السلطة الالهية
في الشرق الادنى القديم
في الالف الرابع قبل الميلاد كان الجزء الجنوبي من ارض الرافدين قد استقرت فيه جماعة اسمها السومريون وفي اواخر الألف الرابع كان قد تم لهذه الجماعة اقامة مدن يبلغ عددها نحو ثلاثين في هذه الرقعة الصغيرة لان الارض خصبة وتنتج الكثير وكانت حاجات الناس نسبيا قليلة.
هذه المدن كانت مستقلة واحدتها عن الاخرى وكان يحكم كل منها ملك. وكانت اتساعاتها مختلفة بين واحدة كبيرة مثل نيبور (نيفار الحديثة) وبين ممالك صغيرة تقع في الجزء الجنوبي الشرقي. وكانت لكل منها الهها.
يروي التاريخ ان هذه الجماعات بنت المدن بإرشاد من الملك وقد يكون هذا صحيحا. ولكن الانسان، قديمه وحديثه، يبحث في الغالب عن قوة اخرى تساعده. والمساعدة جاءت من الاله بمعنى ان الاله كلّف الملك ان يبني المدينة. وكان للاله هيكل كبير في كل مدينة يتوقف حجمه على سعة المدينة واهميتها. هذا كان يُسمى زيغورات. الزيغورات كان مقر الكهنة. والكهنة كانوا يقدّمون الذبائح او يقبلون الذبائح والتقدمات من الشعب المرفوعة الى اله المدينة. هذا الاله هو الذي بنى المدينة واذن فهو الذي يحكمها. لكن لان الاله لا يجب ان يقوم بالحكم مباشرة ويتدخّل في الخصومات والادارة والتنظيمات فقدّ اوكل الامر الى الملك. فالملك كان يمثل الاله في كل مدينة ومن ثم فان الشعب يمكنه ان يقوم بالعمل، ولكنه يتوجب عليه ان يقبل ما يأتيه على انه آت من الاله. وهذه الالهة بالذات، التي كانت ألهة المدن، كانت في الوقت ذاته وفي احيان كثيرة الهة لمظاهر الطبيعة المختلفة: الرياح، الامطار والزوابع والهدوء والشمس والقمر والظلام. كل هذه كان لكل منها اله يتصرّف فيها وقد يحدث ان يكون الاله اله مدينة واله لشيء اخر. فانليل الذي كان اله مدينة نيبور، كان ايضا اله الرياح والعواصف.
ثمة امر في غاية الاهمية بالنسبة لهذه المدن. كانت تقوم بين المدينة الواحدة ومدينة اخرى خصومات. وقد تؤدي هذه الخصومات الى معارك. وقد يكون ثمة نوع من الاحتلال. وفي اثناء الحرب قد يهدّم جيش مهاجم جزءا من اسوار المدينة المهاجمَة. عندئذ يتوجّب على الملك المنتصر ان يعيد بناء هذه الاجزاء التي تهدّمت لان هذا الامر، اذا لم يتم، يعني اعتداءا من الاله المهاجم على الاله المغلوب. وهذا امر لم يكن يُقبل به واذن فهذا يُصلّح ويعاد الى ما كان عليه ارضاء لاله المدينة، لا قياما بالواجب.
من هنا نرى ان كل شيء: بناء المدينة، الحراثة، الزراعة، التجارة، بناء القوارب للاستعمال في نهري دجلة والفرات، المتاجرة مع انحاء اخرى بعيدة مثل جزيرة البحرين، ديلمون القديمة، وحتى ابعد من ذلك في الالف الثالث قبل الميلاد منوط بالملك نيابة عن الاله. وعندنا في واقع الامر وثيقة تعود الى سنة 2225ق.م هي وصلٌ بعث به تاجر من مدينة سومرية الى عميله في ديلمون في البحرين يُنبؤه ان البضاعة وصلت وانه سيحول اثمانها اليه. والثمن لم يكن نقدا، فالنقود لم تكن قد عرفت بعد، ولكنه كان اما بضاعة مماثلة أي سلعا تجارية او قطعا من الذهب او الفضة.
هذا الشعب السومري كان اول شعب في تاريخ البشرية اهتدى الى كتابة. كتابته تسمى الكتابة المسمارية. سميت كذلك لانه ما كان يجب ان يُكْتب كان يحفر على الواح من الطين ثم توضع هذه القطع الطينية في الافران لتيبس وعندئذ تصبح وثيقة صالحة للنقل. وقد كشف الباحثون الاثريون في العراق عن عشرات الالاف من هذه الوثائق. الكتابة التي اخترعها السومريون كانت كتابة مقطعية بمعنى انه لم تكن لها حروف. كانت هناك صور تمثل مقاطع. مقاطع فيها عدد كبير من الاصوات احيانا، لكن القوم عرفوها وقرأوها.
اواخر الالف الثالث قبل الميلاد وفي اوائل الالف الثاني احتل قوم بدوٌ ساميون كانوا قد استقروا الى الغرب من العراق هم الأكاديّون فاحتلوا المنطقة بأكملها. فاصبحت ثمة بلاد سومر وأكّد. هذه المدن تهدم بعضها لكن الحضارة بقيت وآثار العمل استمرت. الا انه حدث تغيران مهمّان هما ان اللغة السومرية اختفت يومها وحلت محلها اللغة الأكّادية التي هي واحدة من اللغات السامية كما ان الأكّاديين الاميين تعلموا الكتابة السومرية، وكانت اللغة الجديدة ايسر على القوم كما يبدو. ومن ذلك الحين أخذت اللغات السامية المختلفة تنتشر في جهة بين النهرين وفي سوى ذلك من بلاد الشام وما جاورهما.
هنا يجب ان نتوقف لنقول ان ما كان عند السومريين من عقيدة دينية لم يتبدل بمجيء الاكاديين. وظل الملك ملكَ المدينة ولو انه كان الان له سلطة اوسع فهو الذي يمثل الاله على الارض ويحكم باسمه. ولكن هذه المرة كان هذا الاله يتحكم في رقعة واسعة من البلاد.
فلما قامت دولة حمورابي، الدولة البابلية الاولى القديمة، والتي كان اكبر ملوكها حمورابي الذي عاش في النصف الاول من الالف الثاني قبل الميلاد واتسعت دولته لانه احتل مناطق خارج هذه المنطقة في الشمال وفي الغرب. حمورابي ينسب اليه قانون حمورابي. والمهم في القانون، فضلا عن نصوصه التي لا مجال للحديث عنها الان، هو تمثال لحمورابي يتناول فيه لوحين حجريين من الاله فيهما هذا القانون الذي عُرف فيما بعد باسم قانون حمورابي. وظل حمورابي يمثّل الاله الذي في السماء لكن هذه المرة كان ممثل واحد لاله السماء هو حمورابي ملك المنطقة بأكملها.
وبعد الدولة البابلية الاولى جاءت الدولة الاشورية. الدولة الاشورية قامت في الجزء الشمالي من العراق في الجزء الجبلي وهو الابرد في العراق، ولم تلبث ان احتلت بقية بلاد الرافدين. لكن هذه الدولة التي يمثلها أشّور ناصر بعل مثلا لم تكتف بان تكون لها سلطة في ارض الرافدين فقد اتجهت غربا وافتتحت بلاد الشام بأكملها ولذلك كانت لها امبراطورية، ولعلها اول امبراطورية في التاريخ. وكان الاله أشّور هو صاحب السلطة والملك كان مهما كانت قوته ونفوذه وادراكه ومعرفته لانه يمثل الاله. هذه القضية مهمة جدا للاحتفاظ بها لحديثنا في المستقبل.
بعد اشور قامت الدولة البابليّة الثانية او الجديدة او الدولة الكلدانيّة كما تسمى. وهذه كان منها نبوخذنصر الامبراطور المشهور. هذه افتتحت المناطق التي كانت تتبع للدولة الاشورية وحكمتها لكن مدتها لم تطل. فقد كانت في الهضاب الشرقية المصاقبة لارض الرافدين جماعة تنمو تدريجيا ويزداد عدد السكان فيها وتريد ان تحتل ارضا خصبة. جربّت قبل ذلك لكن الدول التي كانت في ارض الرافدين كانت قوية فحالت دونها ودون احتلالها. بعد سقوط الدولة الكلدانية او البابلية الثانية كان من اليسير على اهل الهضبة ان ينحدروا الى بقية العراق فيحتلوه ثم يتجهوا غربا فيحتلون بلاد الشام واكثر من ذلك يحتلون وادي النيل. فيقيمون امبراطورية واسعة هي الدولة الاخمينية.
كان سكان هذه الهضبة وهم الفرس يعبدون الهين اله الخير واله الشر ويتمثّل اله الخير بالنور واله الشر بالظلام. ومن هنا كان هذان الالهان المتحكمين في شؤون البلاد والعباد. وكان الامبراطور يمثل هذين الالهين المجتمعين في اله واحد في قوة واحدة.
وانتهى امر هذه الدولة لضعفها اولا ثم بالقضاء عليها على يد الاسكندر المقدوني. لما احتلّ المنطقة باسرها من شرق بلاد اليونان الى الهند بما في ذلك بلاد الشام ووادي النيل. وانشأ اول امبراطورية واسعة في التاريخ، لكنها لم تدم طويلا لان الرجل نفسه مات وهو في شرخ الشباب.
ننتقل الان الى المركز الثاني للحضارة القديمة في العالم وهو وادي النيل. وادي النيل عرفت فيه كتابة تسمى الهيروغليفية. وهي كتابة مقطعية صورية اكثر منها مجرد مقاطع. هذه الكتابة ظهرت بعد كتابة السومريين بنحو نصف قرن.
الفرق الجغرافي الطبيعي بين ارض الرافدين ووادي النيل هو ان ارض الرافدين تعتمد نهرين لكن هذين النهرين يضاف اليهما فيضان في اوقات مختلفة. في وادي النيل كان ثمة نهر واحد هو الذي يجتاز البلاد من الجنوب الى الشمال وله موسم فيضان واحد في السنة. وعليه تتوقف حركة الزراعة واقامة القرى والمدن ونشوء الدويلات الصغيرة او الامارات. لكن لان هذا النهر كان يجب ان يُضبط بعض الشيء ليروي الاراضي لا في اوقات الفيضان فحسب التي تأتي في الخريف ولكن في الاوقات الاخرى. لذلك كان من الضروري ان تكون الوحدة السياسية فيه اكبر مما كانت عليه في ارض الرافدين. فكان ثمة دولتان شمالية وجنوبية. لكن الامر انتهى في اواسط الالف الثالث قبل الميلاد او اواخره الى اتحاد الدولتين فاصبح وادي النيل يحكمه ملك واحد هو الذي كان يسمى الفرعون. الملك هذا كان بالنسبة للسكان لا يمثّل الاله ولكنه يجسّد الاله على الارض. ومن هنا فقد كانت منـزلة الفرعون الملك اكبر واوسع واشد مما كانت عليه سلطة الملوك الصغار او حتى الاباطرة في ارض الرافدين وما جاورها. هذان النموذجان التمثيل الملكي للاله في ارض الرافدين وما اليه وتجسيده في وادي النيل هما الامران اللذان يطبعان التاريخ القديم من نواحي مختلفة.
كان هناك امور كثيرة يجب ان تفسر منها خلق العالم ومنها الطوفانات التي كانت تحدث. من هنا نجد في الاساطير السومرية قصتين مهمتين الواحدة خلق العالم والثاني طوفان نوح. هذان حولهما اساطير. لكن هذه الاساطير المختلفة التي عرفت في ارض الرافدين ايام السومريين لم تسجل الا في ايام الدولة البابلية الاولى في الالف الثاني قبل الميلاد ومن ثم عرفت تاريخيا باسم الاساطير البابلية على اساس زمن التسجيل. وفي مصر كان ثمة اساطير اخرى لكنها من الاصل سجلت باللغة الهيروغليفية. وهذه الاساطير كلها تدور حول مقدرة الالهة واختفاء الالهه وظهور الالهة.
بين ارض الرافدين ووادي النيل تقع بلاد الشام. وبلاد الشام كانت لها مدنها التي ظلت دوما مستقلة واحدتها عن الاخرى الا حين يأتي من يحكمها جميعها من الخارج. وكان لكل دولة، اي لكل مدينة كبيرة وارباضها الهها. انما التأثر بالجهة البابلية كان اوسع مع ان المصريين احتلوا بلاد الشام من اواخر القرن الخامس عشر الى اواسط القرن الثاني عشر احتلالا مستمرا وانشأوا لهم فيها ادارة واسعة. لكن اساطيرهم لم تنتشر في البلاد على النحو الذي انتشرت فيه اساطير بين النهرين. ثمة آثار مصرية عُثر عليها في بلاد الشام. على سبيل المثال. ثمة هيكل مصري اكتشف في مدينة جبيل (بيبلوس) ، لكن هذا لم يكن يتعبد فيه جماعة من اهل جبيل. هذا كان يتعبد فيه التجار الذي كانوا يأتون من مصر بشكل خاص للتجارة بالاخشاب التي كانت تنقل من لبنان الى مصر. هؤلاء التجار كانوا يقضون اوقاتا طويلة فكان لهم هيكل وكانت لهم تماثيلهم. لكن فيما توصل اليه الباحثون حتى الان لم يكن هناك اثر ديني مباشر للمصريين في بلاد الشام.
الاثر الذي جاء عن طريق انتقال اساطير كثيرة فيما بعد ما اورده العبرانييون واعتبروه انه جزء من كتابهم المقدس بدءا باسطورة الخليقة. ودأب يهوه على محاربة الالهة الصغيرة حتى استطاع فيما رأوا ان يصبح الاله الوحيد للعالم. لكن وحدانيته كانت مشوبة بأمرين: انه خص شعبا به هو الشعب العبراني واله العالم لا يمكن ان يخص شعبا به دون الشعوب الاخرى. والامر الاخر ان يَعِد هذا الشعب بأرض تكون له ارض الميعاد هي فلسطين. وهذه نقطة اخرى سوداء في العقيدة اليهودية. ولانها دخلت في الكتاب المقدس في عهده القديم كتاب اليهودية اصبحت جزءا اساسيا من العقيدة اليهودية.
الذي يمكن ان نصل اليه من هذا العرض المختصر هو ان كل حاكم حكم في المنطقة باشملها من شمال ايران الى جنوب وادي النيل كان يجسّم الها ولم يكن يحكم بنفسه. كان الحكم الهيا فالتسلط الذي كان يفرضه الملك او الامبراطور فرعونا كان او من ملوك بابل كان تسلطا باسم الاله لا تسلطا من جهته. ومن هنا فلم يكن من اليسير ان يثور الشعب على الحاكم لان معنى هذا انهم يثورون على الاله وهذا امر لا يجوز.
في القرن الرابع قبل الميلاد جاء الاسكندر المقدوني بجيشه الذي لم يكن كبيرا ولكنه اضاف اليه بعض المرتزقة في الطريق فافتتح اسيا الصغرى وبلاد الشام ووادي النيل وارض الرافدين وفارس حتى وصل الهند. وكانت هذه كما اشرنا قبلا اول امبراطورية واسعة في التاريخ.
لما وصل الاسكندر الى مصر ذهب الى واحة سِيوَه حيث دخل هيكل الاله أمّون ولما خرج اعلن الكاهن ان الاسكندر هو ابن الاله أمّون. واذن الاسكندر يُعْبَد ولا يحكم فقط. هو اله حل محل الفرعون واكثر قليلا. وبهذه الروح صار يحكم البلاد على انه هو يمثل اعلى سلطة في العالم لانها سلطة استُمِدّت من السماء وقد قُبل الامر لانه لم يكن غريبا على المناطق التي احتلها. لكن امبراطورية الاسكندر الشخصية لم تدم طويلا فقد مات الرجل في شرخ الشباب في بابل. وبعدها تقسمت هذه الامبراطورية الواسعة وملكها اولئك الذين يسمون خلفاء الاسكندر. لكن ظل الحاكم يُنظر اليه على انه اعلى من مجرد رئيس دولة. له هذه السلطة القديمة التي جاءت من السماء.
وهنا يمكن القول انه على هذا الاساس حُكمت مصر فالبطالمة خلفاء الاسكندر اعتبروا كأنهم تتمة لحكم الفراعنة. وسجلت اسماؤهم باعتبار انهم سلالات تابعة للسلالات المصرية القديمة. هكذا اعتبرهم الكهنة وهكذا اعتبرهم الشعب. فقد ظل اذا للسلطان الملك الوهرة، لعله لم يكن له نفس المقام الذي كان للقدماء لكن الفكرة عند الشعب ظلت هي هي: أن هذا السلطان هذا الحاكم يجسد الاله الذي يعبده المصريون.
وفي بلاد الشام اعتبر الاسكندر انه يمثل الالهة. ألَم يقبل به كهنة آمون على انه من نسل آمون (فاذن يقبل به الاخرون.) ولم يكن ثمة صعوبة فالناس معتادون على ان يحكمهم ملك او سلطان هو في الاصل ممثل للاله. وكان الامر اسهل حتى في بين النهرين اسكندر وخلفاء الاسكندر اعتبروا انهم يمثلون الالهة.
ظلت القضية على هذا الامر اعتبار السلطان ممثلا للاله. لما جاءت المسيحية وانتشرت لم يكن لها نظام اداري ولا سلطة ملكية ولم يقبلها الاباطرة ولذلك ظل الامبراطور الروماني، (والذي اسس الامبراطورية هو اغسطس في القرن الاول ق.م.) ظل هو الذي يمثل الاله ثم انتهى الامر ان اصبحت عبادة الامبراطور وروما وتقديم الضحايا لهما الدليل على ان الناس يقبلون بالسلطة. فكأن الاله نزل بعض الشيء وتجسّد في الامبراطور. وظل الامر على هذا المنوال في المنطقة التي حكمها اليونان السلاقسة في سورية والبطالمة في مصر، وكانت تابعة للامبراطورية وظلت تعبد هذا الاله.
فلما ظهرت المسيحية ولم يقبل اتباعها ان يقدموا الذبيحة للاله الامبراطور وروما اضطهدوا اضطهادا كبيرا مرا مؤلما الى ان جاء قسطنطين اول امبراطور بيزنطي 312-337م واعتنق المسيحية فتبدل الامر باعتبار ان قسطنطين هو ملك مسيحي لا يمكن ان يكون ممثلا لهذا الاله الواحد الله، لان الله لا يقبل ان يكون له ممثل. ولكن كان المألوف ان الامبراطور كان هو الكاهن الاكبر للديانة الوثنية فأصبح الكاهن الاكبر للمسيحية. ولبس ثوبه. فكأنه جعل نفسه رأسا للمسيحية من حيث الاشراف عليها. وهنا جاء تفسير جديد. ان هذا الامبراطور يحكم بامر من الله. لا يمثله تماما ولكن في الوقت نفسه لا تكون مخالفته جائزة.
الامبراطور الذي كان الها قبل اعتناق قسطنطين المسيحية لم يظل الها ولكنه ظل له منصب خاص في زاوية من زوايا الدين يستمد منه سلطة خاصة او تكسبه ثوبا خاصا او وضعا خاصا. هذه الحالة استمرت في المنطقة واستمر الحكام مستبدين منفردين متسلطين ولا يمكن ردعهم الا عن طريق الثورة اذا جازت واذا انتصر الشعب قد يقتل الملك واذا انتصر الملك فانه يعاقب الشعب عقوبة شديدة.
الآن نأتي الى الاسلام. ظهر الاسلام في الحجاز. القرآن اوحي به كله في مكة والمدينة. فما الذي كان يميّز في مكة المسلمين عن غيرهم سوى انهم كانوا يؤمنون بالله. هذا الاله القوي القدير المتحكم بشؤون العالم يصرّفها كما يشاء. لكن هذا الامر لم ينجح في مكة ولذلك هاجر النبي الى المدينة. وفي المدينة مع الوقت انشأ ما يمكن ان يسمى حكومة دينية. كان هو رئيسها وكان لم يزل يتقبل الوحي لأنه نبي. وكان هو الذي يفسر الامور في الاحاديث الشريفة.
لما انتقل الرسول (ص) الى الرفيق الاعلى بدأ الخلفاء الراشدون القيام بالامر لم يكن امامهم سوى ان يكون الخليفة هو المتسلط الوحيد يعيّن من يساعده، وكان هناك اية في القرآن الكريم تشير الى الشورى ولكن الشورى شيء يختلف عما يسميه الناس برلمان الان. الشورى ان يستشير الخليفة الحاكم الآمر السلطان من يختار اما افرادا او جماعات. فلما خرج المسلمون اول الامر من المدينة على ايام علي بن ابي طالب اذ انتقل الى الكوفة فعلى اي اساس يتصرف في السلطة ؟ هو انه مسلم وانه من آل الرسول. فاذن هناك امران جزء من النبوة وجزء من الحكم ولان الحكم كان حكما فرديا فكان كل شيء بيد الخليفة. وجاء الامويون وتولوا السلطة. وكان الخليفة يحكم على انه هو الحاكم بأمر الله.
قيام الدولة العباسية وفي ارض الرافدين وعلى مقربة من الفرس ومتأثرة اصلا بالفرس وآراء الفرس، عندها رأى الخليفة نفسه انه هو الذي يحكم في الارض. فقال الخليفة المنصور "نحن ظل الله على الارض". بذلك ختم ما قد تم في البلد من الالف الرابع قبل الميلاد الى ذلك الوقت لان السلطان الحاكم الملك لمدينة او لرقعة واسعة انما هو يحكم لامر الله باذن الله. فهو ظِل الله على الارض.
0 التعليقات:
إرسال تعليق