تطور الكتابة . مراحل تطور الكتابة . الكتابة المسمارية . الكتابة الهيروغليفية . الكتابة بالطين . الكتابة بالحبر
"تاريخ الكتابة"
تحرير: آن ماري كريستان
ترجمة: مركز الخطوط ـ مكتبة الإسكندرية
يعد كتاب "تاريخ الكتابة" من أكثر الكتب المتعمقة في دراسة تطور مراحل الكتابات والخطوط في العالم بأسره. إذ إنه يقدم آخر ما توصلت إليه الأبحاث العلمية في تاريخ الكتابة ويحلل دور الصورة في الكتابة من منظورات ثلاثة تدرجت في عرض موضوع البحث على التطرق إلى كل الكتابات التي عرفتها الشعوب والمرور بمراحل الكتابة المتعددة.
القسم الأول مخصص لأقدم العصور وهو يخص أساليب الكتابة غير الأبجدية وللتطور العبقري الذي أنجزته الحضارات التي اختارت أن تكيف لغاتها وثقافتها مع هذا المنهج الكتابي: منذ تطور الكتابة المسمارية القديمة في جنوب بلاد الرافدين إلى الكتابات التصويرية المعقدة في الصيني والياباني أو كتابات جزيرة الإيستر الرونجو رونجو التي ما زالت بحاجة إلى فك رموزها.
القسم الثاني يركز على تاريخ وانتشار الأبجديات الذي يستقصي أصول الأبجديات السامية الغربية و"شقيقتها" الكتابة العربية مروراً بالكتابات الأقل ذيوعاً مثل كتابات القوقاز أو كتابات أفريقيا جنوب الصحراء.
وأخيراً يأتي القسم الثالث الذي يبحث في إعادة اندماج الصورة في الأبجديات الغربية. ويتطلع إلى الأشكال العديدة من الكتابات المخطوطة باليد والمطبوعة اعتباراً من التجليات الرائعة لكتاب كيلز إلى ظهور الطباعة والأشكال المكتوبة طباعياً في العصور الحديثة، والتي تقودنا إلى استفسارات في شأن كيفية تواؤم الأنظمة الكتابية المختلفة في الوقت الحالي في عالم تهيمن عليه بصورة متزايدة تكنولوجيا الكومبيوتر.
بوجه عام، يتحدث كتاب تاريخ الكتابة عن الكتابات المستخدمة في العالم، ويحتوي كل فصل على العديد من الموضوعات المختلفة، كل موضوع منها يعطي معلومات عن نشأة البلد، العادات والتقاليد، التعداد السكني، والشواهد الأثرية الموجودة في هذه البلد. إضافة إلى نشأة الكتابات والخطوط التي كانت تستخدم من قبل شعوب هذا البلد. كما يوضح أيضاً كيفية تكوين وتركيب الجمل في كل لغة مع شرح كل القواعد النحوية المستخدمة فيها.
وتبدأ موضوعات الفصل الأول بالإرهاصات الباكرة للكلمة المكتوبة في حوض نهر الدانوب الذي شهد قيام حضارة راقية ما بين الألفية السادسة والألفية الرابعة قبل الميلاد وقد انتشرت هذه الحضارة إلى مختلف أرجاء وسط القارة الأوروبية. كما تم العثور على الكثير من آثارها في كل من ألمانيا وفرنسا.
ويرجع الفضل في تطور هذه الحضارة من الدرجة الأولى إلى مهارة أهلها في صنع الفخار والذي صار صناعة رئيسية. ولقد كان الصلصال هو الخامة المفضلة لتصنيع أشكال ثلاثية الأبعاد، بما في ذلك التمثيل والتصاوير الزخرفية. ويتميز فن حوض نهر الدانوب أيضاً بالتراوح في طرزه الهندسية المحززة في تصنيع أصص الزينة. ولقد تطورت فنون النقش الزخرفي في حوض الدانوب لتصبح مجموعة من الإشارات والرموز التي تكتنز بها الفراغات الموجودة على جوانب الأواني المصنوعة من الطين اللبن. وتلك كانت البدايات الأولى التي أتاحت للعين أن تتدرب على قراءة هذه الرموز.
الموضوع الثاني هو الكتابة المسمارية التي تعد واحدة من الخصائص الأساسية في حضارة الشرق القديم حيث كان أول ظهورها في جنوب بلاد ما بين النهرين في نهاية الألفية الرابعة قبل الميلاد. وقد ألحق المكتشفون اسم المسمارية بهذه الكتابة وهي مأخوذة من كلمة لاتينية معناها مسمار، أطلقت على تلك العلامات حادة الشكل، وقد جاء هذا الانطباع نتيجة استخدام قلم محدب لعمل علامات ذات أبعاد ثلاثية على سطح طيني في أغلب الأحيان. انتشرت الكتابة المسمارية عبر الشرق إلى أن وصلت ذروتها في القرن الثالث عشر قبل الميلاد حتى ظهرت في مصر. وقد تنوعت أشكال الوثائق المكتوبة بهذه الطريقة في الأدب الرفيع إلى السجلات العلمية مع كل الأنواع الأخرى للمادة المكتوبة من الترانيم السحرية والكتابات العلمية والمراسلات إلى كتابة التاريخ. وتناول هذا الكتاب أيضاً كيفية فك رموز الكتابة المسمارية ومحاولات العلماء والباحثين في قراءتها.
ثم استعرض الكتاب بعد ذلك موضوع كتبة بلاد ما بين النهرين وفيه نقرأ عن أدوات الكتابة التي استخدمها الخطاطون والمواد التي كان يكتب عليها، بدءاً بالصلصال والبوص التي توجد في كل السهل الرسوبي لنهري دجلة والفرات، ولقد كانت هذه المواد تستخدم في صنع ألواح تتم الكتابة عليها وكذلك صناعة الأقلام التي يتم بها نقش أو حفر الرموز على سطح الطين أو الصلصال.
ولقد كانت ألواح الصلصال تحتاج إلى تصفية وتنقية طويلة وإضافة عامل مزيل للشحم لوقايتها من التشقق أثناء التجفيف وبعد أن يفرغ الكاتب من كتابة النص، فإنه يترك اللوح لكي يجف.
إن تعقيد الكتابة المسمارية قيد استخدامها في المجتمع، فالفئة الصغيرة من الكتاب فقط هم الذين كان في استطاعتهم الكتابة ومن الصعب حساب عدد الكتاب والخطاطين الذين كانوا يعملون في حقبة معينة إلا أن تلك المهمة أنجزت حديثاً.
وتحدث هذا الفصل أيضاً على كتابات مصر القديمة التي ظهرت في أواخر الألف الرابع قبل الميلاد عندما عرف المصريون الكتابة، وتحدث أيضاً عن الرموز والعلامات المصرية القديمة وتطورها بدءاً من الكتابة الهيروغليفية في الحضارة الفرعونية التي تعني الخط المقدس والواقع أن الهيروغليفية هي الأصل الأول من الكتابة الذي تطورت عنه كل أنواع الكتابة الأخرى التي ظهرت بعد ذلك في مصر، وقد بدأ المصري الكتابة بها منذ الأسرة الأولى حوالي 3180 ق.م. واستمرت حتى نهاية النصف الأول من الأسرة الثامنة عشرة، وسميت الكتابة في هذا العصر بـ "المصري الكلاسيكي"، فقد وصلت فيه الهيروغليفية بصيغها وقواعدها النحوية ما يمكن تسميته بالعصر الذهبي، وحافظ المصريون القدماء على الكتابة بالهيروغليفية في كل عصورهم، بعد ألف عام تقريباً نشأ نوع سريع من الكتابة استعمل جنباً إلى جنب مع الكتابة القديمة معتمداً على الصور المختصرة وقد سجلت به الشؤون الحكومية وشؤون الحياة اليومية أيضاً، وهو ما يعرف بالهيراطيقي بمعنى الخط الكهنوتي. وقد بدأ استخدامها من النصف الثاني للأسرة الثامنة إلى الأسرة الرابعة والعشرين.
وخلال القرن الثامن أو السابع قبل الميلاد استحدث المصريون خطاً ثالثاً كان أكثر إيجازاً في صوره عن خطهم الثاني وقد عرف بالخط الديموطيقي أي الخط الشعبي. وتم استخدامها من بداية الأسرة الخامسة والعشرين إلى نهاية العهد الروماني. ثم تحدث هذا الجزء عن المتوارث والمندثر من الهيروغليفية في العهدين اليوناني والروماني. ثم تطرق إلى القواعد الأساسية للهيروغليفية من حيث مظهرها وشكلها وآليات نظامها من خلال ثلاث نقاط وهي العلامات التصويرية والعلامات الصوتية وأخيراً المخصصات.
أما الكتابة في الصين فيعتبر من الموضوعات المهمة التي تناولها هذا الفصل بوضوح. وتعد الكتابة الصينية كتابة إيديوغرافية أي رموزية، وذلك يعني أن رموز تلك الكتابة غير قادرة على تمثيل الوحدات الصوتية في شكل تام، وفي واقع الأمر، ظهرت الكتابة الصينية أولاً في نصوص كتبت لتسجيل طقوس الكهانة. وكانت هذه النصوص محفورة في شكل مباشر على عظمة الكتف أو صدفة السلحفاة. وقد وجدت عشرات الآلاف من هذه النقوش البدائية (تلك المعروفة باسم نقوش العظام الكهنوتية) من بداية اكتشافها. وكانت في الغالب محفورة على قطع متناثرة من العظام.
ويبين موضوع "ممارسة فنون الخط في الصين" الأدوات اللازمة لفن الخط في اللغة الصينية التي يطلق عليها "الكنوز الأربعة لغرفة الباحث" وهي الورق والريشة والحبر والمحبرة وفيه أيضاً يشرح كيفية استخدام الخطاط للريشة والحبر والأوراق المستخدمة في ذلك الوقت لكتابة الرموز الصينية عليها.
وانتقل الكتاب بعد ذلك إلى موضوع الكتابة في اليابان ونجد في هذا الموضوع كيف ظهرت الكتابة اليابانية من طريق شبه الجزيرة الكورية مع بداية العصر المسيحي. ويبين أيضاً إدخال الكتابة الصينية وانحطاطها إلى أن ظهرت اليابانية.
ثم تحدث هذا الموضوع عن الأدوات التحليلية وظهور الكاتاكانا ثم الهيراجانا وظهور أسلوب الوابون الياباني وصولاً إلى العصر الحديث، حيث قيض لفتح البلاد أمام التبادل مع الغرب أن يهز أسس التعليم التقليدي إذ أن الدراسات الصينية فقدت تفوقها وسيادتها كما تطلبت الدراسات الغربية معرفة اللغات الأوروبية.
وينتقل بنا الحديث بعد ذلك عن كتابات شبه القارة الهندية ونجد هنا اتسم عالم الهند عبر تاريخه وحتى يومنا هذا بتنوع واختلاف كتاباته الرسمية. إن الحديث عن "كتابة هندية" يبدو غير ملائم بل يجب أن نكون حذرين في استخدام مثل هذا التعبير في صيغة الجمع، نظراً لأن استخدام هذه الكتابات لم يكن مقصوراً على شبه القارة الهندية. وفي واقع الأمر فإنه لا يوجد من هذه الكتابات ما يمكن أن يوصف بأنه كتابة هندية خالصة وأصلية قاصرة على المكان. إن مثل هذه المنطقة الثقافية الهائلة يبدو أنها كانت مساحة ومنطقة لتجريب نظم كتابية والتكيف معها. ننتقل بعد ذلك إلى الأبجدية الكورية التي تكتب بخط هجائي، يعرف اليوم باسم "هان غول" han’gul، وهو خط كان يتألف في الأصل من ثمانية وعشرين حرفًا ولكن تم اختصارها الآن إلى أربعة وعشرين حرفاً (أربعة عشر حرفاً ساكناً وثمانية حروف متحركة). وقد حلت هذه الهجائية محل نظام سابق من الأحرف الصينية كان يستخدم بحسب المعنى أو بحسب النطق. وأول تسجيل لاختراع الهجائية تم تسجيله للمرة الأولى في سنة 1444م، وتم تقديمه في شكله النهائي على يد الملك سيجونج سنة 1446م . والألفبائية الكورية "هان غول" ليست كتابة خطية (أي تكتب على السطر) إذ إنها مقطعية كما أنها ألفبائية. وكل مقطع لفظي يتم تأليفه في مربع خيالي، تكتب فيه الحروف من اليسار إلى اليمين ومن أعلى إلى أسفل، ويوضع الحرف الساكن النهائي تحت حرف البداية والحرف المتحرك. وعدم وجود حرف بداية ساكن يتم الاستعاضة عنه باستخدام حروف لا قيمه لها.
وانتقلت الموضوعات إلى الكتابة الفيتنامية هناك كتابتان في تاريخ الكتابة الفيتنامية: كتابة الـ nôm التي لم تعد مستخدمة، وكتابة الـ quô’c ngû التي لا تزال شائعة الاستخدام.
وشكلت وصيغت أحرف كتابة الـnôm على نمط (كتابة الصين)، الكتابة الصينية حوالي في القرن الثاني عشر الميلادي، وتنقسم هذه الأحرف إلى نمطين: نمط مبسط وآخر مركب.
وانتقلت الموضوعات إلى التصوير بالكتابة وأخرى عن الكتابة في الصورة.
ثم تحدث الكتاب أيضاً عن كتابة جماعة ناهواتل التي كان يستخدمها الهنود الحمر وقت غزو الأسبان لأميركا الوسطى، وتحديداً عند سقوط منطقة تينوكتتلان المكسيكية سنة 1251. وكانت هذه الكتابة تتمركز في وادي المكسيك، حيث تعيش جماعة الأزتك. وتشبه هذه الكتابة كتابة المكستيك (Mixtec)، إلى حد أن بعض الثقات يعتقدون أن بعض الوثائق (وثائق جماعة بورجيا بوجه خاص) تحوي كتابات بالنمطين: الأزتك والمكستيك معاً.
تعد كتابة هنود مايا واحدة من أعظم المنجزات الفنية والثقافية التي ابتدعها أهل هذه البلاد وإن كانت واحدة من أكثر الكتابات تعقيداً بالنسبة للفترة السابقة لوصول كريستوفر كولومبوس إلى أميركا. وهي - مثلها في ذلك مثل الخط الهيروغليفي المصري القديم - ظلت لغزاً يحير العلماء في فك طلاسمها، خصوصاً أن نصوصها لا تنتمي إلى تتابع زمني متسلسل. وترتبط هذه الكتابة بحضارة أخذت في النمو والتطور ما بين القرنين الثاني والعاشر للميلاد في جنوب شرقي المكسيك، وبوجه خاص في مناطق شبه جزيرة يوكاتان ومرتفعات شياباس. كذلك وجدت آثار لهذه الحضارة في غابات غواتيمالا في منطقة بيتين (Beten) والمرتفعات البركانية وأيضاً في المنطقة التي تقوم عليها اليوم منطقة بيليز (Belize) (هندوراس البريطانية سابقاً). وقد كان مجتمع مايا مجتمعاً شبه حضري، يعيش سكانه في مدن مبانيها من الحجر، وتحيط بها معابد عدة وأفنية وقصور وملاعب كرة.
وينتهي هذا الفصل بالحديث عن الكتابة عند أهل جزيرة الإيستر الرونجو رونجو. وتعد الكتابة الخاصة بجزيرة ايستر، من بين كتابات أخرى تحتاج إلى من يفك طلاسمها، بعد أن ظلت موضع جدل لمدة تربو على القرن. وهي كتابة تخص شعباً بولونيزياً قدر له أن يعزل عن العالم الخارجي على جزيرة صغيرة في المحيط الهادي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق