جمعية العلماء المسلمين الجزائريينودورها فى الحركة الوطنية الجزائرية |
مقدمة الكتاب الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله والصلاة والسلام على سيد الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد : فهذا الكتاب الذي بين يديك لم يكتب لأن الجزائر ينقصها الباحثون، بل ماذا عسى باحث مثلي أن يصنع وقد منّ الله على الجزائر بجامعات وباحثين في كل بقعة منها. بيد أننا في المشرق ما أحوجنا إلى أن نتعرف إلى إخواننا في المغرب . والسبيل إلى هذه المعرفة لا يكون بقراءة مقال في مجلة أو بضعة كتب أو زيارة خاطفة تثير الشوق ولا تطفئه. إننا في حاجة إلى باحثين في شؤون المغرب العربي يعرفونه كأبنائه ليكونوا حلقة الوصل بين أجزاء أمتنا الإسلامية التي عملت فيها يد الفرقة زمناً طويلاً. عندما اخترت هذا الموضوع ليكون بحثاً أقدمه لنيل درجة الماجستير في التاريخ الحديث بجامعة الملك عبد العزيز بجدة قيل لي: " بعيدة هذي الجزائر عنّا، فمن أرسلك إليها؟ وكيف؟ ولماذا؟" فأجبت- بلسان الحال إن لم يكن بلسان المقال-" "بل الجزائر قريبة منّا قرب المسلم من قلب أخيه المسلم المخاطب بقوله تعالى( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)(الأنبياء 92)نعم إننا أمة واحدة نسعى لتحقيق هدف واحد هو إعلاء كلمة الله في الأرض. إن ما يسّر الجزائري يفرح أخاه في إندونيسيا أو الهند أو الجزيرة العربية، وما يؤلم الجزائري يؤلم أي مسلم في أي مكان وذلك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر." وشاء الله أن أزور الجزائر منذ بداية البحث عام 1403هـ (1983م) سبع مرات ازددت لها حباً وبها تعلقاً في كل زيارة. أما الجمعية التي يدور حولها البحث في هذا الكتاب فتؤكد دور الإسلام في تحرير الجزائر بل في تحرير الشعوب الإسلامية جميعها. فقد استطاعت أن تعيد بناء الإنسان الجزائري وتبعث فيه الروح بنشر العقيدة الإسلامية صافية من الشوائب والخرافات والبدع، وتعلم اللغة العربية والتاريخ الإسلامي لينطلق أبناء الجزائر في ثورتهم المباركة مدافعين عن الإسلام والعروبة. والحقيقة أن هذه الجمعية تستحق أكثر من بحث ذلك أن نشاطاتها شملت كل ميادين الحياة، ولم يتعرض هذا الكتاب إلاّ لجانب واحد من نشاطها فلعل هذه الدعوة تجد من يستجيب لها. وأما هذا الكتاب الذي بين يديك فهو باكورة إنتاجي العلمي أقدمه دون تعديل يذكر سوى بعض التصويبات اللغوية التي ساهم كل من الدكتور أبو القاسم سعد الله والدكتور أحمد الخراط في إرشادي إليها. فإليهما أقدم جزيل الشرك والعرفان. وأملي أن يكون هذا البحث الخطوة الأولى نحو بحوث أوسع وأعمق وأشمل حول الحركة الإسلامية في المغرب العربي علماً بأنني أوشك أن أسجل رسالة الدكتوراه حول أثر الاستشراق الفرنسي في التيارات الفكرية في الجزائر في مرحلة ما بين الحربين. أدعو الله أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن يغفر لنا تقصيرنا إنه جواد كريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين مازن صلاح مطبقاني المدينة المنورة- حي المغاربة 1 ربيع الأنوار 1408هـ مقدمة البحث( رسالة الماجستير) إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. يعود اهتمامي بالجزائر إلى أكثر من حادثة؛ ففي إحدى سنوات دراستي الابتدائية في مدرسة الكرك الابتدائية (1357-1381هـ)(1956-1962م) جاءت إلى مدرستنا لجنة لجمع التبرعات لمجاهدي الجزائر فكانت حماسة التلاميذ عالية نتيجة للروح الإسلامية لدى معلمينا. أما الحادثة الثانية فكانت أثناء دراستي الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية وكنت قد بلغت العشرين فقد ذهبت لمشاهدة فيلم سينمائي عن الثورة الجزائرية، فلاحظت أثناء عرض الفيلم أن القاعة كانت تضح بالتصفيق والهتاف كلما نجحت عملية من عمليات المجاهدين، وأذكر الآن من الفيلم كيف كان الأطفال يحملون الرسائل الشفهية –غالبا- بين المجاهدين، كما شاهدت صوراً من مشاركة المرأة الجزائرية في معركة التحرير ، فتساءلت في حينها عن الأسباب التي جعلت الشعب يثور ضد فرنسا تلك الثورة الناجحة بعد مئة وأربعة وعشرين سنة من الاحتلال تقريباً، وقد حاولت فرنسا أن تجعل الجزائر قطعة منها، سبيلها في ذلك محو الشخصية الجزائرية بالقضاء على أهم مقومات تلك الشخصية: اللغة والدين. وشاء الله أن ألتحق بقسم التاريخ بعد عودتي من أمريكا عام 1394هـ وأدرس تاريخ شمال أفريقيا ولاسيما الجزائر فزاد اهتمامي بتتبع نضال هذا الشعب الجزائري البطل الذي كان لجمعية العلماء دور ريادي فيه. وبمساعدة من أستاذي الدكتور لؤي بحري- الذي عاش فترة في الجزائر- وقع اختياري على موضوع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأثرها في الحركة الوطنية الجزائرية ( 1349-1358هـ(1931-1939م)وإني لأرجو الله أن أتمكن بهذا البحث من توضيح أثر الجمعية الوطني ، هذه الجمعية التي قال فيها أحد علماء المدينة وقضاتها الشيخ محمد الحافظ " وإني لا أبالغ إذا قلت إن جمعية العلماء كانت أكثر بركة على الجزائر من المطر."([i]) والحقيقة أن هناك أكثر من دراسة جامعية جعلت جمعية العلماء موضوعها الرئيس وأولى هذه الدراسات تلك التي قام بها محمد القورصو بعنوان" تأسيس ونشاط جمعية العلماء في ولاية وهران 1931-1935م" لنيل دبلوم الدراسات المعمقة بقسم التاريخ في جامعة وهران عام 1397هـ(1977م) ويلاحظ أن هذه الدراسة كانت لفترة محدودة وفي منطقة جغرافية معينة في حين أن نطاق عمل الجمعية امتد مدة أطول وشمل جميع أنحاء الجزائر بل تعداها إلى فرنسا أيضاً. وقد لاحظت أيضاً أن الباحث لم يرجع إلى صحف الجمعية مباشرة بل استقى معظم معلوماته من كتاب (ابن باديس حياته وآثاره) الأمر الذي فوّت عليه كثيراً من المعلومات الهامة. كما وجدت دراسة أخرى أعدها عبد الكريم بو الصفصاف بعنوان" جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في تطور الحركة الوطنية الجزائرية 1931-1945م) التي تقدم بها لنيل دبلوم الدراسات المعمقة من جامعة قسنطينة عام 1398هـ(1978م) ونشت هذه الدراسة في كتاب عام 1401هـ(1981م) وهي في الحقيقة دراسة جيدة من حيث الجهد الذي بُذل في إعدادها، لكن الباحث اقتصر على الوثائق الفرنسية الموجودة بمديرية الوثائق بقسنطينة، ومعظم هذه الوثائق عبارة عن تقارير إدارة الأمن ( البوليس) وهذه تتصف غالباً بالعجلة والسطحية لطبيعة عمل محرريها. أما الدراسات الجادة والمراسلات الرسمية فهي قليلة جداً إذا ما قارنّاها بالوثائق الموجودة في الأرشيف الوطني الفرنسي لما وراء البحار في مدينة إكس إن بروفانس Aix-En-Province كما أن بو الصفصاف اضطر في كثير من القضايا إلى عدم إبداء رأيه أو ترجيح أي رأي رغم وضوح الأدلة بين يديه، ومن ذلك مسألة تأسيس الجمعية وقضية خروج العقبي منها وغير ذلك. وهناك دراسة ثالثة كتبها أحمد الخطيب عنوانها" جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأثرها الإصلاحي في الجزائر" قدمها لنيل درجة الماجستير من قسم التاريخ بالجامعة اللبنانية في بيروت عام 1400هـ(1980م) وقد طبعت في كتاب هذا العام. وهي أشمل من الدراستين السابقتين ذلك أن كاتبها له أبحاث سابقة في تاريخ الجزائر حيث نشر عام 1377هـ(1958م) كتاباً بعنوان " الثورة الجزائرية دراسة وتاريخ" ولكن يلاحظ أنه لم يوضح في رسالته الوثائق الفرنسية التي اطلع عليها في الأرشيف الوطني لما وراء البحار بالرغم من إشارته إلى هذه الوثائق في مقدمة رسالته، كذلك لم يطلع الخطيب على بعض الرسائل الجامعية التي نوقشت في الولايات المتحدة الأمريكية أو كندا حول تاريخ الجزائر. كما أنه اتهم الجمعية بأنها لم تقدم برامج اجتماعية كالأحزاب السياسية التي تبنت الفكر الاشتراكي مثلاً ،وهذا الاتهام وإن كان موجهاً للجمعية فهو بلا شك غمز للإسلام بالإضافة إلى اتهامات أخرى لا بد من الرد عليها. والحقيقة أن هناك دراسة جامعية قدمها على مراد بعنوان" الإصلاح الإسلامي في الجزائر من عام 1925-1940م" وقد نشرت في كتاب عام 1387هـ(1968=7م)([ii]) وهي باللغة الفرنسية، ولعل إعداد هذه الدراسة في وقتت مبكر بعد حصول الجزائر على الاستقلال لم يمكن الباحث من الاطلاع على الوثائق الفرنسية. وهنا تأكد لي أن أثر الجمعية الوطني ما زال في حاجة إلى الكتابة عنه، وقد علمت أثناء وجودي في الجزائر أن بعض قادة الجمعية يعكفون الآن على كتابة تاريخ الجمعية ومن ذلك مذكرات الشيخ محمد خير الدين الذي كان من أعضاء المجلس الإداري منذ السنوات الأولى لتأسيس الجمعية، كما تولى منصب المراقب العام ثم نائب رئيس الجمعية. وقد تفضل بإعطائي بعض الصفحات المطبوعة على الآلة الكاتبة من مذكراته بالإضافة إلى المعلومات التي زود بها محمد الطاهر فضلاء حين إعداد كتابه " التزييف والتحريف في كتاب حياة كفاح" وهناك أعمال أخرى ومن ذلك ما أشار إليه الشيخ علي المغربي – الذي كان عضواً عاملاً في الجمعية منذ تخرجه في جامعة الزيتونة عام 1355هـ(1936م)- مع أن العلماء يقومون حالياً بالإعداد لكتابة تاريخ جمعيتهم خاصة بعد أن ظهر كتاب "حياة كفاح"لأحمد توفيق المدني ، كما أن الجمعية تتعرض بين الحين والآخر للهجوم من بعض الكتاب مما يقتضي من العلماء توضيح أثر الجمعية في كفاح الجزائر. ويؤكد أهمية هذه الكتابات أن الكثير من الباحثين في تاريخ الجزائر هم من الأوروبيين وبخاصة الفرنسيين الذي قد تتميز كتاباتهم أحياناً بالتقصير أو التعصب ضد الإسلام. ونوجز الحديث فيما يأتي عن مصادر البحث ومراجعه المختلفة : أولاً: المصادر: وثائق الجمعية : من أهم وثائق الجمعية قانونها الأساسي ومبادئها الإصلاحية ونشير هنا إلى أن مبادئ الجمعية الإصلاحية أشبه ما تكون ببرنامج الجمعية الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ويأتي بعد ذلك في الأهمية سجل مؤتمر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المنعقد عام 1354هـ(1935م) ويعد سجلاً تاريخياً دقيقاً للمرحلة الأولى للجمعية، ومن وثائق الجمعية الهامة التقرير الذي قدّمه المجلس الإداري باسم الجمعية إلى رجال الحكومة الجزائرية في أواسط رمضان عام 1363هـ(1944م) ويضم مطالب الجمعية الأساسية وهي حرية التعليم، والمساجد، والقضاء. كذلك تضمنت وثائق الجمعية التي رجع إليها الباحث ما نشرته مديرية الوثائق بقسنطينة عام 1402هـ(1982م) وهو عبارة عن أسماء بعض الشُعَب وهيئاتها الإدارية، ثم مجموعة رسائل الشُعَب إلى المراقب العام للجمعية حول سير العمل الإصلاحي في جهاتهم،وهذه لها أهمية خاصة لمعرفة سير الإصلاح، وأود أن أضيف هنا أن هذه الوثائق تم العثور عليها عام 1399هـ(1979ن) مع مجموعة أخرى لم تنشر بعد ولم يطلع عليها أي من الباحثين الذين ذكرت آنفاً. الصحف: لقد استطعت الحصول على الصحف الإصلاحية التالية" المنتقد" و"الشهاب" و"الإصلاح" و"البرق" و"صدى الصحراء" و"السنّة" و" الشريعة" و" السراط" و"البصائر" والليالي" ومن الصحف التي أيدت الإصلاح " النجاح" ولكنها أخذت موقفاً معادياً بعد السنة الثانية لتأسيس الجمعية. أما من الصحف المعارضة فقد اطلعت على " الرشاد" و" الميدان" و" المعيار" ومن الصحف المتأثرة بالإصلاح مجلة " التلميذ" وكذلك اطلعت على أعداد قليلة وقصاصات من " الوفاق" و " La Defence " و Entente’ Lو La Flame وAfrique Francaise , L و LEcho DAlger وLa Depeche Algerienne و uma El O المحادثات الشخصية: لقد تمكنت من مقابلة بعض رجال الجمعية الذين ساهموا في إدارتها ونشاطها وهؤلاء هم الشيخ محمد خير الدين،والشيخ حمزة بوكوشه، وعلي مرحوم، ومحمد الصالح رمضان،وأحمد بن ذياب، و عبد الرحمن شيبان، والدكتور تيجيني هدّام سفير الجزائر لدى المملكة ، ود. أحمد شرفي الرفاعي والأخيران وإن لم ينسبا إلى جمعية العلماء إلاّ أن لديهما معلومات جيدة عن الحركة الإصلاحية وبخاصة الدكتور أحمد شرفي الرفاعي الذي تخرج في معهد عبد الحميد بن باديس وقام بنشر بعض مقالات الشيخ العربي التبسّي الذي كان أحد قادة الجمعية([iii]) كما قابلت الشيخ عمر بو عناني إمام مسجد كتشاوة وخطيبه في الجزائر العاصمة، والشيخ محمد زرواني من تلاميذ المسجد الأخضر والذي يعمل حالياً في حقل التعليم، وقابلت الدكتور عمّار الطالبي وهو من المهتمين بتراث الشيخ عبد الحميد بن باديس وساهم في نشر هذا التراث عام 1388هـ(1968م) بالإضافة إلى المقابلات حصلت على إجابة الشيخ أحمد حماني على الأسئلة التي وجهها زميل الباحث إسحاق السعدي حول جمعية العلماء حيث إن الباحث يعد بحثاً حول جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض. ومن الأطراف المناهضة لجمعية العلماء قابلت محمد قنانش أحد الذين كانوا ينتسبون لحزب الشعب وشارك في تحرير صحافة ذلك الحزب. أما لقائي بالدكتور أبو القاسم سعد لله فبالرغم من أنه لم يكن نوع المقابلات السابقة إلاّ أنه كان هاماً حيث أرشدني إلى مصادر المعلومات وأمدني بالتوجيهات المفيدة لمسيرة البحث، كما عرضت عليه مسوّدة الرسالة قبل الشروع بطباعتها فكانت له ملاحظات قيمة. الوثائق الفرنسية: وهي عبارة عن بعض الدراسات التي كانت تعدها مراكز الإعلام والدراسات في الولايات الجزائرية الثلاث ( الجزائر وقسنطينة و وهران) حول أوضاع الجزائريين السياسية، وكل هذه التقارير أو الدراسات كانت تحتوي على جزء خاص بجمعية العلماء ونشاطها السياسي والثقافي والاجتماعي، وعلاقاتها الأحزاب الجزائرية، بالإضافة إلى هذه الدراسات فهناك مجموعة من المراسلات بين الحاكم العام وولاة المقاطعات الجزائرية ، وكذلك بعض تقارير الشرطة الفرنسية وسوف يوضع بعضها في الملاحق وتكتب بالتفصيل إن شاء الله في قائمة المراجع, ثانياً: المراجع: ومن أوائل هذه المراجع التي تستحق التنويه كتابا الدكتور أبو القاسم سعد الله " الحكة الوطنية الجزائرية: الجزء الثاني 1900-1930،والجزء الثالث 1930-1945 حيث أشار إلى الجمعية في الجزء الثاني وافرد لها فصلاً في الجزء الثالث، ولكن الحديث عن الجمعية شمل معظم أجزاء الكتاب لأهمية دورها في الحركة الوطنية، وكتابات الدكتور سعد الله تتسم بالمنهجية العلمية رغم وجود من يخالفه في بعض آرائه. أما المراجع الأخرى فأود أن أشير من بينها إلى رسالتي دكتوراه لم تنشرا وحصلت عليهما من مكتبة الميكروفيلم الجامعي الدولي بولاية ميتشجان Michigan الأمريكية وقد كانتا مفيدتين جداً. الأولى بعنوان " الجزائر الفرنسية بين الحربين : الوطنية والإصلاح الاستعماري 1919-1940م) French Algeria between the two Wars: Nationalism and Colonial Reform 1919-1940 قدمها الدكتور مالكوم ريتشاردسون Malcolm L. Richardson لقسم التاريخ بجامعة ديوك في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1975م(1395هـ) وقد أجرى صاحبها دراسات واسعة على الوثائق الفرنسية في إكس إن بروفانس وأعطى الحركة الإصلاحية بقيادة جمعية العلماء حقها من التقدير والاهتمام. ولكني لاحظت تسلميه غالباً بما جاء في المراجع الفرنسية دون مناقشة، كما أن حديثه عن الحركة الإصلاحية كان معتمداً أساساً على كتاب علي مراد باللغة الفرنسية دون الرجوع إلى صحافة الإصلاح نفسها. أما الرسالة الثانية فعنوانها" السياسة الإقليمية في النظام الموحد – الجزائر المستعمرة 1920-1954" Regional Politics in a Unitary System: Colonial Algeria 920-1954. قدمها الباحث روبرت د. لي عام 1972م(1392هـ) لقسم العلوم السياسية بجامعة كولومبيا بنيويورك . وقد درس الباحث العلاقة بين الحكومة الفرنسية في باريس والإدارة الفرنسية في الجزائر موضحاً مدى استقلالية الأخيرة في اتخاذ القرار السياسي مؤكداً هيمنة المستوطنين في هذا الشأن. أما مصالح الجزائريين فلم تنل الاهتمام رغم تطلعهم إلى الحكومة الفرنسية لإنصافهم. وقد أوضح الباحث من خلال دراسته الجهد الذي قامت به الحركة الإصلاحية في التعليم وفي إثارة مخاوف المستوطنين من نمو الحركة الوطنية ودور الإصلاح في ذلك. وكانت مراجعه الأساسية الوثائق الفرنسية والصحف الرسمية سواء في الجزائر أو في فرنسا. وهناك رسالة دكتوراه قدمها الباحث الكندي أندري ديرلكAndre Dirlik عام 1391هـ(مارس 1971م) لمركز الدراسات الإسلامية بجامعة ماقيل McGillبكندا بعنوان "عبد الحميد بن باديس مفكر الإصلاح الإسلامي ورائد الوطنية الجزائرية" Abd al Hamid Ben Badis Ideologist of Islamic Reform and Leader of Algerian Nationalism وقد ناقش الباحث أعمال ابن باديس لإعادة بناء المجتمع الجزائري الذي أصابه الانحطاط نتيجة الاستعمار والتخلف، ويذكر الباحث " انه يهدف من بحثه كتاب صفحة هامة من تاريخ التغّير في الجزائر ،وكذلك محاولة فهم حركة الإصلاح الإسلامي التي عمت جميع البلاد الإسلامية بعد القرن التاسع عشر الميلادي." ([iv]) ومن الملاحظ أن معرفة الباحث باللغة العربية مكنته من الاطلاع الواسع على المراجع العربية([v]) وكان من أهم ما جاء في رسالته إشارته إلى أنه في الوقت الذي ظل وجود الجزائر كأمة فكرة غامضة في أذهان غالبية الجزائريين فإن الحركة الإصلاحية برئاسة عبد الحميد بن باديس سعت لوضع " قواعد الأمة للشعب الجزائري"([vi]) وكان من نتائج هذه الحركة الإصلاحية ولادة الثورة الجزائرية، ولعله لقرب إعداد الرسالة من تاريخ حصول الجزائر على استقلالها فإن البحث لم يستعمل الوثائق الفرنسية، كما يبدو أنه لم يناقش السياسة الفرنسية بتوسع. وهناك مجموعة من الدراسات حول رئيس الجمعية الشيخ عبد الحميد بن باديس وأعماله في مجال التربية أو زعامته للحركة الوطنية سيرد ذكرها في حاشية البحث وفي قائمة المراجع بإذن الله. ومن الصعوبات التي واجهها الباحث في الحصول على مصادر الرسالة أنها غير متوفرة في مكان واحد ولتدارك هذه الصعوبات فقد قام الباحث بعدد من الرحلات العلمية وهي كالتالي: أولاً: رحلتان إلى القاهرة للحصول على بعض المراجع خلال شهري رجب وشعبان عام 1403هـ(مايو 1983م) ثانياً: أربع رحلات إلى الجزائر كانت الأولى في شهر شوال عام 1403هـ(يوليو 1983م) حضرت خلالها ملتقى الفكر الإسلامي السابع عشر في قسنطينة، وكانت فرصة للتعرف على عدد كبير من رجال الجمعية كما التقيت كثير من الاخوة الجزائريين من مدرّسين، وطلبة، وموظفين، وتجار جاءوا لحضور الملتقى، واطلعت في هذه الرحلة على بعض أعداد البصائر والشهاب، وحصلت على عدد من الكتب الهامة في تاريخ الجزائر، وقد زرت خلال هذه الرحلة المكتبة الوطنية في الجزائر حيث قابلت مديرها، وكان الهدف من هذه الرحلة استكشاف الطريق لرحلات أخرى لجمع المادة وخلالها قابلت الأستاذ أحمد بن ذياب في البليدة، وكان الأستاذ أحمد بن ذياب من تلاميذ الجامع الأخضر ثم الزيتونة، وعمل مفتشاً تربوياً لدى الجمعية ، وقد أفدت منه كثيراً. ولما كانت هذه الزيارة فقط للتعرف على الجزائر وأهلها واستكشاف مصادر المعلومات فقد قمت بزيارة أخرى في صفر عام 1404هـ (نوفمبر 1983م) ودامت هذه الزيارة عشرين يوماً أجريت خلالها مقابلات مع عدد من العلماء، وحصلت منهم على معلومات قيمة، ولكنهم اعتذروا عن عدم وجود وثائق لديهم ربما لأن بعضهم كان يعد لكتابة تاريخ الجمعية ولاسيما أنها كانت تتعرض لبعض الهجوم المغرض من بعض الكتّاب أمثال أحمد عباس ومحمد قنانش وغيرهما. كما أن كتاب أحمد توفيق المدني " حياة كفاح" أثار في رجال الجمعية الحماسة للدفاع عنها ونشر ما عندهم من الوثائق كما زرت مديرية الوثائق بقسنطينة.([vii]) أما الرحلة الثالثة فقد كانت في شهر جمادى الثانية عام 1404هـ(مارس 1984م) فقد كانت لاستكمال بعض الأمور التي لم أتمكن من إنجازها في المرتين السابقتين. وكانت الرحلة الرابعة في شهر جمادى الثانية 1405هـ(مارس 1985م) بعد الانتهاء من مسوّدة البحث وذلك لمحاولة الإجابة عن بعض التساؤلات التي برزت أثناء الكتابة، وللاطلاع على آخر ما كتب بصفة عامة والجمعية بصفة خاصة واطلاع الدكتور سعد الله على مسوّدة البحث. ثالثاً: رحلتان إلى فرنسا الأولى في جمادى الثانية عام 1404هـ(مارس 1984م) زرت خلالها المكتبة الوطنية في باريس والأرشيف الوطني لما وراء البحار في إكس إن بروفانس حيث قضيت فترة أصور كل ما أستطيع، كما زرت مكتبة الدراسات العليا لمجتمعات البحر المتوسط. ثم عدت إلى باريس مرة أخرى في شعبان عام 1404هـ(مايو 1984) زرت فيها المكتبة الوطنية وفرعها في فرساي(الخاص بالصحافة والدوريات) كما حصلت على مجموعة من أفلام الميكروفيلم للصحف الجزائرية الإصلاحية وغيرها من مؤسسة تجارية تابعة للمكتبة الوطنية.([viii]) محتويات البحث: ينقسم البحث إلى تمهيد وأربعة فصول ، وخاتمة وملاحق. أما التمهيد فتحدثت فيه عن الأوضاع في الجزائر عقب الحرب العالمية الأولى من النواحي الاجتماعية، والاقتصادية، والدينية، والسياسية، ثم قدمت في الفصل الأول عرضاً لنشأة حركة الإصلاح الديني في الجزائر وتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين موضحاً مدى تأثر الإصلاح الديني في الجزائر باليقظة الإسلامية التي عمت المشرق العربي على يدي جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا. أما الفصل الثاني فعرضت فيه لنشاط جمعية العلماء في مجالين هامين هما النشاط التعليمي والصحفي مع التركيز على الناحية الوطنية في هذين النشاطين. ونظرا ًلأهمية النشاط السياسي للجمعية الذي يُبرز بوضوح أثرها في الحركة الوطنية الجزائرية فقد جعلت الفصل الثالث للحديث عن الجمعية وعلاقاتها بالطرقية أولاً ، ثم الأحزاب السياسية بعد ذلك مع اهتمام خاص بالمؤتمر الإسلامي الجزائري عام 1355هـ(1936م)والذي ساهمت فيه الجمعية مساهمة فعّالة سواء في الدعوة إليه أو في نشاطاته المختلفة. أما الفصل الرابع فتحدثنا فيه عن موقف السلطات الفرنسية من الجمعية،وحاولنا تحليل موقف المستوطنين داخل الجزائر وموقف الحكومة الفرنسية في باريس. ثم ختمنا البحث بخاتمة موجزة ألمحنا فيها لما جاء في الرسالة من مباحث وما يمكن أن نستنتجه من هذا البحث . ويأتي بعد ذلك الملاحق والمراجع. وإني لأرجو أن أسهم بهذه الدراسة في توضيح أثر جمعية العلماء في الحركة الوطنية الجزائرية ، وأن أنبه إلى أن الإصلاح الديني كما فهمته جمعية العلماء ليس دعوة إلى ممارسة الشعائر التعبدية فقط بل إن الإصلاح الديني دعوة إلى التحرر والاستقلال لا تقل بحال من الأحوال عن نشاط الأحزاب السياسية. فإن نجحت في ذلك فتوفيق من الله وله الحمد والمنّة، وإن كانت الأخرى فحسني أنّي بذلت الجهد. والآن أود أن أتقدم بالشكر والتقدير لكم من ساعدني في إنجاز هذا البحث وأولهم أستاذي الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن برج لإرشاداته، كما أشكر الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله الذي أعطاني من وقته ما أفادني والذي قام بمساعدتي مساعدة تستحق التنويه والإشادة بها. وأشكر أيضاً الأخوين عبد القادر ربّاني ومحمد شيوخ على حسن استقبالهما لي في الجزائر وإمدادي بكل ما يستطيعان، ومن ذلك مساعدتي في مقابلة وزير الشؤون الدينية في الجزائر الأستاذ عبد الرحمن شيبان الذي أبدى تحمسه للبحث. ثم أشكر المسؤول عن قسم التصوير في المكتبة الوطنية الجزائرية الأستاذ رحومه الذي عاملة معاملة مميزة، وكذلك موظفي الأرشيف الوطني لما وراء البحار في إكس إن بروفانس. وكذلك الأستاذ محمد الهادي الحَسَني المسؤول بالمؤسسة الوطنية للكتاب بالجزائر على كل ما قدمه من أجل هذا البحث. وكذلك شكري لزميلي الباحث إسحاق عبد الله السعدي المعيد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- قسم الثقافة الإسلامية في الرياض- الذي زرته مرتين فكان كريماً معطاءً ، وإن دماثة خلقه مكنته من الحصول على مراجع قيمة لم يتوان في تزويدي بها، فأدعو الله له بالتوفيق والنجاح. وأشكر كذلك أخي وزميلي الأستاذ فهد علي حمّاد- المدير الإقليمي للخطوط السعودية في نيويورك لمساعدتي في الحصول على بعض المراجع العامة من أمريكا وكندا. ثم شكري الخاص لجميع أفراد عائلتي الذين تحملي سفري وانشغالي الدائم فهذه الرسالة لا شك ثمرة صبرهم ومساعدتهم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين مازن صلاح مطبقاني |
1- محمد الحافظ: مقابلة شخصية معه في المدينة المنورة في 28 ربيع الأول 1405هٍ(20ديسمبر 1984م) والشيخ محمد الحافظ من علماء المدينة المنورة الذين تلقوا العلم في المسجد النبوي والتقى الشيخ البشير الإبراهيمي.
[ii] -Ali Merad. La Reformisme Muslulman en Algerie de 1925a 1940( Mouton: the Hague 1967)
3 – العربي التبسّي : ولد في تبسّة عام 1313هـ(1895م) تلقى تعليمه الأساسي في مسقط رأسه وعلى يد والده ثم التحق بالزيتونة عام 1331هـ(1914م) وفي عام 1340هـ(1921م) التحق بالأزهر، ثم عاد إلى الجزائر عام 1347هـ(1927م) لينظم إلى الحركة الإصلاحية تولى إدارة معهد عبد الحميد بن باديس منذ إنشائه عام 1367هـ(1947م) ونائب رئيس الجمعية حتى اختطفه الاستعمار واستشهد عام 1376هـ(1957م)
5-من الطريف أن الباحث ترجم اسم جامع الزيتونة حرفياً بالرغم من أن الأعلام لا تُترجم فكتبه Olive Mosque
7 – وهنا أود أن أشير إلى الصعوبة في الحصول على الوثائق فقد كان لا بد من مقابلة مدير الإدارة قبل الاطلاع على أي وثيقة ، وقد أضعت بعض الوقت في الوصول إليه. كما أن أسلوب إطلاع الباحثين على الوثائق بتم بأن يطلب الباحث وثيقة وثيقة بدل إعطائه العلبة كاملة- كما يفعل الأرشيف الوطني الفرنسي- وقي طلب الوثائق وثيقة واحدة بعد الأخرى إضاعة للوقت ذلك أن عناوين بعض الوثائق قد لا يدل على محتوياتها ومع ذلك فلا بد من تقدير جهود مديرية الوثائق بقسنطينة في تبويب الوثائق وطباعة نشر بعضها.
8 – بالإضافة لهذه الرحلات العلمية فقد استفدت من رحلات أخرى لم يكن هدفها الأساسي علمياً فقد زرت مدينة كاربونديل Carbondale في ولاية إلينوي في شهر ربيع الأول عام 1404هـ(ديسمبر 1983م) حيث زرت مكتبة الجامعة التي تحتوي على نصف مليون كتاب في التاريخ فقمت بتصوير أجزاء من بعض الكتب بالإنجليزية وبعض المقالات التاريخية حول الجزائر، كما استفدت من زيارتي للعاصمة الأمريكية واشنطن في شهر صفر 1405هـ(ديسمبر 1983م) حيث زرت مكتبة الكونجرس وبخاصة قسم الشرق الأدنى واطلعت على بعض المطبوعات التي لها علاقة بالجزائر ولكني لم أستفد منها في البحث مباشرة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق