''هاجس البحث عن الذات'' في رواية ''ريح الجنوب''
صدر مؤخرا عن وزارة الثقافة
لو تأملنا كتابات عبد الحميد بن هدوة نجده أعطى مكانة مميزّة عن المرأة الجزائرية، صّور الواقع الجزائري بكل أبعاده الاجتماعية وما يحمله من متطلبات حقوق وواجبات وبالتالي المرأة كانت جزءً ملتصقاً في رواياته، رغم أننا نعلم أن لا حياة بدون امرأة لأنها نصف الرجل كما أنها الجزء الذي يكمل حياة الذكر. وتعتبر وجود الرجل الذي هو بحد ذاته جزء مهم في كينونتها، مما جعل الكاتب عبد الحميد بن هدوقة يجعله من أهم ركائز الرواية التي تشعبت في سردها سيما وأنه بناها من مبدأ» الرجل البدوي«، إذ رواية »ريح الجنوب« للكاتب عبد الحميد بن هدوقة منحت المرأة الكثير من الاهتمام رغم أن عنوانها لا يحمل سوسيولوجية المرأة بحد ذاتها بل المطلع للعنوان تجحظ عيناه وتفكيره لمعنى ريح الجنوب هل تحكي عن تفاصيل الحب والجنس أم أنها شيئ آخر.
فد عبّر بن هدوقة عن المرأة ككل المجتمعات التي تخضع لقوانين معينة وهي تعيش في ظروف السقف العائلي من الدرجة الأولى والمحيط الاجتماعي ثانيا، لا تستطيع حتى أن تتمرد أو تتجاوز حدود أي منهما لأنها تعودت على الحياة منذ ولادتها، ولكن الكاتب جعل في الرواية صراع فكري ثقافي أمّي- إن صح التعبير-، في تناوله للمرأة بين »نَفِيسَة «الفتاة الريفية المثقفة بثقافة الحضر وبين العجوز »رَحْمَة التي تحمل الكثير من المعارف ولكن بطريقة مخالفة عن فكر »نَفِيسَة«، الفتاة المتعلمة، المتفتحة، ولكن حياتها تغيرّت حين عادت إلى الحياة الصعبة التي لا تطيقها بين أحضان والدها ومجتمعها الريفي الذي لا يؤمن بالمرأة ولا يعطي لها حقها ولا حتى القرار لتتحدث عن نفسها.
هذا ما أدركته »نَفِيسَة« عندما فهمت الوضع وسمعت عن حقيقة أختها »زٌلِيخَة« التي لقيت حتفها اثر حادث تفجير قطار وما كان يربطها ب»عَابِدْ« ابن القاضي الذي كان ينوي التقرب إلى مالك بغية حماية نفسه ومصالحه أثناء الثورة التحريرية .
نكتشف في الرواية أن»نَفِيسَة« رفضت أن تكون مثل نساء ذلك المجتمع الذي يضطهد المرأة دون أن يشعر بها. فوالدتها تلبي أوامر والدها ولا ترفض له طلب أمّا العجوز »رَحْمَة «هي بمثابة إنسانة عاشت الكثير وتعلمت العديد من الحياة، وهي حرة بعد وفاة زوجها إلا أن السن والعمر يؤثران في تحركاتها، حيث أراد الكاتب أن يبين مدى معاناة المرأة منذ مراحلها الأولى إلى أخر حياتها، وهذا يتجسد في حياة العجوز » الوحدة- المعاناة- الشيخوخة«. استطاع بن هدوقة أن يصّور لنا المرأة في الرواية حسب ما اقتضته الضرورة ف»نَفِيسَة« هي صورة المرأة المثقفة التي تبحث عن ذاتها، وحين راحت تبحث عن تلك الهواجس التي كانت تتحكم فيها، اتخذت من حل التمّرد عن قانون المجتمع وسيلة تخطو إليها بعد أن هربت من المنزل وهي متجهة إلى المدينة التي لا تعرف حتى الوجهة الصحيحة المؤدية إليها ولكن وجدت نفسها تخطو خطوة الهروب مما هي فيه. كما صور بن هدو صورة المرأة الأمية التي ترضخ لأوامر الرجل وصوّر ميزة أخرى للعجوز الذي ربطها بنضال »رَحْمَة« التي تتصف بالأصالة والمحافظة على التراث بحب وتفاني وإخلاص.
تعتبر نفيسة بطلة الرواية وهي نموذج للمرأة بين مطرقتين، المرأة المتعلمة المثقفة والمرأة الريفية التي ولدت فيه وعادت إليه بعد أن اكتسبت العلم.، أي أنها ابنة الريف ولادة، سواء أحبت ذلك أم كرهت، رغم مكوثها بالمدينة مدّة تبدو طويلة نوعا ما، ولكنها عادت، في عمر ناضجة احتضنتها بيئتها الأصلية بكل حب، ولكن شرط أن تقبل وتعيش عاداته وتقاليده، ولكن»نَفِيسَة« كانت ترى في تلك الجدران البسيطة التي غطتها وحجبتها عن العيان وعن الشمس والهواء بالحياة المقرفة ، أصبحت حالتها النفسية في تذبذب وقلق وتدهور ، بسبب قوانين والدها وأعين وأحاديث أهل القرية، أثناء هذا الصراع أصبح هدفها الوحيد الرجوع إلى ما كانت عليه من أجل أن تمارس حرّيتها كما تشاء وتحقق طموحاتها وكيانها داخل ازدحام المدينة. حيث لم تعد تحتمل المكان ? الريف- تراه جهنم»كان المرأة مخلوق شاذ يجب ألا يعامل معاملة الأسوياء الخروج عيبì الضحك عيب الحديث أمام الرجال عيب التجميل عيب..« في الرواية- » كان يجب أن أحيا هذه الحياة البائسة التافهة «- في الرواية- »في الجزائر كان المستقبل وحده هو الذي يهمنى أما هنا فأين هو المستقبل«.- في الرواية كما تتميز»نَفِيسَة« بالشجاعة كونها أرادت أن تغير عقلية المجتمع فكانت تقول »انتحر لتكون في ذلك عبرة لمن بعدي«. » إني أهذي ابحث عن تحرير المرأة ولم استطع تحرير نفسي»
الملاحظ أن صفات»نَفِيسَة« المادية والمعنوية كفتاة مثقفة متحضرة بداخلها فتاة بدّوية وفي أعماقها امرأة قوية مميزة عن نساء القّرية. كانت الأفكار تتضارب عندها هذا ما نجده في »فكرت نفيسة قليلا في كلام العجوزì فلم تجد أي نقطة للمقارنة بين هذه الحياة الساذجة البسيطة التي يحياها أهلها وكل سكان البادية وبين الحياة الحضرية المعقدة التي عاشت منها قليلا لدفء خالتها بالجزائر«. فالراوي جعل من شخصية نفيسة تبدو متفاوتة ومتضاربة لأن بحد ذاتها لا تستطيع أن تتحكم في نفسيتها وتدرك ذاتها. يتضارب تفكير »نَفِيسَة« كثيرا ولم يكن له قرارا أحادي وثابت وإنما في كل مرّة تعاني من هذا الاصطدام الذي تواجهه بسبب فكرة الحياة بالمدينة والحضر من جهة.
فنجد في تفكيرها وشخصيتها الطموحة التي كانت تلازم خلالها البقاء في الغرفة لوحدها في أوقات عديدة، وباستمرار دون أن تخصص في هدفها شيء محدد، أصبحت فتاة ناضجة كإمرأة تبحث عن ميولاتها وغرائزها كالزواج مثلا وهذا ما وجدناه في الرواية، »لا لا لا أستطيع أن أتزوج الآن ìدروسي« إلا إنها كانت تفكر في بعض إلا أن هذا لم يمنعها في التفكير في شخص محدد، بحيث كانت معجبة ب »رضا« ذلك الشاب الذي يدرس معها بالعاصمة كان يتميز عن باقي الزملاء بالحياء والأخلاق الحسنة وعمرها حوالي 18 سنة، كانت قبل هذه السن تشعر بوجودها ونضجها كامرأة وهي ابنة 14 عاما. ترفض نعتها بالصغيرة. كما كانت لا تبتعد عنها غرائزها الجنسية فمن الحين إلى الأخر تراودها في أي موقف ما، ونجد ذلك في حادثة »الحِمَار« الذي راح يغازل »أتان «وهي في المقبرة فحين رأت المنظر تعجبت من الأمر ولكن الفضول شغل تفكيرها لتستعمل حضورها وترى ما يحدث- »و ما أحدثه المنظر في نفسها من شعور ليس يسيرا تصويره على أي حال غباوة الأحمرة مكنتها من مشاهدة العملية من البداية إلى النهاية وعرفتها رغما عنها«-. »و شغلت نفيسة عن أمها وعن الموتى بما تشاهده واسترسلت مع أفكارها المتضاربة حول أشياء يصعب تصويرها. أمّا أمها فلم تكن ترى ما يجري فوق المقبرة «- كما نجد شعور آخر لِمَ يربطها مع والدتها بحيث كانت تبتعد عنها في الإحساس إذ أنّ ارتباطها محدود والسبب راجع إلى أن نفيسة الفتاة المثقفة ترفض أن تكون المرأة عبدة وخادمة للرجل ووالدتها كانت تلبي أوامر والدها دون أن ترفض له طلب إلا أن والدتها كثيرا ما كان يحزنها حين تشعر بابتعاد ابنها عنها ولا تبادلها الحب والحنان. -»ها هي ذي ابنتي إلى جانبي لا تحرك ساكنا ولا تأبه لدموعي أو أحزاني..«- »ألا يحزنك أن تري ابنتك لا تشارك بآهة ولا بدمعة وأنت تبكين ؟« فالعاصمة سببت هذه البرودة ل»نَفِيسَة«، كما كانت فتاة تعتمد على والدتها في كل شيء أعمال المنزل الطهي، تقتضي وقتها بغرفتها حتى الفطور تجلبه والدتها وهي بذاتها لم تتعود على الحياة والعيش بالريف ولكن بالمدينة هناك أمور وأعمال أخرى تتقنها فهي مرتبطة بالمدينة بنسبة لا مثيل لها كونها عاشت عند خالتها »زٌبَيِدَة« ، »لا أحسن إعداد الأطعمة التي تصنع بالبادية يا خالة أما غيرها فأحسن كل شيء « نجد والدة »نَفِيسَة« حيادية في التعامل معها خاصة فيما يفعله والدها »حاولت الأم أن تظهر حيادها وقالت أبوك أراد ذلك لن تعودي إلى الجزائر«.
صدر مؤخرا عن وزارة الثقافة
̄ نشر في صوت الأحرار يوم 14 - 10 - 2014
لو تأملنا كتابات عبد الحميد بن هدوة نجده أعطى مكانة مميزّة عن المرأة الجزائرية، صّور الواقع الجزائري بكل أبعاده الاجتماعية وما يحمله من متطلبات حقوق وواجبات وبالتالي المرأة كانت جزءً ملتصقاً في رواياته، رغم أننا نعلم أن لا حياة بدون امرأة لأنها نصف الرجل كما أنها الجزء الذي يكمل حياة الذكر. وتعتبر وجود الرجل الذي هو بحد ذاته جزء مهم في كينونتها، مما جعل الكاتب عبد الحميد بن هدوقة يجعله من أهم ركائز الرواية التي تشعبت في سردها سيما وأنه بناها من مبدأ» الرجل البدوي«، إذ رواية »ريح الجنوب« للكاتب عبد الحميد بن هدوقة منحت المرأة الكثير من الاهتمام رغم أن عنوانها لا يحمل سوسيولوجية المرأة بحد ذاتها بل المطلع للعنوان تجحظ عيناه وتفكيره لمعنى ريح الجنوب هل تحكي عن تفاصيل الحب والجنس أم أنها شيئ آخر.
فد عبّر بن هدوقة عن المرأة ككل المجتمعات التي تخضع لقوانين معينة وهي تعيش في ظروف السقف العائلي من الدرجة الأولى والمحيط الاجتماعي ثانيا، لا تستطيع حتى أن تتمرد أو تتجاوز حدود أي منهما لأنها تعودت على الحياة منذ ولادتها، ولكن الكاتب جعل في الرواية صراع فكري ثقافي أمّي- إن صح التعبير-، في تناوله للمرأة بين »نَفِيسَة «الفتاة الريفية المثقفة بثقافة الحضر وبين العجوز »رَحْمَة التي تحمل الكثير من المعارف ولكن بطريقة مخالفة عن فكر »نَفِيسَة«، الفتاة المتعلمة، المتفتحة، ولكن حياتها تغيرّت حين عادت إلى الحياة الصعبة التي لا تطيقها بين أحضان والدها ومجتمعها الريفي الذي لا يؤمن بالمرأة ولا يعطي لها حقها ولا حتى القرار لتتحدث عن نفسها.
هذا ما أدركته »نَفِيسَة« عندما فهمت الوضع وسمعت عن حقيقة أختها »زٌلِيخَة« التي لقيت حتفها اثر حادث تفجير قطار وما كان يربطها ب»عَابِدْ« ابن القاضي الذي كان ينوي التقرب إلى مالك بغية حماية نفسه ومصالحه أثناء الثورة التحريرية .
نكتشف في الرواية أن»نَفِيسَة« رفضت أن تكون مثل نساء ذلك المجتمع الذي يضطهد المرأة دون أن يشعر بها. فوالدتها تلبي أوامر والدها ولا ترفض له طلب أمّا العجوز »رَحْمَة «هي بمثابة إنسانة عاشت الكثير وتعلمت العديد من الحياة، وهي حرة بعد وفاة زوجها إلا أن السن والعمر يؤثران في تحركاتها، حيث أراد الكاتب أن يبين مدى معاناة المرأة منذ مراحلها الأولى إلى أخر حياتها، وهذا يتجسد في حياة العجوز » الوحدة- المعاناة- الشيخوخة«. استطاع بن هدوقة أن يصّور لنا المرأة في الرواية حسب ما اقتضته الضرورة ف»نَفِيسَة« هي صورة المرأة المثقفة التي تبحث عن ذاتها، وحين راحت تبحث عن تلك الهواجس التي كانت تتحكم فيها، اتخذت من حل التمّرد عن قانون المجتمع وسيلة تخطو إليها بعد أن هربت من المنزل وهي متجهة إلى المدينة التي لا تعرف حتى الوجهة الصحيحة المؤدية إليها ولكن وجدت نفسها تخطو خطوة الهروب مما هي فيه. كما صور بن هدو صورة المرأة الأمية التي ترضخ لأوامر الرجل وصوّر ميزة أخرى للعجوز الذي ربطها بنضال »رَحْمَة« التي تتصف بالأصالة والمحافظة على التراث بحب وتفاني وإخلاص.
تعتبر نفيسة بطلة الرواية وهي نموذج للمرأة بين مطرقتين، المرأة المتعلمة المثقفة والمرأة الريفية التي ولدت فيه وعادت إليه بعد أن اكتسبت العلم.، أي أنها ابنة الريف ولادة، سواء أحبت ذلك أم كرهت، رغم مكوثها بالمدينة مدّة تبدو طويلة نوعا ما، ولكنها عادت، في عمر ناضجة احتضنتها بيئتها الأصلية بكل حب، ولكن شرط أن تقبل وتعيش عاداته وتقاليده، ولكن»نَفِيسَة« كانت ترى في تلك الجدران البسيطة التي غطتها وحجبتها عن العيان وعن الشمس والهواء بالحياة المقرفة ، أصبحت حالتها النفسية في تذبذب وقلق وتدهور ، بسبب قوانين والدها وأعين وأحاديث أهل القرية، أثناء هذا الصراع أصبح هدفها الوحيد الرجوع إلى ما كانت عليه من أجل أن تمارس حرّيتها كما تشاء وتحقق طموحاتها وكيانها داخل ازدحام المدينة. حيث لم تعد تحتمل المكان ? الريف- تراه جهنم»كان المرأة مخلوق شاذ يجب ألا يعامل معاملة الأسوياء الخروج عيبì الضحك عيب الحديث أمام الرجال عيب التجميل عيب..« في الرواية- » كان يجب أن أحيا هذه الحياة البائسة التافهة «- في الرواية- »في الجزائر كان المستقبل وحده هو الذي يهمنى أما هنا فأين هو المستقبل«.- في الرواية كما تتميز»نَفِيسَة« بالشجاعة كونها أرادت أن تغير عقلية المجتمع فكانت تقول »انتحر لتكون في ذلك عبرة لمن بعدي«. » إني أهذي ابحث عن تحرير المرأة ولم استطع تحرير نفسي»
الملاحظ أن صفات»نَفِيسَة« المادية والمعنوية كفتاة مثقفة متحضرة بداخلها فتاة بدّوية وفي أعماقها امرأة قوية مميزة عن نساء القّرية. كانت الأفكار تتضارب عندها هذا ما نجده في »فكرت نفيسة قليلا في كلام العجوزì فلم تجد أي نقطة للمقارنة بين هذه الحياة الساذجة البسيطة التي يحياها أهلها وكل سكان البادية وبين الحياة الحضرية المعقدة التي عاشت منها قليلا لدفء خالتها بالجزائر«. فالراوي جعل من شخصية نفيسة تبدو متفاوتة ومتضاربة لأن بحد ذاتها لا تستطيع أن تتحكم في نفسيتها وتدرك ذاتها. يتضارب تفكير »نَفِيسَة« كثيرا ولم يكن له قرارا أحادي وثابت وإنما في كل مرّة تعاني من هذا الاصطدام الذي تواجهه بسبب فكرة الحياة بالمدينة والحضر من جهة.
فنجد في تفكيرها وشخصيتها الطموحة التي كانت تلازم خلالها البقاء في الغرفة لوحدها في أوقات عديدة، وباستمرار دون أن تخصص في هدفها شيء محدد، أصبحت فتاة ناضجة كإمرأة تبحث عن ميولاتها وغرائزها كالزواج مثلا وهذا ما وجدناه في الرواية، »لا لا لا أستطيع أن أتزوج الآن ìدروسي« إلا إنها كانت تفكر في بعض إلا أن هذا لم يمنعها في التفكير في شخص محدد، بحيث كانت معجبة ب »رضا« ذلك الشاب الذي يدرس معها بالعاصمة كان يتميز عن باقي الزملاء بالحياء والأخلاق الحسنة وعمرها حوالي 18 سنة، كانت قبل هذه السن تشعر بوجودها ونضجها كامرأة وهي ابنة 14 عاما. ترفض نعتها بالصغيرة. كما كانت لا تبتعد عنها غرائزها الجنسية فمن الحين إلى الأخر تراودها في أي موقف ما، ونجد ذلك في حادثة »الحِمَار« الذي راح يغازل »أتان «وهي في المقبرة فحين رأت المنظر تعجبت من الأمر ولكن الفضول شغل تفكيرها لتستعمل حضورها وترى ما يحدث- »و ما أحدثه المنظر في نفسها من شعور ليس يسيرا تصويره على أي حال غباوة الأحمرة مكنتها من مشاهدة العملية من البداية إلى النهاية وعرفتها رغما عنها«-. »و شغلت نفيسة عن أمها وعن الموتى بما تشاهده واسترسلت مع أفكارها المتضاربة حول أشياء يصعب تصويرها. أمّا أمها فلم تكن ترى ما يجري فوق المقبرة «- كما نجد شعور آخر لِمَ يربطها مع والدتها بحيث كانت تبتعد عنها في الإحساس إذ أنّ ارتباطها محدود والسبب راجع إلى أن نفيسة الفتاة المثقفة ترفض أن تكون المرأة عبدة وخادمة للرجل ووالدتها كانت تلبي أوامر والدها دون أن ترفض له طلب إلا أن والدتها كثيرا ما كان يحزنها حين تشعر بابتعاد ابنها عنها ولا تبادلها الحب والحنان. -»ها هي ذي ابنتي إلى جانبي لا تحرك ساكنا ولا تأبه لدموعي أو أحزاني..«- »ألا يحزنك أن تري ابنتك لا تشارك بآهة ولا بدمعة وأنت تبكين ؟« فالعاصمة سببت هذه البرودة ل»نَفِيسَة«، كما كانت فتاة تعتمد على والدتها في كل شيء أعمال المنزل الطهي، تقتضي وقتها بغرفتها حتى الفطور تجلبه والدتها وهي بذاتها لم تتعود على الحياة والعيش بالريف ولكن بالمدينة هناك أمور وأعمال أخرى تتقنها فهي مرتبطة بالمدينة بنسبة لا مثيل لها كونها عاشت عند خالتها »زٌبَيِدَة« ، »لا أحسن إعداد الأطعمة التي تصنع بالبادية يا خالة أما غيرها فأحسن كل شيء « نجد والدة »نَفِيسَة« حيادية في التعامل معها خاصة فيما يفعله والدها »حاولت الأم أن تظهر حيادها وقالت أبوك أراد ذلك لن تعودي إلى الجزائر«.
0 التعليقات:
إرسال تعليق