل )سارفانتاس (حالة خاصة ، حيث ورغم الانشقاق الحاصل اجتمع نحو مائة لاجئ بدعوة من الحركة التحررية الاسبانية في شمال إفريقيا بتاريخ 3 جوان 1945 في المغارة التي يعتقد أن سارفانتاس لجا إليها بعد محاولته للمرة الثانية الفرار من الأسر في الجزائر .
        أثمر ذلك التجمع بوضع جدارية لسارفانتاس(10) بالمغارة المذكورة بتاريخ 18 نوفمبر1945 تحت رعاية والي العاصمة و السلطات البلدية وتجمع بالمناسبة من جديد نحو مائة لاجئ.
        أعيد تشكيل الحزب الاشتراكي PSOE بعد الحرب في الجزائر بقيادة Ildefonso Torregrosa و كان من أهم التيارات من حيث النشاط و عدد المناضلين، الذين بلغوا نحو ألف مناضل(11)و كان من بين الأحزاب القليلة التي استمرت في النضال،حيث عقد مؤتمره الخاص بالعاصمة يومي 11 و 12 جوان 1949.إلا انه بعد هذا التاريخ لم يعد يسمع عنه في الجزائر حسب شهادة خاصة لميقال مارتيناز لوباز(12).
        ثم يليه الحزب التحرري libertario  le partido  الذي كان يضم نحو ألف مناضل بين وهران و العاصمة، و كذا الحزب الشيوعي و حزب الجمهورية الاسبانية. ما تشكلت كذلك التنظيمات الفوضوية CNT و بدأت تجلب إليها عناصر من غير الاسبان.
        لقد منح مرسوم 9 مارس 1945 للاجئين الاسبان الاستفادة من التشريع الدولي لـ 28 أكتوبر 1933 بحيث أصبح التعامل معهم بأكثر ليونة ، لذلك بدأت تظهر عدة جمعيات مثل: le circulo orfeon espagnol  لباب الواد، le cercle cervantes ، واتحاد النساء الاسبانيات...
        كانت كل هذه التيارات تستأجر قاعات المسارح لإقامة التظاهرات السياسية حيث تتدخل شخصيات اسبانية قديمة مثل:Juan Moralesوكيل جمهورية بمدينة اليكانت وLorenzo Carbonell  رئيس بلدية اليكانت، و كان الإقبال الجماهيري على هذه المداخلات كبيرا.
        وبظهور الأحزاب السياسية بدأت تظهر معها أولى الأعداد الصحفية، كان لكل تيار سياسي وسائله الإعلامية المكتوبة كما يلي:
-اصدر الحزب الشيوعي التابع للاجئين الاسبان في الجزائر ثلاث صحف هي:
Espagna Republicana - Espagna Popular- Jeventud de Espagna. ،و أصدرت النقابة العمالية الاشتراكية التوجه UGTالاتحاد العام للعمال جريدة: Socialista.
-أصدرت الحركة التحررية جريدة inquietude Libertarias.
-كما أصدرت  الكونفدرالية الوطنية للعملCNT  جريدة Solidaridad Obrera     و هي جريدة نصف شهرية تحت رئاسة خوسي مينوز كونغوست و كان مارتيناز لوباز احد المحررين بها تحت اسم مستعار هو ميغال لين.
Nervio-  صدرت سنة 1948 من قبل الشباب التحرري FIJLبهدف إبقاء الاتصال بين الشباب التحرري في فرنسا و شمال إفريقيا، و كانت تصدر 3000 نسخة.
        قام اللاجئون الاسبان في الجزائر يوم 8 ماي 1945 بمهاجمة القنصلية الاسبانية العامة بالعصي و إطلاق عيارات نارية و إشعال النيران بها دون أن تتدخل الشرطة(13) مما يوضح سياسة الكيل بمكيالين من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي اثر مجازر سطيف، قالمة ،خراطة و غيرها في حق الأهالي العزل في نفس اليوم.
        لقد تلاشى العمل السياسي للاجئين شيئا فشيئا بسبب معطيات سياسية و إدارية  و سياسية:)الحصول على الجنسية الفرنسية، أو العمل ، أو حق اللجوء السياسي..( و ما يلخص الوضع هو مضمون الرسالة التي أرسلها  )لورانزو كوربونال( من باب الواد الى )ايسبلا(حيث يقول: » أصبحنا ندافع عن حقوقنا و أفكارنا من على طاولات المقاهي(14) « كما أن الحزب الشيوعي الاسباني كان في طريق الزوال لان معظم عناصره غادروا الجزائر باتجاه فرنسا.أما الحزب الاشتراكي فقد تشتت معظم قادته ولذلك فالكثير من أعضائه انضموا إلى وحدات فرنسية للعمل الدولي  SFIO في الخمسينات.
        يذكر ميغال ان التيارات السياسية بدأت تغادر الجزائر حيث جعلت من مدينتي باريس و تولوز بفرنسا مقرا لها في حين بقيت الكونفدرالية الوطنية للشغلCNT.
ورغم كل ذلك فان أمل اللاجئين الاسبان بالجزائر في رحيل فرانكو عن اسبانيا لم يغادرهم، مما يعطي مبررا لبقاء تلك النواة من الجمهوريين على ارض الجزائر حتى الاستقلال.
3 . النشاط الثقافي والإعلامي للاجئين الاسبان في الجزائر بعد الحرب:
        إذا كانت النشاطات الثقافية التي كان يقوم بها اللاجئون الاسبان في المخيمات هي بهدف مكافحة الملل القاتل و الإبقاء على التواصل مع الثقافة الاسبانية وهم في بلاد الغربة، فان دورها اختلف خارج المخيمات و خاصة بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث أصبح الهدف منها هو كسب الجمهور المحلي لقضيتهم و تعريفهم بثقافتهم وهويتهم، و بالمناسبة تصحيح الصورة التي كانت متداولة لدى الجميع عنهم)- الحمر المتمردين عن الدين و القانون( (15)  بصورة أخرى أكثر إنسانية و تحضرا.
        إذا كان الصراع بين مختلف التيارات السياسية في صفوف اللاجئين على أشده في الجزائر، فان هؤلاء المناضلين أنفسهم وجدوا في النشاطات الثقافية مجالا للترويح عن النفس، حيث كان يجتمع في قاعات العرض المسرحي و الأمسيات الشعرية شيوعيون ،اشتراكيون و تحرريون من دون حدوث خلافات حادة.
  لقد اتفق الجميع على الرغبة الملحة في الحفاظ على الإرث الثقافي الاسباني من فلكلور، مسرح و عادات وتقاليد و هي قواسم مشتركة بين الجميع و بالتالي شكلت نقطة التقاء بين مختلف اللاجئين.
        في إحدى العروض المسرحية من تنظيم) فيرارديني( و)ايزابال دي كاستييو( و بحضور الحاكم العام للجزائر) Naegelen (جاء في كلمة الافتتاح : »لم نجلب معنا صفائح الذهب من البنك الاسباني و إنما ذهبا من نوع آخر أكثر صفاءا و المتمثل في الشعر، الفن ، التفكير و الحب ...و لقد تركنا هناك السجن و الثكنات...إن ارثنا هو ثقافتنا و جهدنا في خدمة الإنسانية التي ننتمي إليها.. « .(16)
        إن السلطات الفرنسية باتت راضية عن التوجه الثقافي لهؤلاء اللاجئين على حساب نشاطهم السياسي الذي رغم التحولات العميقة و العديدة لا يزال يقلق تلك الإدارة، وان كان التهجم على فرانكو مسموح به من خلال النشاطات الثقافية و الصحف، فان النبش في مصالح فرنسا في الجزائر كان غير مسموح به على الإطلاق. 
        لم يقتصر جمهور هذه النشاطات الثقافية على اللاجئين فحسب بل تعداه ليشمل في المرحلة الأولى الجالية الاسبانية في الجزائر من الأقدام السوداء أو كما يسميهم  البعض اللاجئين الاقتصاديين، ثم الفرنسيين بعدما أصبحت تلك النشاطات تعرض باللغة الفرنسية.
  كما كثرت المراكز الثقافية - كمركز غارسيا لوركا-التي استمرت حتى بعد الحرب تمارس دورها الثقافي من اجل الإبقاء على الصلة بين اللاجئين الاسبان عبر كل الجزائر. و من خلال ذلك الحفاظ على الإرث الثقافي الاسباني،حيث فسح المجال لكل من يريد التعبير عن مواهبه من اللاجئين في مختلف الفنون التقليدية الاسبانية، و انضم إلى ذلك النشاط حتى المعمرون من أصل اسباني بالموازاة مع العروض الثقافية المختلفة اصدر اللاجئون الاسبان مجموعة من العناوين الصحفية ذات البعد الثقافي أهمها:
جريدة (soli)كان رئيس تحريرها هو )خوسي بيراس بيرغوس(،كانت تصدر من باب الواد و بعد أن اضطر بيرغوس(17)  إلى مغادرة الجزائر نحو المغرب اقتصر التحرير على )خوسي ماريا بيول( و )خوسي مينوز كونغو ست( و كانت تطبع الجريدة في مطبعة Heinz في قلب العاصمة.
- جريدة NAO) (التي أصدرها في وهران احد اللاجئين الاسبان يدعى أورلاندو بيلايو(18)
- جريدة le Combat) (، كانت تصدر بالعاصمة تحت إدارة )ايزابال دال كاستييو(، التي كانت في نفس الوقت بالتنسيق مع )فيرارديني(تنظم عروضا مسرحية في دائرة )غارسيا لوركا(منها مسرحية:»  اسبانيا هي نحن«  .
- أصدرت مجلة باللغة الفرنسية هي: Image d’Espagneتخليدا لذكرى المحارب الاسباني.
        لقد كان هدف الصحف و المجلات الاسبانية-  و التي عمرت أكثر من مثيلتها السياسية - هو الحفاظ على الشخصية الاسبانية و كذا جمع التبرعات و المساعدات لإرسالها إلى بعض المناضلين ممن بقي في اسبانيا.
Espagnol l’Orphéon بالعاصمة : كانت مقراته مكانا لعرض المسرحيات تحت إشراف )هيرنونداز (، كانت نشاطاته تسهل الاحتكاك مع المقيمين الاسبان  و بالتالي تعمل على تفعيل التقارب المتبادل،كما كانت تقام دروس مسائية  و محاضرات و بيع للكتب وأعداد من الصحف.كان التعايش بين كل التيارات ممكنا رغم حدوث بعض المناوشات اللفظية من حين لآخر بحكم دفاع كل طرف عن أفكاره. (19) 
-Les Quakers : لا علاقة لهذا المقر بالسياسة و الثقافة، لقد كان مكانا تجمع  و توزع فيه المساعدات المختلفة من ألبسة ، مواد غذائية و مواد مختلفة أخرى الآتية من الولايات المتحدة الأمريكية، و كان يقوم بهذا الدور كذلك l’Orphéon Espagnol.(20)   
4-موقف اللاجئين الاسبان من الثورة الجزائرية:
        إن خوف السلطات الفرنسية من اللاجئين الاسبان كان واضحا منذ البداية، حيث أنها اتخذت كل الإجراءات اللازمة من اجل الإبقاء على هؤلاء اللاجئين بعيدا عن كل احتكاك مع المعمرين ذوي الأصل الاسباني، و لذلك أبعدتهم عن وهران خوفا من إثارتهم لاضطرابات في المدينة،من خلال تجنيدهم للعمل أو عزلهم عن المناطق العمرانية.كما عارض رؤساء البلديات المجاورة لوهران إطلاق سراح هؤلاء اليساريين لأنهم قد يثيرون الفكر الوطني لدى الأهالي الأمر الذي كان جد وارد(21)، كما منعت كل تفاعل أو احتكاك لهؤلاء مع الأهالي على الأقل مع الفئة التي قد تشكل الأكثر خطورة في نظرهم من هؤلاء الذين كانوا في مخيمات المدية و المناطق الصحراوية.
        إن انشغال اللاجئين الاسبان بعد خروجهم من المخيمات بالنضال ضد فرانكو و التحضير للعودة المفترضة بعد نهاية الحرب، و خيبة آمالهم في الحلفاء و انشغالهم في البحث عن عمل لكسب لقمة العيش هي كلها عوامل جعلت القضية الجزائرية بالنسبة لهؤلاء قضية ثانوية أو دون أهمية.
        لقد شكلت مجازر 8 ماي 1945 نقطة تحول كبرى في مسار الحركة الوطنية الجزائرية، فالأهداف أصبحت أكثر وضوحا و ووسائل تحقيقها باتت بديهية، و جاء تأسيس المنظمة الخاصة سنة 1947 تجسيدا لذلك التوجه الجديد.
        ورغم اكتشاف السلطات الاستعمارية لأمر المنظمة إلا أن العمل الدءوب لبلوغ الهدف لم يتعطل ، رغم الانشقاق الذي حصل داخل حركة انتصار الحريات الديمقراطية. إن الإرادة الوطنية في وجوب تحقيق الاستقلال بإنهاء الاستعمار لم تعد تتأثر بالصراعات الحزبية و اندلاع الثورة التحريرية في الفاتح من نوفمبر 1954 يؤكد تلك الإرادة و يبين مستوى النضج الذي وصلت إليه الحركة الوطنية .
        تفاجأ اللاجئون الاسبان بالجزائر على غرار السلطات الاستعمارية في ضفتي المتوسط، والمعمرين بالعمليات العسكرية الجريئة و المنظمة لجيش التحرير الوطني، و مع ذلك تعاطفوا بالغريزة مع المستعمرين في ثورتهم ضد المستعمر إلا أنهم أرغموا على عدم التدخل من خلال الآليات الوقائية التي وضعتها فرنسا، بحيث كان تدخل اللاجئين الاسبان في السياسة الداخلية لفرنسا بميلهم ضد الجزائر الفرنسية أو حتى معها كان يعني بالنسبة لهم السحب الفوري –حسب ميغال مارتيناز- لكراس المقيم بامتياز و الذي تحصلوا عليه بعد وقت طويل من المعاناة و التهميش، والذي كان يضمن لهم العيش بكرامة و يسمح لهم بالتنظيم لمحاربة فرانكو. رغم أن ذلك الكراس كان يخضعهم للمراقبة الأمنية بالحضور إلى مقر الشرطة مرتين في الشهر(22)  و لذاك اتخذوا من الثورة موقف الجمود .(23)
        إن هذه الآلية كانت جد فعالة بحيث انه لم تسجل اتصالات رسمية بين اللاجئين الاسبان و بين قيادات من جبهة التحرير الوطني أو جيش التحرير(24).
        كما أكد لي السيد هنري علاق Henry Alleg) (هذا الموقف بقوله بأنه » كان فيه تجاوب أكيد لمناضلي التيارات اليسارية في الجزائر مع الثورة التحريرية، و ذكر لي من الأوربيين ) Maurice Leban ( من بسكرة الذي التحق بالثورة بنواحي Orléansville )الشلف حاليا( و George Raffini) ( من قسنطينة ، إلا أن ذلك لا يجعلنا نتحدث عن دعم فعلي لبعض اللاجئين الاسبان للثورة التحريرية (25) . «
        ان السيد هنري علاق تحدث عن مساهمة احد الجمهوريين الاسبان – أثناء الحرب العالمية الثانية  - و يدعى)رامون فيا ( الذي  كان عاملا في احد مصانع الطائرات باسبانيا ثم ضابطا في الجيش الجمهوري، من خلال تقديمه لمساعدة مادية مكنت من طبع و بطريقة سرية ، جريدة الحزب الشيوعي في الجزائرهي:La lutte sociale  .
        إن اللاجئين الاسبان في الجزائر بالإضافة إلى الضغط و الرقابة اللذان كانت تفرضهما عليهم السلطات الفرنسية،فإنهم ساهموا هم كذلك في تهميش أنفسهم في الجزائر إلى أن اختفى دورهم السياسي و الاجتماعي نهائيا من المستعمرة،بتضييعهم لوقت ثمين و إهدارهم لجهد كبير في العمل من اجل تجسيد حلم العودة إلى اسبانيا من دون فرانكو.
  إن المعطيات السابقة لا تنفي و جود بعض الحالات الاستثنائية من اللاجئين الاسبان الذين تعاطفوا ماديا مع الثورة التحريرية ومن ذلك ما تضمنته الرسالة المطولة التي تلقاها الكاتب الاسباني ماكس أوب في المكسيك  -والذي كان لاجئا في مخيم الجلفة-  من احد الأصدقاء الذين بقوا في الجلفة و يدعى )بارديناس( (26).
يقول : »  إن أحشاءنا تنطق بالحرية التي سعينا إلى تجسيدها من خلال حربنا في اسبانيا و اليوم من خلال هذه الحرب و إن قلت لك بأنني لم أشارك فيها أكون اكذب عليك« ...ثم يضيف » إنني خسرت حربا و ربحت أخرى  « -هذا بعد النجاحات العسكرية و الدبلوماسية التي حققتها الثورة الجزائرية -كما يؤكد له انه كان يدفع الاشتراكات إلى جبهة التحير الوطني، و يخبره بوقائع معركة كبيرة دارت بين عناصر من جيش التحرير الوطني و القوات الفرنسية المدعمة بالطائرات بالقرب من مقبرة المدينة(27)، و في نهاية الرسالة يعلمه بأنه سيعدم بعد ساعات من يوم 8 مارس 1961 لأنهم وجدوا آثار البارود في يديه ، ثم يضيف: »    أنهم لا يعلمون بأننا  و لدنا هكذا « ، إن هذا دليل واضح على مشاركة البعض من الأسبان في الثورة الجزائرية. (28)    
        إن ميغال مارتيناز لوباز(29)  أكد عدم مشاركة اللاجئين الاسبان في الثورة الجزائرية في صفوف جيش التحرير لأنه كان جنديا وقت اندلاع الثورة في السلاح المضاد للطيران – بعد حصوله على الجنسية الفرنسية- لان الثورة الجزائرية حسب رأيه هي حرب استقلالية ، وهدف الجمهوريين الاسبان و خاصة التحرريون منهم هو السعي إلى إحداث تغييرات اجتماعية بالدرجة الأولى في المجتمع ،    و هو موقف حسب رأيي يحمل في طياته الكثير من التناقضات. 
أما )مارقو بينييه( فتتحدث عن معطيات تاريخية مستمدة من دراسة صحف اللاجئين و كذا تقارير الشرطة الفرنسية خلال فترة الثورة والتي أوضحت بشكل عام عدم تورط اللاجئين الاسبان في القضية الجزائرية باستثناء الحزب الشيوعي الاسباني الذي ساند مثيله في الجزائر في مطالبته بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين إلا انه بقي جد حذر- في اجتماعاته و صحافته- في تعامله مع الثورة  و إن كان دعمه للحركة الوطنية الجزائرية بشكل علني و هذا ما ينفيه هنري علاق.
        إن اللاجئين الاسبان في الجزائر فهموا جيدا بان السلطات الفرنسية لا تريد تدخلهم في الحياة السياسية الداخلية لفرنسا ، لان الصراع لا يعنيهم ما داموا يتطلعون دائما إلى العودة إلى اسبانيا رغم اعتراف المجتمع الدولي بنظام الجنرال فرانكو بقبوله في منظمة اليونيسيف سنة 1952 و هيئة الأمم المتحدة سنة 1955، و قد يكون ذلك بتأييد من فرنسا و بريطانيا لمنع تطور سياسة فرانكو العربية بعد أن أدارت له الدول الكبرى ظهرها .ولعل غلق مكتب جبهة التحرير الوطني بمدريد سنة 1957 لم يأت صدفة.
        إن اللاجئين الاسبان بشكل عام وقفوا موقف المتفرج من الأحداث لا موقف الفاعل و المؤثر. كما أن تنظيم الثورة الجزائرية و تصورها للأحداث كان من دون إقحام هؤلاء ، لأنها كانت ثورة وطنية بأفكار و سواعد جزائرية لبلوغ أهداف سامية: القضاء النهائي على الاستعمار من خلال استرجاع السيادة الوطنية.
        بعد اندلاع الثورة التحريرية اتخذ منها هؤلاء اللاجئون موقف التريث و الحذر (30)مع الإشارة إلى أن البعض من هؤلاء اللاجئين كانوا بعد حصولهم على الجنسية الفرنسية ضمن صفوف القوات الفرنسية  في إطار الخدمة العسكرية كميغال مارتيناز لوباز، الذي يصف تدخله لنجدة منكوبي زلزال الشلف الذي ضرب المدينة في 9 سبتمبر 1954 ، و لايذكر عن تلك الفترة سوى فرار بعض الجنود من الأهالي( توفيق ،عبد الله و عبد القادر) من الثكنة التي كان جنديا فيها، و التحاقهم بجيش التحرير الوطني بأسلحتهم و معداتهم.
        إن الدور المحدود لمختلف التيارات السياسية للاجئين ، على الأقل الذين بقوا في الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية أمر واقع بالفعل من خلال إتباعهم ،كما سبقت الإشارة إليه ، سياسة الانتظار و الملاحظة .
        إلا أن زيارة الجنرال Navarro نائب رئيس حكومة الجمهورية الاسبانية في المنفى بفرنسا بين: ( 1939-1977) إلى الجزائر بتاريخ 14 جوان 1963 يجعلنا نعيد النظر في بعض المعطيات(31).
        إن التصريحات التي أدلى بها خلال الندوة الصحفية التي عقدها بالجزائر المستقلة تؤكد مشاركة الجمهوريين الاسبان في الثورة التحريرية، فلقد أعلن عن إقامة تمثيلية للجمهورية الثالثة بالجزائر ، و هو الأمر الذي يعتبره امتدادا للدور الذي لعبه المحاربون الاسبان من الجمهوريين إلى جانب جبهة و جيش التحرير الوطنيين،  و كذا مع الشعب الجزائري ضد الاحتلال. كما يذكر أن عددا من ضباط الجيش الجمهوري شاركوا بفعالية في الثورة الجزائرية، كما يذكر أن بعضهم انضم إلى صفوف المنظمة الإرهابية الفرنسية OAS ،كما أشار إلى أولئك الذين بقوا مسالمين و هو موقف يبعث على الخجل حسب رأيه.
        إن هذه المعطيات و إن كانت تؤكد مشاركة بعض الجمهوريين الاسبان في الثورة الجزائرية إلا أن ذلك يحتاج إلى بحث و تحقيق لتأكيد ذلك الموقف أو نفيه.
        لقد ذهب ميغال مارتيناز لوباز إلى القول بان ذلك التصريح جاء من اجل كسب دعم الجمهورية الجزائرية المستقلة لحكومة الجنرال نافارو بالمهجر، إلا أن ذلك فيه اهانة للجمهورية الجزائرية إن لم يكن ذلك الأمر صحيحا،لان الجنرال نافارو أكد بان قيادات جيش التحرير و جبهة التحرير الوطنيتين – أو كما سماها بالسلطات المحلية- على علم بتلك المشاركة ، و هو ما يؤكد صحة التصريح خاصة و انه كان على ارض الجزائر.
        كما أن الكتاب الثاني للاجئ و الكاتب ماكس أوب حول الجزائر تحت عنوان )مقبرة الجلفة(، الذي صدر في المكسيك سنة 1961 و الذي ضمنه نقدا لاذعا للسياسة الاستعمارية في الجزائر، قد يكون توضيحا لجزء من الرأي العام الدولي بشرعية الثورة الجزائرية و حق الشعب الجزائري في الاستقلال   و السيادة. إن هذا لا ينقص شيئا من الدور الرائد و الناضج للديبلوماسية الحكومة الجزائرية المؤقتة في المحافل الدولية.
         إن السلطات الاستعمارية تمكنت من خلال الآليات الكثيرة التي أوجدتها منذ أن وطئت أرجل اللاجئين الاسبان ارض الجزائر، من خلال منعهم من الرسو  و النزول لعشرات الأيام، ثم حجزهم في مخيمات و إخضاعهم لقوانين عسكرية في الغالب و إجبارهم على الأعمال الشاقة في الصحراء، قد روضت عددا كبيرا من هؤلاء اللاجئين إلى درجة أن بعضهم غادر الجزائر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، و البعض الآخر تحصل على الجنسية الفرنسية ، و البقية عملت على إرضاء السلطات الاستعمارية من خلال نشاطات ثقافية بحضور شخصيات رسمية فرنسية و بلغة موليير.
ومع ذلك كله نسجل حضور أكيد لزمرة من اللاجئين الاسبان في صفوف الثورة الجزائرية ، و لكن لا ندري إلى أي مدى كان دعمهم للثورة و بأي الأشكال كان ذلك ، و هو الأمر الذي يسترعي بحثا أكثر و بتعمق اكبر.
 و مهما يكن من أمر فان بعض اللاجئين الاسبان قد اندمجوا مع المجتمع الجزائري بيسر إلى درجة بقاء بعضهم في الجزائر في إطار التعاون الجزائري الفرنسي كما حدث مع ميغال مارتيناز لوباز الذي بقي يدرس أبناء الجزائر المستقلة إلى غاية سنة 1965.
الهامش:

 (1)-Francis– KOERNIER  : « Les répercutions de la Guerre d’Espagne en Oranie », Revue
d’histoire moderne et contemporaine ,( juillet-septembre 1975).
(2)- Dreyfus Armand Geneviève et Témime Emile : les camps sur la plage , un exil espagnol.Ed autrement-Français d’ailleurs,peuple d’ici.1999,p 75.

(3)- KATEB Kamel : « Les Emigrés Espagnols Dans Les Camps en Algérie (1939-1941) », Annales de Démographie Historique 2007 n :1. 
 (04)-نشرت المقالة في مجلة  Cenit في العدد 221، بتاريخ   )افريل – جوان 1977(.
 (5)- Peigné Margot : Les républicains espagnols exilés en Algérie (1939-1962), Mémoire de Maitrise soutenu sous la Direction d’Annick Lemppérière en 2004 a l’Université Paris 1. Panthéon –Sorbonne.
-(6)لم تكن هذه الأحزاب السياسية مؤسسة في الجزائر بل هي تسمياتها الأصلية في اسبانيا أيام الجمهورية.
(7)- Martinez Lopez Miguel : Casbah d’Oubli, L’exil des Réfugiés Politique Espagnols en Algérie (1939-1962), Graveurs de Mémoire, L’Harmattan 2004, p190.
(8):op-.cit, 191
(9)-ميغال دو سارفانتاس 29 سبتمبر 1547-22 افريل 1616، كاتب روائي و شاعر اسباني معروف عالميا بقصة )دون كيشوت( .اثر عودته من مدينة نابل الايطالية باتجاه اسبانيا اسر سارفانتاس من قبل قطع بحرية جزائرية بتاريخ 26 سبتمبر 1575 حيث اقتيد إلى الجزائر و بقي خمس سنوات في الأسر وبعد أربع محاولات فاشلة للفرار أطلق سراحه بتاريخ 19 سبتمبر 1580 بعد دفع الفدية المطلوبة.
تضمنت قصته دون كيشوت بين الفصل 39 و 41 أحداث و ظروف الأسر في الجزائر. كما كتب)دييغو دي هايغو(
   الذي كان بدوره اسيرا بالجزائر كتاب " طبوغرافية و تاريخ الجزائر العام" سنة 1612.
 (10)- Jordi Jean Jacques , Pervillé Guy : Alger 1940-1962 : une ville en guerre, Autrement -Mémoires 1999,p.88.
-(11) شهادة خاصة من خلال رسالة الكترونية بعث بها الي السيد ميغال مارتيناز لوباز بتاريخ : 4 جويلية 2008.
 (12)-Jordi Jean-Jacques ,Guy Pervillé : op-cit,p 89  
 (13)- Peigné Margot : Les républicains espagnols exilés en Algérie (1939-1962),Mémoire de Maitrise soutenu sous la Direction d’Annick Lemppérière en 2004 a l’Université Paris 1. Panthéon –Sorbonne.
(14)- Martinez Lopez Miguel : op- cit, p 197.
(15)- op- cit, p 217 .
(16)- op- cit, p 219 .
- (17)قتل في الدار البيضاء بالمغرب اثر انفجار قنبلة بإحدى مقاهي المدينة يرجح أن تكون من طرف الوطنيين المغاربة.
 (18)- Miguel Martinez Lopez :op-cit,p193
 (19)- op- cit, p 219.
 (20)-op-cit,p217.
 (21)- Krautkramer Elmar : VICHY – ALGER (1940-1942) le chemin de la France au tournant de la guerre ,Traduit de l’allemand par Wanda Vulliez .ECONOMICA 1992.p.269.
 (22)-معلومة تضمنتها الرسالة الالكترونية من السيد ميغال مارتيناز لوباز بتاريخ: 20 جانفي 2008.
 (23)- Martinez Lopez Miguel : Casbah d’Oubli, L’exil des Réfugiés Politique Espagnols en Algérie (1939-1962), Graveurs de Mémoire, L’Harmattan 2004, p227.
 (24)- op-cit, p228. 
-(25) جاء ذلك في مضمون الرسالة الالكترونية التي بعث بها ألي السيد هنري علاق بتاريخ 7 ديسمبر 2007.
-(26) كتبت الرسالة بتاريخ 8 مارس 1961 و التي نشرت في كتاب مقبرة الجلفة الذي صدر في نفس السنة.
-(27) تذكر الرسالة بان عدد الضحايا في هذه المعركة كان أكثر من مائة في صفوف المجاهدين و نحو عشرين في صفوف الأوربيين.
-(28)إن في ذلك إشارة إلى علاقة الحرب الأهلية الاسبانية بالثورة الجزائرية في نظرهم لان تتبع آثار البارود في اليد كان يطبقها جنود فرانكو للتعرف على الجنود الجمهوريين ، إلا أن الاختلاف بين الحربين واضح و بين .
-(29)  ميغال مارتيناز لوباز ولد بمدينة فالانس الاسبانية يوم 29 أكتوبر 1931، في مارس 1939 وصل إلى وهران كلاجئ مع والديه وأخته و عمره تسع سنوات ،  وضع في مخيم كارنو العبا دية حاليا بالشلف.اشتغل بالتعليم في الجزائر في الخمسينات بعد تحصله على الجنسية الفرنسية،كما واصل التدريس بالجزائر المستقلة إلى غاية 1965 في إطار التعاون الجزائري الفرنسي يقيم حاليا في الجنوب الغربي لفرنسا.

 (30)- Martinez Lopez Miguel : Casbah d’Oubli, L’exil des Réfugiés Politique Espagnols en Algérie (1939-1962), Graveurs de Mémoire, L’Harmattan 2004, p96.
 (31)- op- cit, p 239.


 ~~~~~~~~~~ أ./ بلعزوز العربي *


* أستاذ مساعد ، قسم التاريخ – جامعة الشلف

0 التعليقات:

إرسال تعليق

||

أرسل أسئلتك في رسالة الآن هنا

http://abdenour-hadji.blogspot.com/

عنواني على الفايس بوك:

قناتي على اليوتوب

أعلن معنا... إعلانات الآن هنا ...



Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More